ذاع في الأخبار عن عزم الصين إرسال كتيبتين عسكريتين إلى
سوريا؛ لمساعدة نظام
الأسد في الحرب على أهل الغوطة، بذريعة وجود مقاتلين من تركستان الشرقية، في الوقت الذي لا تتوقف الطائرات الروسية عن قصف مدن الغوطة وقراها التي يفتك بها وبأهلها حصار خانق؛ خلّف حتى اللحظة مئات الموتى جوعاً، وثمة آخرون كثر سائرون على طريق الموت ما لم تحصل معجزة لإنقاذهم.
وللمفارقة، أنه في ذات الوقت، يحتفل العالم، بشرقه وغربه وعربه وعجمه، بمفاوضات السلام بين السوريين في جنيف؛ باعتبارها خطوة متقدمة على طريق إنهاء ما يسمونه بالحرب الأهلية في سوريا، وكأن العالم يطالب السوريين، وخاصة الأكثرية التي وقفت ضد نظام الأسد، بقبول أي شيء، وإغلاق الملف بذريعة الواقعية والالتفات إلى مطالب منطقية في ظل تغيير موازين القوى، ومراعاة الواقع الحاصل على الأرض، ثم الاهتمام بقضايا أكثر إلحاحية وفائدة، مثل فك الحصار عن المناطق المحاصرة، وإخراج المعتقلين وإعادة النازحين.
تذكرنا هذه النغمة بنغمة قديمة سمعناها يوم تم دفع
الفلسطينيين إلى محادثات السلام مع
إسرائيل، وكيف تبارز الواقعيون في الحديث عن محاسن الواقعية وتعداد فضائلها، وكيف أنها تجعل المنكسر منتصراً، وكيف أن أي فعل مخالف لذلك ويدعو إلى رفضها؛ هو عمل طائش لا يدرك جوهر التغيرات الدولية، ولا ميل الدول للسلم واستعدادها لاحتضانه والدفاع عنه. وهكذا مرّت خمس وعشرون والفلسطينيون يخسرون أرضهم وأبناءهم بالتقسيط، وبدون إعلان حرب، ولا بأس من فاصل عسكري بين فترة وأخرى لتنشيط قدرات الجنود على الحرب.
واللافت هنا؛ أنه في فلسطين وسوريا جرى استنساخ الأدوات والأساليب وطرق العمل ذاتها، وكأن ما قامت به إسرائيل في فلسطين يشكل ذروة ما وصل له العقل السياسي من خبث ومكر، بيد أن المفارقة أن إسرائيل استقت أساليبها وأدواتها من التاريخ الإمبريالي الذي عرفته الصهيونية التي نشأت في عواصم الغرب الإمبريالية وطورتها حسب الحاجة والظروف في الشرق الأوسط، في حين أن ما جرى في سوريا هو أن القوّة التي تدعي مقاومة إسرائيل طبّقت أساليبها بحذافيرها، كما أن روسيا التي دخلت المشهد بذريعة وقف تجاوزات أمريكا استخدمت أساليب الجنرالات الأمريكيين في فيتنام وكمبوديا.
إذن، هي ذات الطريقة والتكتيك والأسلوب الذي طبقته إسرائيل في فلسطين: توريط الخصم ما أمكن بالأزمات والمصائب، عبر تدمير بيئته وتهجير حواضنه ووصمه بالإرهاب، وتجريده من إنسانيته ومحاصرة الحواضر والقرى واحتلالها، ثم الادعاء بأن الخصم متخلف وغير حضاري ولا يستحق الحصول على وضع سياسي وقانوني، وأن الأجدى هو إخضاعه، بل أكثر من ذلك يجب عزله عن نخبه؛ لأن تلك النخب هي سبب بلائه ومصائبه.. وهي نخب عميلة للخارج، وأن البديل هو تنصيب مخاتير محليين "عقلاء" واقعيين؛ يتم اختيارهم بعد فحصهم مخابراتيا، وحل المسألة معهم على طريقة تخادمية؛ يحصل عبرها "الفلسطينيون والسوريون" على حصص طحين ورز، مقابل السكوت عن أي مطلب سياسي، والحجة الدائمة في الحالتين أن الطرف الآخر هو الدولة "دولة إسرائيل وسوريا الأسد".
وبالعودة للخبر الصيني، ثمة ما يدفع للذهول في هذا المقام، وخاصة أن نظام الأسد يدخل في حالة تفاوض مع المعارضة، والأدهى أنه يدّعي الانتصار.. وليس انتصارا محليا وحسب، بل انتصار منظومة إقليمية ودولية على منظومة مقابلة لها. في هذه الحالة؛ ما الحاجة لاستدعاء أطراف جديدة للصراع، ومن من المفترض أن يستدعي الخارج لمناصرته؟ لم يعرف في التاريخ، قديمه أو معاصره، أن طرفاً منتصراً وفي حرب على وشك الانتهاء يستدعي قوى خارجية لمناصرته، أم هو مجرد انتقام من الخصم إلى أبعد مدى؟
الغالب أنه لا تفسير غير ذلك، حيث أن نظام الأسد جرّب عشرات المرّات الدخول إلى الغوطة التي شكّلت مقبرة لجنوده ولم يفلح، كما أن قصف الطائرات الروسية لم يأت بنتائج ميدانية، ولا زالت العوطة تشكل تحدياً منتصبا في وجه نظام الأسد.
في طل هذه الوضعية، كيف يمكن الوصول إلى حل سياسي؟ ومع من؟ إذا كان هذا النمط من الاجتماعات واللقاءات يهدف بالفعل صناعة تسويات، هل مع المحتلين والتفاوض معهم على استقلال البلاد ورفع أيديهم عن مصادر ثرواتها ومواقعها الجغرافية؟ أم مع النظام الوكيل للحصول على الحقوق السياسية والاقتصادية وسواها؟ المشهد فانتازي إلى أبعد الحدود، وربما ما جعل من منسوب اللامعقولية فيه مرتفعا هو قبول الثوار والمعارضة المشاركة فيه.