شهدت الأيام الأخيرة تراشقا إعلاميا بين النظام المصري والإدارة
الأمريكية وسط تزايد الخلافات بين القاهرة وواشنطن حول عدة ملفات، وتزامنا مع تقارب
مصري روسي على الجانب الآخر.
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد هدد بوقف المساعدات المالية
الأمريكية عن الدول التي صوتت لصالح مشروع قرار في الأمم المتحدة ضد قراره
بالاعتراف القدس عاصمة لإسرائيل، ومن بينها مصر، الأمر الذي قابله سياسيون
وإعلاميون مؤيدون للنظام انتقادات شديدة للإدارة الأمريكية.
وعقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسة طارئة يوم الجمعة، بناء على
طلب دول عربية وإسلامية للتصويت على قرار الرئيس الأمريكي بشأن القدس، حيث تبنت
قرارا يرفض قرار ترامب، بغالبية 128 دولة
ومعارضة 9 دول فقط، فيما امتنعت 35 دولة عن التصويت.
"حليف سيئ"
وعلق الإعلامي عمرو أديب، على إحدى المقالات التي نشرتها صحيفة
"نيويورك تايمز" الأمريكية يوم الأربعاء الماضي، قالت فيها إن مصر
لم تعد حليفا جيدا للولايات المتحدة، قائلا إنه شرف لمصر أن تكون حليفا سيئا
للولايات المتحدة.
وأضاف "أديب" في برنامجه على قناة "أون إي"
الأربعاء الماضي، أن الأمريكان منزعجون بشدة من التقارب المصري الروسي والاتفاق
على تبادل استخدام القواعد الجوية، ومساندة المصريين لخليفة حفتر الذي يقف أمام
القوات الأخرى التي تساندها الحكومة الأمريكية في ليبيا، كما يتهمون مصر بالتعاون
عسكريا مع كوريا الشمالية.
وأكد أن مصر رفضت عرضا أمريكا بأن يقوم الخبراء الأمريكيون بتدريب
القوات المصرية في سيناء على مقاومة الإرهاب، ورفضت أن تتعاون معها في ذلك، قائلا
إنه شرف للمصريين أن يرفضوا وجود خبراء
أمريكان يقودون حربنا ضد الإرهاب في سيناء.
"طظ فيك"
واستنكر رجل الأعمال القبطي نجيب ساويرس، تهديد ترامب بقطع المساعدات
المالية عن مصر، قائلا عبر "تويتر"، يوم الخميس، : "يا عم قلنالك
طظ فيك وفي مساعداتك.. أنت دخلت في حتة غلط وقرارك لا في مصلحة أي يهودي أو مسيحي
أو مسلم عندهم ضمير.. القدس للجميع".
وقال النائب المقرب من الأجهزة الأمنية مصطفى بكري، إن تهديد ترامب
بوقف المساعدات عن الدول الرافضة لقراره بشأن القدس هو تصعيد متوقع من بلطجي يسعى
لإثارة الفتنة بالعالم العربي والعالم أجمع.
وطالب بكري، في تصريحات صحفية يوم الخميس، العرب بتقديم شكاوى إلى
الأمم لمتحدة ضد واشنطن، ووقف البترول عنها حتى لا تضيع القدس مقابل المعونات، على
حد قوله.
وقالت صحيفة اليوم السابع، المقربة من الأجهزة الأمنية، إن الإدارة
الأمريكية تعيش حالة القلق والحرج بسبب الإجماع العربي والدولي ضد قرارها بالاعتراف
بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو ما دفعها إلى التهديد العلني للدول التي تصوت ضد قرار ترامب بشأن القدس.
المساعدات لا قيمة لها
وأكد النائب ياسر عمر أن مصر في طريقها لانتعاش اقتصادي بشهادة صندوق
النقد الدولي، وأصبح لديها موارد جديدة يمكن الاعتماد عليها، تجعل المساعدات
الأمريكية لا قيمة لها، مشددا على أن المساعدات لن تجبر مصر على التراجع عن موقفها من
القدس.
فيما رأى النائب محمد بدراوي أن المعونة الأمريكية ليست تفضلا من
واشنطن، بل هي ثمن قليل لما قدمته مصر من استقرار للمنطقة طوال 40 عاما، ما وفر
على أمريكا مئات المليارات من الدولارات.
وأشار إلى أن قرار الأمم المتحدة كان بمنزلة صفعة قوية لأمريكا
ورئيسها المتغطرس، وإعلان لرفض بلطجة أمريكا وتأكيد أن ضمير العالم مازل واعيا
ومؤيدا للحق والشرعية الفلسطينية.
ظروف اقتصادية
المحلل السياسي عمرو هاشم ربيع قال إن الكونغرس كان قد أقر بالفعل
قرارا بتجميد جزء من المعونة الأمريكية لمصر منذ عدة أشهر، بسبب ظروف اقتصادية تمر
بها الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن الموضوع لا علاقة له بالتقارب المصري الروسي
ولكنه مرتبط بأمور اقتصادية بحتة.
وأكد ربيع، في تصريحات لـ "عربي21" أن مسألة قطع المساعدات
الأمريكية نهائيا عن مصر غير وارد، لافتا إلى أن ترامب يعي جيدا أهمية دور مصر في
منطقة الشرق الأوسط حتى ولو كان مختلفا معها الآن بسبب موقفها من القضية
الفلسطينية أو قضايا أخرى.
وأضاف أن الكونغرس وترامب يتعرضون لضغوطات إعلامية بسبب أوضاع أمريكا
الاقتصادية،
لذلك سيقطع المعونة نهائيا دون تردد إذا كان فيه مصلحة كاملة
لأمريكا، وإذا قرر الرأي العام هناك ذلك.
حماية مصالح أمريكا بالمنطقة
من جانبه قال أستاذ العلوم السياسية مصطفى كامل إن العلاقة بين مصر
وأمريكا أعقد من فكرة قطع المعونة الأمريكية، مشيرا إلى أن فلسفة المعونة هي حماية
مصالح أمريكا في المنطقة في المقام الأول.
وأضاف كامل، في تصريح لـ "عربي21"، لو فرضنا أن أمريكا
قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع مصر، فليس معنى ذلك قطع العلاقات الاقتصادية أيضا، وليس معناه خرق المعاهدات الدولية ونصوصها التي من بينها معاهدة "كامب
ديفيد"، التي تنص على تقديم أمريكا مساعدات مالية وعسكرية لمصر، فما بالك
والعلاقات الدبلوماسية بين البلدين قوية حتى الآن برغم بعض التوترات هنا وهناك.
وشدد كامل على أن النظام المصري يعي تماما محورية دور أمريكا في
المنطقة، وبالتالي فهو يحافظ على علاقاته معها، كما أن أمريكا تعرف أهمية الدور
المصري في المنطقة، وتدرك أن قطع المساعدات عنها غير وارد لأنه التزام تاريخي
بمعاهدة تاريخية، كانت أمريكا الراعي الأساسي لها ولا يمكن إلغاؤها بتصريحات
سياسية.
التطورات العالمية والإقليمية منذ قرار ترامب بشأن القدس
إلى أين يقود مصر.. تأرجح السيسي بين الروس والأمريكان؟
إعلام السيسي يستغل القدس لتحميل خصومه مسؤولية الأزمة