بحلول كانون أول/ ديسمبر من كل عام، تعكف كبريات وسائل الإعلام على رصد أهم أحداث العام الذي يكون وقتها على وشك الانقضاء، وبما أن مجلة تايم الأمريكية هي أول من كرس تقليد تخصيص عدد كامل لرصد أهم إنجازات وشخصيات وأحداث كل عام منقضٍ، فقد صار عددها الذي يصدر في منتصف ديسمبر ذو قيمة مرجعية للساسة والعلماء والمبدعين وغيرهم.
وهناك مطبوعات ومراكز دراسات ومؤسسات بحثية، تقوم بنفس تلك المهمة في نهاية كل عام تقويمي، وظللت طوال الأيام الماضية أجوس في اصداراتها لرفد أرشيفي الخاص بأهم ما حدث في عام 2017، ولم أعجب لأنني لم أعثر على أي أمر يتعلق بالعالم العربي ضمن الأحداث المهمة لتلك السنة
من بين الشخصيات المؤثرة على مستوى العالم، على ذمة مجلة تايم، جاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المرتبة العشرين، وفاز المسلمون بمركزين في العشرين الأوائ،ل حيث جاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المرتبة السابعة عشر، وقائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في المرتبة الرابعة والعشرين.
وأردوغان وسليماني يستأهلان التضمين في قائمة شخصيات عام 2017 البارزة، فالأول نجح في دحر انقلاب اخطبوطي شارك فيها جنرالات من مختلف أقسام الجيش التركي، ونال شعبية فاقت تلك التي منحتها له صناديق الاقتراع، والثاني – رضينا أم أبينا – هو المحرك الرئيس للأحداث في سوريا واليمن والعراق ولبنان
وكما هو الحال على مدى عقود، فلم تنجح شخصية عربية في الوصول الى قائمة الشخصيات المؤثرة باي مستوى خلال 2017، ولكن ما قد يثير عجب البعض، هو أنه لم يتم تضمين أي حدث فيما يسمى بالعالم العربي، في قوائم الأحداث المهمة، في أي وسيلة إعلامية تولت إصدار قوائم الأحداث والشخصيات لتلك السنة.
استغفر الله، فقد وجد تحرير الموصل من قبضة "تنظيم الدولة" في يونيو الماضي، مكانا في أحد تلك القوائم، وبالتحديد في الدورية التي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، ولكن لم يكن ذلك إلا لأن الحدث يهم العالم الغربي، الذي يضع ذلك التنظيم في نفس مرتبة كوريا الشمالية، من حيث أنه مصدر تهديد لها، وليس لأنه يعني ان الحكومة العراقية شرعت في بسط سيطرتها على معظم أنحاء البلاد.
ولم يأت التقرير عن تحرير الموصل باعتبار أنه حدث جدير بالتسجيل، على حقيقة أن من قضوا من أهل الموصل على ايدي من حرروها، أكبر من ضحايا تنظيم الدولة الذي اشتهر بممارسة العنف الأهوج على مدى سنوات عملياته في مختلف الدول.
ورجعت الى أرشيف الديسمبري للأعوام الثلاثة الماضية في وسائل الإعلام الغربية، ولم أجد ذكرا لليمن او سوريا، مما يعني أن هلاك عشرات الآلاف في البلدين، ليس أمرا يستحق أن تقف عنده أي وسيلة إعلامية، طالما أن الغربيين في مأمن من الأحداث الدموية هناك.
اهتم الغرب لحين قصير من الدهر بأحداث سوريا، ولكن فقط من زاوية قص أظافر تنظيم الدولة هناك، وفي اليمن نسمع مرة كل بضعة أشهر عن قصف طائرات الدرون لمواقع لتنظيم القاعدة، أما موت اليمنيين بالمجان بالرصاص والقذائف والكوليرا، فلا يستحق التسجيل كحدث ذو تأثير على الساحة الدولية
يجدر بالذكر أن مجلة تايم، وهي صاحبة القائمة الأكثر أهمية عن أحداث كل عام ينصرم، تقول إن سياستها في اختيار الشخصيات والأحداث، تقوم على "مدى تأثيرها على الساحة الدولية" بغض النظر عما إذا كان ذلك التأثير سلبيا أم إيجابيا، ولهذا كان إرغام روبرت موغابي على الاستقالة من رئاسة زيمبابوي جديرا بالتسجيل، واستحق مارك زكربيرغ مؤسس فيسبوك احتلال المرتبة العاشرة بين شخصيات عام 2017 المؤثرة.
وكل ما يهم أوربا من الأوضاع الدامية في ليبيا هو "خفر" سواحلها ومياهها الإقليمية لضمان عدم تسلل مهاجرين أفارقة عبرها الى دول شمال البحر المتوسط، ولهذا ورغم أن كردستان العراق أهم وأكبر من الموصل، إلا أن الأوضاع المضطربة للغاية فيه، والتي تنذر بفتنة كبرى، لم تكن جديرة بالرصد في قوائم الأحداث العالمية المهمة في عام 2017.
وللإعلام الغربي كل الحق في تجاهل المآسي التي يشهدها الشرق الأوسط، وجزء من شمال أفريقيا، لأنها ليست ذات تأثير مباشر على الغرب، بل هي فوضى غير خلّاقة من صنع العرب، تندرج في تقدير الغرب تحت بند "الشر بره وبعيد".
ويذكرني عدم انفعال الدول الغربية بالأحداث الدموية في المنطقة العربية، بطائفة الختمية السودانية، التي تقودها أسرة الميرغني، وظلت تتنازع على حكم السودان مع طائفة الأنصار بقيادة آل المهدي، فلها جلسات "ذِكْر" راتبة، يتم فيها ترديد أهازيج عن بركات الميرغني الكبير مؤسس الطائفة، وتختتم ب"واشغل أعداي بأنفسهم / وأبليهم ربي بالمرج".
وها نحن مشغولون بأنفسنا ونغرق في مرج الدماء، وهرج المهاترات، ونتبارى في تقتيل بعضنا البعض، فلا يحس بنا الإعلام الأكثر تأثيرا في العالم، لأن بأسنا بيننا شديد، ونحن أسود على بعضنا، وفي حرب العدو التاريخي المزعوم "أنعام" وهذه المفردة ليست صيغة الجمع ل"نعامة".
وهكذا صرنا في نظر الإعلام العالمي ليس فقط خارج السياق التاريخي للأحداث المؤثرة في العالم، بل أيضا خارج الأطلس الجغرافي.
وحاول – يا رعاك الله – أن تقلب الصحف العربية، للأسبوع الأخير من الشهر الختامي لعام 2017، وستجد على راس إنجازات القادة هنا وهناك: صاحب الفخامة والضخامة يرد على مس كول من ترامب .. يزور فرنسا في طريق عودته من تايلند.
وما لا تذكره الصحف العربية في مثل هذه الأيام من كل سنة، هو كشف الحساب الذي تقدمه معظم القيادات العربية للكفيل الأمريكي، عما فعلوه ببعضهم البعض بما يعزز مصالح واشنطن، ويحيل القضية الفلسطينية إلى مهملات الأرشيف، التي يتسبب نبشها في ضيق التنفس وإضعاف عضلات القلب
(ونحن مشغولون بتبادل وتلقي العزاء في القدس الشريف، بعد اعتراف الولايات المتحدة بها عاصمة لإسرائيل، شرع حزب ليكود الحاكم في إسرائيل في مناقشة إصدار قانون بإخضاع الضفة الغربية للقانون الإسرائيلي، والذي غايته إقامة مستوطنات يهودية حيثما شاءت الحكومة الإسرائيلية بمظلة قانونية بحيث لا يكون من حق سلطة رام الله أن تقول "بِغِم"، ولم تصدر عن السلطة بغم حول "إعادة الاحتلال المستتر" هذه حتى كتابة هذه السطور).
واكتشف ترامب أنه "ألْفَة" بدون سلطة حقيقية