فريدمان: لهذا يريد الشباب الإيراني والسعودي دفن عام 1979

قال المعلق في صحيفة "نيويورك تايمز" إن الشباب السعودي والإيراني يحاولون دفن عام 1979، أي عام الثورة الإسلامية في إيران، التي غيرت نظام الحكم في إيران، ويزعم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أنها أدت إلى نشر التطرف في السعودية والعالم الإسلامي. 

ويقول فريدمان إن "السؤال الأكبر في ما يتعلق بالتظاهرات الأخيرة في إيران، التي ترافقت مع رفع الحظر عن القيود الدينية في السعودية، هو ما إذا كانت ستكون بداية النهاية للوجهة الطهورية الدينية المتطرفة، التي مضى إليها العالم الإسلامي في عام 1979، وعندما لاحظ الخبير في الشرق الأوسط مأمون فندي أن (الإسلام  فقد السيطرة على الكوابح)، وتأثر العالم كله بذلك". 

ويضيف الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أن "أحداث عام 1979 أدت إلى تلاشي دور المرأة والتشاركية السياسية والتعليم الحديث في المنطقة العربية الإسلامية كلها، وغذت جماعات متطرفة، مثل تنظيم القاعدة وحزب الله وتنظيم الدولة، التي أدت نشاطاتها إلى تدمير حياة الأبرياء المسلمين وغير المسلمين، والكثير من البوابات الإلكترونية في المطارات حول العالم".

ويتابع فريدمان قائلا: "لدي بعض المعرفة عن عام 1979، حيث بدأت مسيرتي الصحافية مراسلا ناشئا في بيروت، وفجأة وجدت نفسي أكتب عن الأحداث الآتية: سيطرة آيات الله على إيران، إقامة نظام يقوده رجال الدين الشيعة مصمم على نشر الثورة وإجبار المرأة على ارتداء الحجاب، سيطرة متشددين سنة على الحرم المكي، الأمر الذي أفقد العائلة السعودية المالكة صوابها، وردت العائلة بمنع الموسيقى والبهجة والترفيه من مملكتها الصحراوية، وقوت من يد الشرطة الدينية على المجتمع، وضاعفت من تصدير أكثر تفسير معاد للتعددية ومعاد للمرأة في الإسلام، وعلمته في المدارس والمساجد من لندن إلى جاكرتا". 

ويشير الكاتب إلى أنه "في العام ذاته قام الاتحاد السوفييتي بغزو أفغانستان، وشجعت الولايات المتحدة المجاهدين الإسلاميين الذين مولتهم السعودية للقتال وهزيمة روسيا هناك، وشهد العام ذاته حادث جزيرة الثلاثة أميال النووي، الذي حد من نمو الطاقة النووية، ومن هنا فإن التجميد النووي، والاضطرابات في الشرق الاوسط، وصعود دينغ زياوبينغ للسلطة، وإطلاقه العنان للرأسمالية في الصين، أدى إلى زيادة الطلب على النفط، ولهذا أصبح لدى السعودية وإيران مال كثير، وتنافستا فيما بينهما حول من سينشر رؤيته الأصولية".

ويستدرك فريدمان قائلا: "أما اليوم، فإن إيران والسعودية تشتركان في شيء واحد جديد، وهو أن غالبية السكان هم من الشباب ممن هم تحت سن الثلاثين، ويتواصل الشباب فيما بينهم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، وهناك نسبة كبيرة منهم سئمت من رجال الدين الكبار في العمر والفاسدين، الذين يطالبونهم بممارسة حياتهم حسب الطريقة التي يريدونها، ولهذا فهم يعملون على دفن عام 1979 وكل شيء جاء معه". 

ويعلق فريدمان على التظاهرات التلقائية التي اندلعت في إيران، قائلا إنها "بدأت بعد تسريب أجزاء من الميزانية الحكومية عبر الهواتف الذكية، واكتشف الشباب الإيراني العاطل عن العمل حجم الأموال التي خصصت للحرس الثوري ومغامراته في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، وكذلك تلك التي خصصت للمنظمات الإسلامية في داخل البلاد وخارجها، وبعض هذه المؤسسات هي (مكتبة يديرها نجل آية الله ميت)، بحسب ما ورد في تقرير لصحيفة (التايمز) عن التظاهرات، هذا كله في وقت تقوم فيه الحكومة بإلغاء الدعم عن المواد الأساسية لـ30 مليون إيراني من أصحاب الدخل المتدني". 

ويقول الكاتب إن "إيران لديها شعب متعلم وتراث ثقافي غني، وهي أمة قادرة على تحقيق إنجازات في العلوم والطب والحاسوب والفنون، إلا أن نظامها لا يركز على تقوية الشباب الإيراني، بل توسيع تأثير طهران في الدول العربية الفاشلة، وبكلفة مليارات الدولارات، ولهذا السبب هتف المتظاهرون (الموت لحزب الله) و(الموت للديكتاتور)، أي المرشد الروحي للجمهورية الإسلامية، آية الله خامنئي، (انسوا سوريا وفكروا بنا).

ويلفت فريدمان إلى رحلة قام بها للسعودية، يقول إنه استمع للشباب الذين قدموا رؤيتهم، الذين قالوا: "لا أريد رؤية رجال الدين، وأرغب بأن أعيش حياتي دون تدخل أحد فيها وأحقق ما أريد، وهو شعور عبرت عنه النساء السعوديات تحديدا، وقال الشباب أيضا: أريد حضور الحفلات الموسيقية، وقيادة السيارة، والبدء في تجارة، والاختلاط بالجنس الآخر، وأريد الاحتفال بالثقافة الوطنية السعودية والطعام والفن وليس الإسلام فقط". 

ويعلق الكاتب قائلا إن "السعودية لا تشهد ثورة عنيفة كما هو الحال في إيران، فعلى خلاف الأخيرة التي لديها مرشد روحي عمره 78 عاما، فإن السعودية يحكمها شاب من جيل الألفية الجديدة عمره 32 عاما، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ولدى ابن سلمان مشكلات، فكان متهورا ومستبدا، مارس البلطجة على رئيس الوزراء اللبناني، وأجبره على الاستقالة، وغطس في حرب اليمن، وأسهم في الكارثة الإنسانية التي يعاني منها البلد، واشترى لوحة فنية ويختا بملايين الدولارات، وأعلن حربا ضد الفساد في الداخل". 

ويمدح فريدمان ابن سلمان وجهوده في الإصلاح الاجتماعي، "حيث يتناغم مع الشباب، بل يسبقهم، مع أن الإصلاح السياسي ليس على الأجندة الآن، وقام بخطوات لم يتجرأ أي من أبناء عمومته على اتخاذها، مثل منع الشرطة الدينية من الشوارع، والسماح للمرأة بقيادة السيارة، وتخفيف سلطة رجال الدين، والسماح للمرأة بحضور المباريات الرياضية، والسماح بدور السينما، ودعوة نجوم البوب العرب والغربيين في حفلات غنائية، والعودة بالسعودية لمرحلة ما قبل 1979، وهذا كله جزء من (رؤية 2030)". 

ويورد الكاتب نقلا عن رجل أعمال خليجي، قوله إن الأمير محمد بن سلمان يحاول بناء نسخة سعودية عن الصين "دولة واحدة، ونظامان"، ويعلق فريدمان قائلا إنه "يعني بهذا، فلو كنت متدينا وتريد مكة فهي موجودة وتستطيع زيارتها، ولو كنت تريد ديزني، فابن سلمان مستعد لبنائها لك، فولي العهد لم يعد مرتبطا برؤية (سعودية واحدة)، وفي ظل الثقافة القبلية المتسيطرة فيعني أن الكثير من الشباب سيعتمدون على الملكية والجيش، لكن ابن سلمان يجب أن يكون حذرا في خطواته من ناحية المؤسسة الدينية، التي تستطيع تفعيل القطاعات الأقل تعليما والمتدينين في الأرياف والبلدات السعودية الصغيرة في حال شعر افرادها أن هناك تغيرا سريعا في النظم السعودية، ولم يتم حل مشكلة البطالة الضخمة بين الشبان".

وينوه فريدمان إلى أنه "في المقابل فإن المتشددين الإيرانيين ليسوا مهتمين برؤية بلد واحد ونظامين، وإيران هي مجتمع أكثر حداثة، وتحول عن عصر الملكية، ولهذا لا يخشى شبابها من الخروج للشوارع، وكلما حاول آيات الله، مثل المؤسسة الدينية الملكية، نهب مجتمعهم ولف أنفسهم بعباءة الدين زاد حنق الشباب الإيراني، وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني الكثير يوم الاثنين: (لا يستطيع أي شخص فرض نموذج حياة على جيل المستقبل، والمشكلة أننا نريد أن يعيش الجيلان القادمان بعدنا بالطريقة التي عشناها ذاتها)".

ويفيد الكاتب بأن الباحث في الشؤون الإيرانية في مؤسسة كارنيغي، كريم ساجدبور، أشار إلى رؤية ابن سلمان وخامنئي، فالأول حاكم حديث يحكم مجتمعا تقليديا، والثاني تقليدي يحكم مجتمعا حديثا. 

ويقول فريدمان: "في السعودية هناك تحركات من الأسفل للأعلى والعكس للتخلص من 1979، والبحث عن مستقبل جديد، وفي إيران هناك تحرك من الأسفل للأعلى للتخلص من عام 1979، إلا أن رجال الدين يريدون سحقهم". 

ويختم الكاتب مقاله بالقول: "يجب أن ندعم الشباب السعودي والإيراني لدفن عام 1979، وستكون هدية للمسلمين حول العالم وللعالم بشكل عام، الذي أنفق التريليونات لمواجهة الغضب الذي أطلقه هذا العام المحوري".