أثارت الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة التي شهدتها تونس مخاوف أمنية جديدة، من عودة شبح الاغتيالات إلى البلاد، مع استهداف شخصيات سياسية معارضة وحتى في الحكم، تم إبلاغها رسميا منذ أيام من قبل جهاز مكافحة الإرهاب في تونس بوجود مخططات إرهابية لاغتيالها.
ومن بين هذه الشخصيات القياديين في الجبهة الشعبية حمة الهمامي وأيمن العلوي، والنائبة عن التيار الديمقراطي سامية عبو، والنائب عن حركة النهضة وليد البناني.
وفي هذا الإطار، أكدت القيادية في حزب التيار الديمقراطي المعارض سامية عبو في حديثها لـ"عربي21" إبلاغها منذ أيام من قبل فرقة مكافحة الإرهاب بوجود مخطط لتصفيتها جسديا، وتابعت: "مثل هذه التهديدات في هذا التوقيت بالذات هدفها خلق حالة من البلبلة ومحاولة لتشتيت مجهودات الأمن، ضمن خطة محكمة لهدم مسار الانتقال الديمقراطي في تونس وإرجاعها لمربع الدماء والفوضى التي عرفتها البلاد إبان اغتيال القياديين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي بالتزامن مع موجة الاحتجاجات الاجتماعية التي تشهدها تونس".
وأعربت في السياق ذاته عن رفضها للحماية الأمنية التي كانت ستوفر لها "إلا في الحالات القصوى" على حد تعبيرها.
كما استنكرت، بعض التدوينات المحسوبة على صفحات نهضاوية والتي تدعو صراحة لقتلها، واعتبرت أن المسؤولية السياسية والأخلاقية تتحملها حركة النهضة طالما أن هذه الصفحات تحمل اسمها ولم تحرك ساكنة.
اعترافات تكشف مخطط الاغتيالات
التهديدات بالقتل طالت أيضا النائب في مجلس الشعب عن حركة النهضة وليد البناني، والنائب عن الجبهة الشعبية أيمن العلوي، حيث كشفت آخر التحقيقات التي نقلتها وسائل إعلام محلية، أن الإرهابي برهان البولعابي، والذي تم القبض عليه مؤخرا من قبل وحدات الجيش التونسي في جبال القصرين قد أكد في اعترافات له أمام الوحدة المختصة لمكافحة الإرهاب بـ"العوينة" أن كتيبة "أجناد الخلافة" المسلحة، كانت تترصد تحركات هذين النائبين بحكم زياراتهم المستمرة للقصرين في إطار نشاطهم البرلماني وباعتبارهم من مواليد هذه المحافظة.
وشدد النائب عن حركة النهضة وليد البناني في حديثه لـ"عربي21" أنها ليست المرة الأولى التي يتم إعلامه بوجود مخطط إرهابي لاغتياله، مضيفا: "في سنة 2015 وصلتني تهديدات بالقتل من قبل حركة أنصار الشريعة المحظور، واليوم أخبرتني فرقة مكافحة الإرهاب أن هناك تهديدات جدية لتصفيتي على ضوء الاعترافات التي أدلى بها الإرهابي برهان الولعابي وبوجود خلية تجسس تترصد كل تنقلاتي في القصرين".
وحذر النائب عن حركة النهضة من استمرار الخطر الإرهابي على تونس في ظل انتشار السلاح في البلاد رغم النجاحات الأمنية التي حققتها قوات الأمن بمختلف أسلاكها، واعتبر أن مثل هذه التهديدات هدفها خلق حالة من البلبلة في تونس وتشتيت مجهودات الأمن.
وبخصوص دلالات "التهديدات الإرهابية" في هذا التوقيت التي تشهد فيه البلاد موجة احتجاجات اجتماعية يقول المحلل السياسي باسل ترجمان أن "هناك مجموعات سياسية في تونس –دون أن يسميها- من مصلحتها جر البلاد مرة أخرى إلى مربع العنف والفوضى، لأنها تعتبر أن نجاح التجربة الديمقراطية في البلاد وخلق مناخ أمني مستقر يفقدها أحلامها في الهدم".
ويشدد على أن هذه الجماعات التي ظهرت فجأة بعد 2011 وليس لها أي وزن سياسي تعمل بنظرية "نيرون" وتدعو للفوضى والتخريب بمجرد خروجها من الحكم لبناء ما يسمى بـ "المشروع الثوري".
وحول مدى جدية التهديدات التي طالت قيادات حزبية يعتبر ترجمان أنه من واجب الجهات الأمنية أن تتعامل بشكل جدي مع هذه التهديدات لأنها لا تستهدف فقط الأشخاص بغض النظر عن انتمائهم السياسي بل تستهدف تونس وأمنها القومي.
وتابع: "علينا أن لا نكرر مع فعله القيادي في حركة النهضة علي العريض حين تولى منصب وزير الداخلية من سنة 2011 إلى 2013 وتسبب تخاذله في اغتيال القيادي محمد البراهمي، إثر عدم الأخذ بجدية لمضمون الوثيقة السرية التي أرسلتها وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه" لتونس آنذاك لتبلغها بوجود مخطط لاستهداف البراهمي والمسؤولية السياسية لا تزال تتحملها حركة النهضة".
المصالح بين الاغتيالات وإضعاف الدولة
على الجانب الآخر، اعتبر المحلل السياسي سامي براهم، أن مخططات الاغتيال السياسي لا يمكن فصلها عن الإرهاب بشكل عام مضيفا لـ"عربي21": "القيادي أبو بكر الحكيم الذي يعد المخطط المباشر لعملية اغتيال محمد البراهمي، كان قد صرح في حوار له لمجلة "دابق" التابعة لتنظيم "داعش" حينها، حول دوافع اغتياله للبراهمي، بأن الهدف من ذلك، خلق مناخ توحش في البلد بهدف إضعاف مؤسسات الدولة وتسهيل تنفيذ مخططاتهم في إدارة التوحش".
وشدد البراهمي، على التقاء المصالح في إحداث هذا التوحش بين الإرهاب من جهة وبين أطراف لا تريد للتجربة الديمقراطية في تونس النجاح.
ونبه السلطات التونسية، والشخصيات المستهدفة بالاغتيال، إلى الأخذ بهذه التهديدات على محمل الجد، داعيا في الآن نفسه القيادات السياسية والحزبية في تونس إلى التعقل في الخطاب، والتحلي بمستوى من الرشد السياسي على مستوى المواقف، بهدف قطع الطريق على مثل هذه المخططات.
ولا يزال التونسيون يستحضرون بحزن وتوجس عمليتي الاغتيال التي شهدتها البلاد بعد الثورة للقياديين اليساريين شكري بلعيد في 6 شباط/ فبراير 2013 ومحمد البراهمي في 25 تموز/ يوليو من ذات السنة، وشكل مقتلهما حينها منعرجا مفصليا في إعادة تشكيل المشهد السياسي في تونس.
ملف متابعة حملات نداء تونس الانتخابية يثير جدلا.. لهذا السبب
ضاحي خلفان: السبسي علّم أردوغان "الأصول"
منتخب اليد الإماراتي ينسحب من لقاء ودي مع نظيره التونسي