يلف المشهد في مدينة عدن جنوبي اليمن، حالة من الغموض والضبابية، بعدما أنجز الانفصاليون المدعومون من الإمارات انقلابهم على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، رغم أن الأخيرة تقول إنها محاولة انقلابية فاشلة، لكن ما يبدو على الأرض مغاير تماما للرواية الرسمية.
الأوضاع في مدينة عدن، ليس كما يجري تداوله على وسائل الإعلام، بل إن تدخل السعودية يوم الثلاثاء، وبعد تعرض القوة الرابعة في الحماية الرئاسية، لهجوم قوي شنه المتمردون الانفصاليون التابعون للمجلس الانتقالي الجنوبي، وبإسناد مباشر من مقاتلات ودبابات إماراتية، انتهى بالسيطرة عليه، لم يغير الشيء الكثير، واقتصر على فرض وقف إطلاق النار.
وباتت المساعي التي تبذلها الرياض عبر لجنته الأمنية التي أرسلتها الأربعاء إلى مدينة عدن، إلى جانب وساطة محلية، محاطة بالشكوك، وسط مخاوف من أن اتجاهها يصب لمصلحة قوات المجلس الانفصالي المدعومة إماراتيا، حيث يجري التعامل مع الوضع بأنه اشتباك بين طرفين وليس بين تمرد وحكومة شرعية تم التدخل لاستعادتها.
اقرأ أيضا: المجلس الانتقالي باليمن.. إطاحة بالحكومة أم تقسيم للبلاد؟
وترعى اللجنة جهودا لإعادة المعسكرات التي استولت عليها ما تسمى" قوات الحزام الأمني" التي شكلتها ودربتها الإمارات سابقا، وساهم دعم الدولة الخليجية المباشر برا وجوا في ترجيح الكفة لمصلحتها، بعد يومين داميين من القتال، بالإضافة إلى إنجاح عملية تبادل أسرى جنود من الحماية الرئاسية ومسلحين تابعين لقوات الحزام، اعتقلوا خلال المواجهات بين الطرفين
تأجيل تسليم اللواء الرابع
وكشفت وثيقة صادرة عن لجنة التهدئة المحلية، التي تقودها قيادات عسكرية سلفية تقاتل في جبهة الساحل الغربي، أن معسكر اللواء الثالث حماية رئاسية، سيتم تسليمه الخميس، إلى قيادته السابقة.
ويقود الوساطة المحلية المكونة من ألوية العمالقة في جبهة الساحل الغربي، حمدي شكري الصبيحي، وكانت منضوية في "المقاومة الجنوبية" قبل أن يتم تشكيلها ضمن الألوية التابعة للمنطقة العسكرية الرابعة ومقرها المدينة الساحلية.
وأضافت الوثيقة المرفوعة إلى قيادة التحالف في عدن أن مدير أمن محافظة لحج، صالح السيد، (قائد قوات الحزام الأمني بالمحافظة الواقعة شمال عدن) يرفض تسليم اللواء الرابع التابع للحماية الرئاسية، سيتم تأجيل ذلك، حتى يتم الاتفاق معكم".
ويعزز رفض قوات المجلس الجنوبي تسليم مقر القوة الرابعة حرس رئاسي، الحديث عن اشتراطات تقدمت بها قيادة المجلس، بإقالة قيادات عسكرية موالية للرئيس هادي، ولعل أبرزها، العميد، مهران قباطي، قائد هذه القوة التي تقف عائقا أمام نفوذ الاماراتيين وحلفائهم في عدن.
كما اقترحت اللجنة تسليم نقاط عسكرية وصفتها بـ"الحساسة" خشية إشعال الفتنة من جديد، وهي نقطة جولتي "الكراع" و"سوزوكي" في دار سعد والشيخ عثمان شمال عدن، والتي يسيطر قوات حكومية، بالإضافة إلى جولة الرحاب التي يسيطر عليها الانفصاليون الجنوبيون.
وبموازاة ذلك، تسعى الإمارات إلى إجراء تغييرات في قيادة أولوية الحماية الرئاسية، لعبت دورا في مواجهة نفوذها في عدن، إلى جانب تسليم معسكر اللواء الرابع ومواقع عسكرية أخرى إلى "قوة ثالثة"، اتخذت مسارا محايدا في أحداث عدن، وتقود جهودا ووساطة بين الطرفين.
كما تبرز المخاوف من أن تسليم المواقع العسكرية التابعة للقوات الرئاسية الى غير قياداتها، يثبت نفوذ القوات الانفصالية، وانتزاع مخالب الشرعية، لاسيما أن الطرف الذي ستند له تلك المواقع، على الرغم من حياد موقفه فيما يتعلق بالاشتباكات في عدن، يقاتل تحت إشراف حكومة "أبوظبي" في جبهات الساحل الغربي.
ابتزاز للشرعية
وأفادت مصادر قريبة من حكومة أحمد عبيد بن دغر في عدن فإن ما يجري على الواقع، يشير إلى أن اللجنة التي شكلتها الرياض وعضوية "أبوظبي" فيها، التي تتهم بإسناد الانقلاب على الشرعية، تعمل على احتواء الوضع الأمني، وتكريس حلولا ترقيعية، سعيا منها لامتصاص غضب الشارع.
وأضافت المصادر لـ"عربي21" أن ما يقوم به وفد التهدئة السعودي الإماراتي هو تثبيت واقع جديد يصب في صالح المتمردين في عدن.
وأشارت الى أن هناك فجوة كبيرة بين ما تمارسه لجنة التهدئة السعودية وبين الحكومة الشرعية، تجلى ذلك، في بيانها الصادر أمس الخميس، حيث وصفت ما قام به المجلس الانتقالي بأنه "تمرد" و"محاولة انقلابية فاشلة" مطالبة بإنهائه.
ووفقا للمصادر، فإن البيان الحكومي جاء بعد بيان صدر عن اللجنة التابعة للتحالف بأن الأوضاع في عدن عادت إلى طبيعتها، بخلاف الواقع الذي يجري التطبيع له.
وأوضحت المصادر أن لجنة التحالف تمارس ابتزازا ضد الحكومة الشرعية، التي تقتصر مواقفها على البيانات فقط، بينما لازال الطرف المتمرد متمرسا على الواقع.
في حين تجاهل البيان التطرق لدولة الإمارات، وهو تعبير عن أن التوتر مازال قائما، وإشارة إلى عدم رضاها بعضويتها في اللجنة التابعة للتحالف، كونها طرفا رئيسيا في المشكلة في عدن، عبر الدعم المباشر للانفصاليين الذي مكنهم من الاستيلاء على المعسكرات الحكومية، بعدما عجزوا على ذلك، في محاولة لإضعاف الشرعية. وفقا لمراقبين
تسليم كل شيء
من جهته، يرى الباحث اليمني في الشأن الخليجي، عدنان هاشم أنه بات واضحا أن الأمور ستذهب نحو فيدرالية مبكرة، سيدير المجلس الانتقالي الجنوبي مدينة عدن، في حين ستبقى حكومة بن دغر حكومة مرحلة انتقالية حتى يتم تأسيس جيش جنوبي خاص بهم.
وأضاف في حديث خاص لـ"عربي21" أن ملامح التطورات الأخيرة في عدن، تشير إلى أن عبد ربه منصور هادي كرئيس (شرفي) فقط حتى تحرير باقي المحافظات الجنوبية.
وأشار هاشم إلى أن اللجنة التي شكلتها المملكة، لها علاقة بالأمن وليس بالسياسة، وهي في الأصل عسكرية. مؤكدا أن الإجراءات اللاحقة لألوية الحماية الرئاسية تذهب في نفس الاتجاه تسليم كل شيء لأبوظبي.
وحول مصير الحكومة، قال الباحث اليمني إن مصيرها حُدد سلفاً، ذلك أن اللجنة التابعة للتحالف التقت بقيادات الانفصاليين ولم تلتقي الحكومة.
وتابع حديثه قائلا : يبدو أنه تم الاتفاق، ما لم تحدث أمور أخرى قد تغير المعادلة الحاصلة؛ على " امتصاص الشارع والحديث عن عدم مساس الشرعية سيكون حديث الإعلام"، حتى يعتقد هادي أنه ما يزال شرعياً، وأن بإمكانه إدارة المعركة ضد الحوثيين والتخلي عن الجنوب والمضي قدما في ذلك.
إضعاف وتفادي الحرج
وفي السياق ذاته، قال الكاتب والمحلل السياسي، أحمد الزرقة إن الحكومة كانت ومازالت هي الطرف الأضعف في معادلة الصراع ومثلها الرئاسة اليمنية.
اقرأ أيضا: حكومة اليمن: ما حدث في عدن محاولة "انقلاب" فاشلة
لكنه استدرك قائلا: إن هذا الضعف غير مبرر في الأصل ويتنافى مع حقيقة أن الرئاسة وحدها هي من تمنح الأطراف الإقليمية والدولية مشروعية وجودها في اليمن، غير أن ما حدث ويحدث هو كسر إرادة الرئاسة والحكومة.
وأَضاف في حديث خاص لـ"عربي21" أن الحكومة تدار بمخاوف أعضائها والخطوط المرسومة لها من التحالف وتحديدا الجانب الإماراتي المسيطر على الأرض في عدن. مؤكدا أنه مع بدء الحكومة بالتحرك في مربعات القرار السياسي والاقتصادي ومحاولة استعادة دورها الحقيقي تحركت أبوظبي عبر أدواتها التي سبق للرئيس هادي أن أزاحها من المشهد في فترات سابقة بمحاولة تفجير الأوضاع وفرض سياسة الأمر الواقع في تكرار لما حدث في صنعاء.
وبحسب الزرقة فإن تلك الأدوات في الأصل لا تمتلك مشروعا خارج الدور المرسوم لها من الحاكم العسكري الإماراتي في عدن، وهناك شريك آخر (السعودية) شعر انه مستهدف كالشرعية وأنه بدرجة اقل وهو صاحب النصيب الأكبر في كلفة الحرب وخسائرها السياسية والاقتصادية والدبلوماسية.
ورأى الكاتب اليمني أن مساعي الرياض لوقف المغامرة المكشوفة والتدخل كطرف وسيط يمتلك القدرة على الضغط على الرئيس هادي لمنح المجلس الانقلابي مكافأة وامتيازات على محاولته الانقلابية الفاشلة.
كما أن المسعى السعودي وفقا للمتحدث ذاته، يحافظ على وجه ماء محمد بن زايد، ولي عهد "أبوظبي"، أمام مجلس عيدروس وشركاءه وهو ما كشفت عنه تصريحات وفد التهدئة السعودي الإماراتي وما رفضه هادي بشكل قاطع في البيان الذي صدر في وقت سابق يوم الخميس.
واعتبر الزرقة أن تسليم معسكرات ألوية الحراسة لقوة ثالثة هو جزء من محاولة التوفيق بين الطرفين، وتفادي حرج الإمارات مع فريقها الانقلابي.
لكنه لم يستبعد خطورتها، حيث عدها "خطوة تستهدف إضعاف الشرعية وقدراتها العسكرية وتعزز من مواقع مليشيا أبوظبي داخل عدن تمهيدا لجولة أخرى من العنف داخل المدينة".
وأوضح السياسي الزرقة أن أي مفاوضات لم تؤدِ لتفكيك المليشيات داخل عدن وفرض سيطرة الدولة وتوحيد القرار الأمني والعسكري وتقديم المتورطين بالمحاولة الانقلابية للمحاكمة، فذلك لا يعني غير تقريب الانقلابين من الاستيلاء على السلطة هناك والمحافظات الجنوبية واستنساخ تجربة المليشيا في مناطق أخرى.
وأردف قائلا إن ذلك ينهي فترة وجود الشرعية والتسريع نحو جولة عنف قاتلة تتجاوز الأطراف المحلية بكل تأكيد. حسب وصفه
المجلس الانتقالي باليمن.. إطاحة بالحكومة أم تقسيم للبلاد؟
حكومة اليمن: ما حدث في عدن محاولة "انقلاب" فاشلة
مقتل عنصرين مواليين للرئيس هادي في غارة أمريكية