قالت صحيفة "فايننشال تايمز" إن إيران تسعى للاستفادة من استثمارها الكبير في سوريا، على شكل عقود اقتصادية في مجال الإعمار، وتبادل ثقافي، وفتح فروع للجامعات الإيرانية في المدن السورية، مشيرة إلى برنامج تبادل مصغر بين جامعة أزاد الإسلامية وجامعة حلب.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن إيران أنفقت أكثر من ستة مليارات دولار، وخسرت المئات من جنودها، وكانت المبادر الأول لمساعدة رئيس النظام السوري بشار الأسد، في مواجهة الثورة، حيث حشدت القوات العسكرية من العراق ولبنان وأفغانستان، مستدركا بأنها تواجه معركة شاقة للحصول على عائدات من استثمارها الكبير في سوريا.
وتجد الصحيفة أنه مع أن الشركات الإيرانية والمؤسسات التابعة للحرس الثوري حصلت نظريا على عقود اقتصادية ثمينة، وتم توقيع اتفاق تفاهم لإدارة وتشغيل الهواتف النقالة، بالإضافة إلى دور مهم يعود عليها بالربح الكبير من خلال مناجم الفوسفات، وحصلت كذلك على أراض زراعية وخطط لفتح فروع للجامعات الإيرانية في سوريا، إلا أن رجال الأعمال ودبلوماسيين شككوا في إمكانية تحقق الربح السريع.
وينقل التقرير عن هؤلاء الدبلوماسيين، قولهم إن تطبيق هذه الالتفاقيات مؤجل؛ بسبب تفضيل المسؤولين في النظام السوري الروس، ورغبتهم في جذب العقود الروسية والصينية، وخشيتهم من محاولات إيران زيادة تأثيرها، مشيرا إلى قول رجل أعمال سوري: "انظر إلى الاتصالات، هناك فقط مذكرة تفاهم منذ عام أو أكثر، ولم يوقعوا العقد بعد".
وتستدرك الصحيفة بأن إيران تشعر رغم هذه التضحيات كلها، بأن جهودها للاستفادة من مصادر سوريا الطبيعية وعقود إعمارها ربما عرقلت بسبب وجود أكبر داعم دولي لدمشق، وهي ورسيا، التي تدخلت عسكريا عام 2015 لإنقاذ الأسد، وحرفت الحرب لصالحه.
ويلفت التقرير إلى أن الإيرانيين والروس والأوروبيين يحذرون من أنه من المبكر الحديث عن مكاسب محتملة من إعادة إعمار نظرية، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة تقدر كلفة الإعمار بحوالي 300 مليار دولار، فالحرب بين الأسد والمعارضة، التي خرجت للإطاحة به، لا تزال مستعرة.
وتفيد الصحيفة بأن الولايات المتحدة تدعم قوة تسيطر عليها مليشيات كردية لمواجهة الجماعة الجهادية تنظيم الدولة، ونشرت ألفي جندي ومستشار أمريكي، وتسيطر على مساحات واسعة من سوريا، مشيرة إلى أن "السؤال الأهم هو من سيقوم بتمويل عملية الإعمار، خاصة أن الدول التي تملك المال، وهي دول الخليج وأوروبا، دعمت الطرف المعارض للأسد، ولا تؤدي دورا في التنافس الحالي".
وينوه التقرير إلى أن بعض المسؤولين الروس عبروا عن قلقهم من تحديد الاستثمارات الإيرانية بالطريقة ذاتها التي عبروا فيها عن قلقهم من مشاركة للدول الغربية.
وتنقل الصحيفة عن مسؤول، قوله إن الأسد عادة ما يتصرف لدعم المصالح الإيرانية، وأضاف: "عندما يتعلق الأمر بعقود إعادة إعمار محتملة، فإنه من المهم أن نقوم بإدارة ذلك بطريقة تحقق منافع له وللناس من حوله، لكن هذا يجب أن يكون بينه وبيننا دون إيران".
ويورد التقرير نقلا عن دبلوماسيين في دمشق، قولهم إن التوجهات الأولية غير مشجعة لإيران، حيث لاحظ مسؤول أن الشركات الإيرانية لم تحصل على الكثير في معرض تجاري في دمشق، مقارنة مع الشركات الصينية، وهي قوة ترغب سوريا بإغرائها.
وتبين الصحيفة أن "الفرص الاقتصادية تعد مهمة لإيران لتستيعد ستة مليارات دولار، يقول المسؤولون إن سوريا مدينة لهم بها، وكذلك مهمة للقوة الناعمة التي ترغب إيران في بنائها على المدى البعيد في سوريا، من خلال التأثير والعلاقات الاقتصادية، ففي العراق مثلا حصدت إيران ثمار استراتيجيتها، فتأثيرها في العراق لا يتجاوز تأثير الولايات المتحدة فقط، لكن زاد التبادل التجاري وضرب أرقاما قياسية، ففي عام 2008 كان حجم التجارة مع العراق بقيمة 2.3 مليار دولار، إلا أنه وصل عام 2015 إلى 6.2 مليارات دولار".
وينقل التقرير عن رجل أعمال إيراني، قوله إن "سوريا تحتاج إلى سنوات طويلة قبل أن تقف على قدميها، بخلاف العراق، الذي يملك الكثير من المصادر"، مشيرا إلى أن الأولوية بالنسبة لإيران تظل العراق، حيث لديها هناك مزايا تنافسية.
وبحسب الصحيفة، فإن الجمهورية الإسلامية لا تملك الأموال الكافية لتبدأ مغامراتها التجارية الكبيرة، فيما يرى رجل أعمال إيراني أن ما حققته بلاده من مكاسب في سوريا لا يمكن استغلاله دون استثمار.
ويكشف التقرير عن أن هناك ترددا من أصحاب الأعمال الخاصة في الانضمام إلى فرص الاستثمار في سوريا؛ لأن الحكومة منحت القيادة للحرس الثوري والشركات المتعاونة معه لقيادة الجهود، حيث قال رجل الأعمال الإيراني أن "شركاتهم (الحرس الثوري) ليست مرنة وملوثة بتهمة الفساد بسبب غياب الشفافية، ولا تخضع للرقابة، وعليه فإنها لا تستمتع بإدارة جيدة"، وأضاف أن على الحرس الثوري البدء بجذب شركاء تجاريين من الصين والدول العربية ليحصل على الأموال التي يريدها.
وتقول الصحيفة إن "بعض المشكلات هي خارج سيطرة الإيرانيين، فالسوق السوداء في سوريا ازدهرت وسط الفوضى وخلق شبكات تهريب وأمراء حرب مستعدين لحماية مصالحهم من أي جهة خارجية".
ويورد التقرير نقلا عن رجال أعمال ودبلوماسيين في دمشق، قولهم إن مسؤولي النظام والعاملين في البيروقراطية حاولوا عرقلة الجهود الإيرانية، وطلب أوراق إضافية ونقاشات أخرى، وقال دبلوماسي: "يشعرون بأن الإيرانيين يريدون التدخل في كل مكان، وعليه فإن السوريين يحاولون جعلهم ينتظرون".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه رغم قوة إيران الإقليمية إلا أنه ليس لديها إلا القليل من الضغط لممارسته، حيث قال رجل أعمال سوري إن بلاده تبالغ في النظر لأهمية جهود إيران الإقليمية، وأضاف: "ماذا لدى الإيرانيين ليهددونا به؟ فقد تورطوا معنا والنظام يعلم هذا الأمر".
واشنطن بوست: ما هي حسابات الربح والخسارة في سوريا؟
وول ستريت: هل باتت المواجهة الإسرائيلية الإيرانية محتومة؟
التايمز: هل تتطور الحرب السورية لنزاع بين القوى العظمى؟