نشرت مجلة "ذي أتلانتك" مقالا للصحافي يوري فريدمان، يقول فيه إن أمريكا تحارب الإرهاب، لكنها لم تفعل سوى القليل لمواجهة إطلاق النار في المدارس، مشيرا إلى أن هناك فجوة هائلة في كيفية إعطاء حكومة الولايات المتحدة الأولوية لوقف شكل واحد من أشكال العنف مقابل الآخر.
ويقول فريدمان في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إنه لدى سماع الناشط مايكل سكولنيك بمقتل 17 شخصا في مدرسة ثانوية في فلوريدا يوم الأربعاء، فإنه قام بإعادة المناشدة بضبط تداول الأسلحة، كما فعل بعد حوادث إطلاق النار المشابهة السابقة، وغرد على "تويتر" قائلا: "حاول شخص واحد أن يفجر طائرة بحذائه الملغم، والآن علينا جميعا أن نخلع أحذيتنا (في المطارات) .. وبعد 1606 حالة إطلاق نار شامل ابتداء من مدرسة ساندي هوك الابتدائية، فإن الكونغرس لم يفعل شيئا".
ويورد الكاتب أن الأكاديمي برايان كلاس كتب شيئا مشابها، فقال: "بعد 11 أيلول/ سبتمبر قمنا بتصفيح أبواب قمرات قيادة الطائرات، وشددنا الإجراءات الأمنية، ولم نقل إن الشيء الوحيد الذي يوقف مختطف طائرة هو شخص جيد على متنها".
ويعلق فريدمان قائلا: "بغض النظر عن حقيقة أننا وضعنا أشخاصا جيدين مسلحين على الطائرات لوقف المختطفين، فإن هذه الحجج تقلل في الواقع كثيرا من ردة فعل الحكومة للإرهاب منذ 11 أيلول/ سبتمبر".
ويشير الكاتب إلى أن "أمريكا شنت حربا في أفغانستان، وقامت بحملة مكافحة إرهاب واسعة ضد تنظيم القاعدة ومفرزاته، بحيث لا يبدو بعد 16 عاما أن هناك نهاية في الأفق لهذه الحرب، التي كلفت مئات المليارات -بحسب الطريقة التي تحسب فيها وربما تريليونات- الدولارات، وقد أصدر الكونغرس حوالي 40 قانونا يتعلق بأحداث 11 أيلول/ سبتمبر في العام الذي تبع الهجمات، بما في ذلك حق الرئيس الأمريكي في استخدام القوة العسكرية ضد تنظيم القاعدة، الذي تحول إلى تصريح مفتوح لقائد القوات المسلحة للقيام بعمليات عسكرية ضد أي شيء يشبه الإرهاب في أي مكان في العالم".
ويلفت فريدمان إلى أن "أمريكا قامت بإيجاد أو تغيير أكثر من 260 مؤسسة حكومية منذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، بما في ذلك كيانات ضخمة جديدة، مثل وزارة الأمن القومي ومكتب مدير الاستخبارات القومية، وضخت مئات مليارات الدولارات لتأمين البلد من أجهزة فحص الأمتعة، التي كلفت الواحدة منها مليون دولار، إلى نظام الكاميرات والمجسات الفاشل على الحدود مع المكسيك، الذي كلف مليار دولار، كما استثمرت الحكومة مبالغ ضخمة في وسائل مراقبة أكثر تطفلية، وغيرها من وسائل جمع المعلومات، ولا يعلم أحد مدى ضخامة هذه المبالغ بالضبط، وقالت صحيفة (واشنطن بوست) عام 2010، إن العالم السري الذي صاغته القيادة الأمريكية بعد 11 أيلول/ سبتمبر (أصبح ضخما جدا وثقيلا جدا وسريا جدا، ولا أحد يعلم كم يكلف، وكم شخصا يوظف، وعدد البرامج الموجودة داخله، أو بالضبط كم وكالة تكرر عمل الوكالات الأخرى)".
ويجد الكاتب أن "ظاهرتي الهجمات الإرهابية وإطلاق النار ظاهرتان مختلفتان، مع أنه في هجوم نادي أورلاندو عام 2016 كان هناك تقاطع بين الظاهرتين، (واحدة من كل خمس هجمات إرهابية في أمريكا بين عام 2002 و2016 استخدم فيها سلاح ناري)، فالإرهاب عادة ما توجهه وتلهمه منظمات محددة، وهي التي تواظب على ممارسة العنف لتحقيق أهداف سياسية، والتي تهاجم ليس فقط الأشخاص، بل المجتمع، لذلك من الصعب مقارنتها بحوادث إطلاق النار، التي يقاس ضررها بعدد الضحايا، والتي تختلف الدوافع لارتكابها".
ويستدرك فريدمان بأن "كلا الظاهرتين متكررتان ومخيفتان وإلى حد ما يمكن تجنبهما عند وقوع عمليات الدمار الشامل، وحتى لو أضفت المحاذير كلها إلى الإحصائيات التي تظهر أن عدد الأمريكيين الذين قتلوا بسبب الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، لا يشكل سوى جزء يسير من عدد الأمريكيين الذين قتلوا في حوادث إطلاق النار، فإنه من الصعب تجنب التوصل إلى استنتاج واحد: من ناحية الفعل والاستثمار فإن هناك هوة شاسعة جدا في الطريقة التي جعلت فيها الحكومة الفيدرالية أولوية لوقف صيغة من العنف الشاذ وليس الآخر".
ويبين الكاتب أنه "مع أن الجهود لإصلاح قوانين الأسلحة النارية أحدثت تقدما في بعض الولايات الأمريكية، إلا أنها تعثرت مكررا في الكونغرس في السنوات الأخيرة، وتنفق الحكومة الأمريكية ما يقارب 22 مليون دولار في العام على الأبحاث المتعلقة بعنف الأسلحة النارية، وهو (جزء بسيط مما تنفقه على أبحاث المخاطر الصحية الأخرى)، بحسب إذاعة (أن بي آر)، وهو حتى أقل بكثير مما تنفقه على مكافحة الإرهاب، حيث نتحدث هنا عن ثمن 22 جهاز فحص أمتعة، حتى عندما طلب باراك أوباما، الذي كان من دعاة ضبط الأسلحة النارية، من الكونغرس المزيد من المال لمواجهة عنف الأسلحة النارية، فإنها كانت طلبات لا تتعدى عدة مليارات دولار".
ويرى فريدمان أن "هذه الفروق تعود بشكل جزئي إلى تفاوت النظرة إلى الإرهاب وعنف الأسلحة النارية في أمريكا، ففي الوقت الذي تسبب فيه عنف الأسلحة النارية بمقتل 117 أمريكيا عام 2017 فقط، بحسب إحدى الاحصائيات، فإنه لم يتسبب بمقتل 3000 في آن واحد، كما حصل في 11 أيلول/ سبتمبر، ولم تشهد أمريكا هجوما إرهابيا بذلك الحجم منذ ذلك الحين، لكن صانعي القرار الأمريكيين يبذلون جهدهم لئلا يتكرر ذلك ثانية، وتركت هجمات أيلول/ سبتمبر انطباعا دائما (حتى وإن أصبح قديما) بأن مكافحة الإرهاب تتم ضد أهداف خارجية محددة، في الوقت الذي يقلق الحد من الأسلحة النارية الأمريكيين من أن الحكومة تلاحقهم وتلاحق حقوقهم الدستورية".
ويؤكد الكاتب أن "هناك مبررا للقول بأن أمريكا تجاوزت الحدود كثيرا لمنع وقوع أعمال إرهابية، فقبل عدة أشهر غضب الرئيس دونالد ترامب مثلا عندما ضغط عليه مستشاروه لنشر المزيد من القوات في أفغانستان، ولمكافحة المنظمات المنتسبة إلى تنظيم الدولة في شمال أفريقيا، وقال بحسب ما ذكرت صحيفة (واشنطن بوست): (أنتم تريدون مني أن أرسل قوات إلى كل مكان.. ما هو المبرر؟)، فأجابه وزير الدفاع جيمس ماتيس: (سيدي.. نفعل ذلك لمنع انفجار قنبلة في ميدان تايمز سكوير)".
ويختم فريدمان مقاله بالقول إنه "عندما تقع المذابح كتلك التي وقعت في فلوريدا، فإن ذلك التبرير يثير سؤالا محيرا: لماذا لم تفعل الحكومة سوى القليل جدا لمنع إطلاق النار في المدارس الأمريكية؟".
ديلي بيست: هل تعد محاكمة ترامب لمقاتلي "الدولة" قانونية؟
ذا هيل: شهادة ترامب أمام مولر تدخل أمريكا محورا خطيرا
موقع أمريكي: سيناتور يطالب بحماية المحقق الخاص من ترامب