يتعدى الخلاف بين الدول أحيانا وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، ليصل إلى "الشوارع"، وتظهر ملامحه على لافتات الأحياء.
وليست هذه التصرفات جديدة على الدول، إذا تكررت منذ السبعينيات في بلدان عدة، لكنها بدأت تتخذ منحى أشد مؤخرا مع تعاظم الخلافات وتباين وجهات النظر للبلدان.
وعلى الصعيد الأمريكي الروسي، تدور "حرب شوارع" قريبا من سفارة كل بلد في البلد المضيف، وفي حين يشعر البعض بالانزعاج من هذه الخطوات، إلا أن البعض يراها مثيرة للسخرية.
وفي
روسيا، فإن الاسم المقترح لأحد الأزقة قرب مبنى السفارة الأمريكية في موسكو، هو "طريق أمريكا الشمالية المسدود"، واقترحه النائب الروسي، ميخائيل ديغتياروف، والذي قال إن بلدية موسكو ستعتمد الاسم المقترح في شهر شباط/ فبراير الجاري، بحسب ما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
وجاء الرد الروسي على التصرف الأمريكي الذي بدأ حرب الشوارع التي لا يعلم أحد كيف ستنتهي، إذ قرر مجلس ولاية واشنطن الأمريكية تغيير اسم الحي الذي تتواجد فيه السفارة الروسية إلى "مجمع بوريس نيمستوف"، وهو معارض روسي شرس عرف بانتقاده الكرملين، وقتل بالرصاص قرب جدران الكرملين في شباط/ فبراير 2015.
أستاذ العلاقات الدولية، أندريه غيرمانوفيتش، رأى في هذه التصرفات دليلا على عمق التوترات بين الدول، والتناقضات الكبيرة بينها على المستوى السياسي، وانعكاسا واضحا لعواطف الناس، بما فيهم رؤساء الدول والمسؤولين.
ولفت في حديث لـ"
عربي21" إلى أن هذه التصرفات لا تساعد على تسوية الأزمات، وتزعج البعض، مبديا أسفه لأن تصل الأمور إلى هذا النوع من التصرفات.
وأكد أن الهدف الأول والأخير من تغيير أسماء الشوارع لأسباب سياسية، هو إرسال رسائل مزعجة للطرف الآخر.
ورغم أن السلطات أعلنت سجن 5 شيشانيين مسؤولين عن مقتله، إلا أن عائلة المعارض الروسي وأصدقائه يقولون إن هوية الفاعل الحقيقي للجريمة لم تكشف بعد، ولقي هذا تعاطفا من الأمريكيين خصوصا بعد الاتهامات لروسيا بالتدخل في انتخابات 2016 الرئاسية التي أدخلت دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وفي الثمانينات غير الولايات المتحدة الأمريكية اسم الساحة المقابلة للسفارة الروسية في واشنطن إلى "مجمع شاكاروف" احتجاجا على احتجاز المنشق الروسي وعالم الفيزياء النووية الحاصل على جائزة نوبل، أندريه شاكاروف".
وتضيف الصحيفة أنه في العام 2014 اقترح الكونغرس الأمريكي تغيير اسم الشارع الذي تقع فيه السفارة الصينية في واشنطن إلى "ليو زياوبو" المنشق الصيني والحاصل على جائزة نوبل للأدب، واعتبر الصين الجهود الرامية لتغيير اسم شارع السفارة بـ"المهزلة السياسية"، واقترحت بدورها تسمية شارع السفارة الأمريكية في بكين على اسم المتعاقد السابق مع وكالة الأمن الوطني الأمريكي، إدوارد سنودن، الذي سرب وثائق سرية، وانتهت الحرب الصينية الأمريكية قبل أن تبدأ وتنازل كل طرف عن مقترحه.
وفي
تركيا، قرر محافظ العاصمة أنقرة، تغيير اسم الشارع الذي تقع فيه الولايات المتحدة الأمريكية بـ"
غصن الزيتون"، وهو اسم العملية العسكرية التي تقودها القوات المسلحة التركية بالتعاون مع المعارضة السورية، على المقاتلين الأكراد في سوريا، والذين يتلقون دعما، وسلاحا أمريكيا.
وقبل ذلك غيرت السلطات التركية اسم الشارع الذي تقع فيه سفارة الإمارات العربية المتحدة إلى "
فخر الدين باشا" القائد العثماني الذي كان مسؤولا عن المدينة المنورة أيام الخلافة العثمانية، وهاجمه وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان على تويتر.
وفي السابق، غيرت
إيران اسم الشارع الشهير الذي تقع فيه السفارة البريطانية، من وينستون تشرشل، إلى بوبي ساندز، العضو في الجيش الجمهوري الإيرلندي، الذي لقي حتفه في السجون البريطانية مضربا عن الطعام.
كما أطلقت إيران على الشارع الذي تقع فيه السفارة السعودية، اسم
نمر النمر، رجل الدين الشيعي الذي أعدمته المملكة العربية السعودية رغم التحذيرات الإيرانية.
وخلال الحرب الفيتنامية، غيرت الهند اسم الشارع الذي تقيم فيه البعثة الدبلوماسية الأمريكية إلى "هو تشي مينه"، الرئيس الأول ليفيتنام الشمالية، ومؤسس النهضة القومية في الهند الصينية.
في الأردن فقال رئيس لجنة محلية خدمية تابعة لأمانة العاصمة الأردنية عمان إن اللجنة اتخذت قرار بتغيير تسمية الشارع المار من أمام السفارة الأمريكية إلى "
شارع القدس العربية".
وقال إسماعيل البستنجي رئيس اللجنة إن الشارع يتبع إداريا للمنطقة التي تشرف عليها لجنته وسعوا جاهدين لتغيير التسمية انسجاما مع "نهج الحكومة في منع تهويد القدس وطمس معالمها الدينية والتاريخية وردا على قرار الإدارة الأمريكية بنقل السفارة للقدس المحتلة".
وعرض البستنجي صورة قرار اللجنة في انتظار اكتمال الإجراءات الرسمية لتغيير مسمى الشارع.
وفي الأردن أيضا هنالك مفارقة على شكل "حرب باردة" داخلية، إذ تجد شارعا باسم مؤسس جماعة الإخوان المسلمين بمصر، حسن البنا، باقيا كما هو رغم تذبذب العلاقة بين الدولة والجماعة، كما تجد ميدانيا باسم الرئيس
المصري الراحل، جمال عبد الناصر، الذي أعدم عددا من الإخوان، وغير بعيد عنه شارع باسم المفكر المصري، سيد قطب، الذي أعدمه عبد الناصر.
ومصريا، قالت وسائل إعلام محلية إن
شارع السلطان سليم الأول، وهو أحد أشهر سلاطين العثمانيين، الكائن في القاهرة، سيتم تغييره، بعد عقود من تسميته بهذا الاسم.
وقال محافظ القاهرة، عاطف عبد الحميد، إنه لا يصح إطلاق "اسم مستعمر" على أحد الشوارع المصرية، وإن أساتذة التاريخ المعاصر تحدثوا عن "قتل سليم الأول آلاف المصريين"، خلال معارك ضد العثمانيين.
وقال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الجزائر، عامر مصباح، إن ما نراه على الأرض وعلى لافتات أسماء الشوارع ما هو إلا انعكاس لتناقضات كبيرة بين الدول تشي بأن النظام الدولي يسير نحو عدم التماسك والمشاكل العميقة.
لكنه أشار في حديث لـ"
عربي21" إلى أنه وإن كانت "حرب الشوارع" بين البلدان موجودة إلا أنها لا تعني أن البلدين غير متفقين بالكامل، إذا أن بعض الدول مثل تركيا والولايات المتحدة الأمريكية مثلا تجمعهما علاقات استراتيجية كبيرة، رغم اختلافهم حول "غصن الزيتون".
ولفت إلى أن تغيير أسماء الشوارع ما هي إلا شكل من أشكال الاحتجاج، وإيصال رسالة بعدم الارتياح في ملف معين.
وعن الحالية المصرية التركية، قال مصباح إن المصريين لا يملكون الكثير في مواجهة النفوذ التركي في ملفات عديدة تخص السياسة الخارجية المصرية، كالموقف من قطر، ومما يجري في سوريا، وملفات أخرى، فقامت أخيرا بتغيير اسم شارع السلطان "سليم الأول".