منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو والنظام الجاثم على صدر
مصر يمارس البطش والقمع على كل شيء. بدأ
القمع ضد التيار المعارض من الإسلاميين، فمارس كل أنواع البطش، وبدأ في ذلك من النهاية، حيث القتل، ليسجل عددا مهولا من المجازر، بدءا من مجزرة الحرس الجمهوري، وما زال مستمرا مع تنوع أشكال القتل من تصفيات لمجموعات صغيرة، أو حتى أفراد إلى عمليات عسكرية شاملة يسوق لها إعلاميا. كما استخدم النظام القضاء لتنفيذ مجازر أخرى رسمها برسم القانون، في محاكمات هزلية تفتقد لمقومات العدالة، تفضي إلى إعدامات يروح ضحيتها أبرياء يُحكمون بالشبهة، في ما يسمى بتحريات الأمن الوطني.
وتعددت أشكال القمع لتشمل الإقصاء السياسي، بعد الإقصاء المادي، بتجميد الأحزاب وحلها، والقبض على منتسبيها وشيطنتهم. وتجاوز النظام مرحلة المعارضين ليدخل مرحلة جديدة هي مرحلة إقصاء الموالين، وإن كانت بدأت مبكرا، إلا أنها وصلت ذروتها مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، وما أصاب النظام من سعار جعله يتخلص من الجميع حتى شركاء الانقلاب من العسكريين.
فقد تم القبض على رئيس حزب مصر القوية والمرشح السابق للرئاسة المصرية، الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والذي خرج على قناة الجزيرة ليقوم بدوره السياسي المفروض، بما أنه جزء من هذا النظام، بمعارضة النظام وتقويمه، وإن حاول الرجل في ذلك أن يتلمس كلماته ويتحسس خطاه، إلا أن ذلك لم يعجب النظام، وقبض عليه بمجرد وصوله إلى الوطن، بل اعتقل معه أعضاء المكتب السياسي لحزبه، وهو ما دفع الحزب لإصدار بيان يعلن فيه تجميد نشاطه اعتراضا على تصرفات النظام. دعوة التجميد لم تكن الأولى، فقد سبق "مصر القوية" أحزاب أخرى في الفكرة، ويبدو أن رد النظام على "مصر القوية" بتأميم مقاره قصد به تخويف باقي الأحزاب من انتهاج نهج مصر القوية.
لكن هنا يطرح السؤال: هل قرار تجميد نشاط الأحزاب هو الحل؟
هناك من يرى أنه شكل من أشكال الاعتراض المشروع والمتعارف عليه سياسيا، وهو بمثابة صرخة في وجه النظام الدكتاتوري؛ مفادها أن الساحة لك وحدك ولن نشارك في تمثيلية هزلية، أو لن نكون لك مساحيق تجميل تزين بها وجهك القبيح.
لكن هنا تكمن معضلة أن النظام لم يصبر على التيار المدني الذي خرج في مؤتمر صحفي يعلن مقاطعته الانتخابات الرئاسية القادمة اعتراضا على القبض على كل المرشحين المحتملين أو تجهيز تهم لهم في حالة التقدم بأوراق ترشحهم، فأحالهم إلى النيابة بتهمة تقويض النظام الدستوري.
لذا، فإن فكرة تجميد النشاط لن تجدي مع هذا النظام، لا سيما وأن الإدارة الأمريكية تدعمه لتنفيذ صفقة القرن، وإن كان التعويل على الاتحاد الأوروبي بعد انتقاضات ألمانيا وفرنسا في وجه النظام بعد
الانتهاكات الأخيرة ضد المرشحين الرئاسيين، إلا أنه أيضا لا يمكن الاتكاء عليه.
كما أن تجميد النشاط يعري الغطاء القانوني لتلك الأحزاب، مما يسهل عملية استهداف كوادرها، وهو ما أراه انتحارا سياسيا سيقضي على جيل مهم في عمر الحياة السياسية المصرية. فالغطاء القانوني سند قوي لكشف إجرام النظام وكذبه أمام العالم، وأن حالة القمع المستشري في مصر إنما هي منهج للنظام وليست، كما يدعي، محاربة الإرهاب أو المخربين. فالنظام ينتهك حقوق حتى العاملين تحت مظلة الدستور، وهو ما يفقد النظام شرعيته أمام المجتمع الدولي ويحرج الأنظمة التي تدعمه أو على الأقل تغض الطرف عن جرائمه. ومن هنا يأتي العمل الجاد والمفروض على المعارضة في الخارج بالتحرك على الأحزاب المعارضة في الدول التي تدعم النظام المصري، لتكون الأزمة المصرية بمثابة ورقة ضغط ومن ثم ورقة انتخابية بيد المعارضة في وجه تلك الحكومات؛ تستشعر منها الحرج، فإما أن تساهم في تغيير هذا النظام أو على الأقل تتخلى عنه.
وهنا أيضا يأتي الحديث عن تيار ثالث موازي لهذا الحراك يجب أن يقوده الشباب الحر الواعي من خلال الجامعات والتجمعات والجمعيات بالتثقيف لا أقول التثقيف السياسي، بل التثقيف في كل مناحي الحياة. فحالة التجهيل والإفساد الأخلاقي وتشويه الشخصية المصرية، والذي ينتهجه النظام، إنما هو مقصود لتهميش الشارع المصري عن قضايا الوطن، ومن ثم التنازل عن حقوقه، ليصبح الحق في الحياة، أي حياة، هي منتهى أمنيات المواطن. ويجب البناء هنا على مكتسبات ثورة يناير التي لا شك، وعلى كل المستويات، قد غيرت كثيرا في بناء الشخصية المصرية. فالوطن الآن يحتاج عملا توعويا كبيرا، على مستوى التثقيف الديني والقيمي والعلمي والقانوني والحقوقي والتنمية البشرية والفني، وغير ذلك من المعارف التي يجب أن تجد لها طريقا غير ذلك الطريق الذي تنتهجه القنوات الفضائية الخاصة بالمعارضة، والتي تنتهج منهج الهدم للنظام لا البناء للإنسان.