هل شاءت الأقدار ألا يفلح العرب في العمل المشترك؟ نموذج جامعة الدول العربية خير دليل على ذلك وما يقال عن إفلاس جامعة الدول العربية يقال عن الاتحاد المغاربي وما نشاهده منذ يونيو 2017، ما هو إلا دليل آخر على الفشل العربي، وهذه المرة على مستوى مجلس التعاون الخليجي. يعتبر الاتحاد المغاربي النموذج الأمثل لفشل العمل المشترك بين مجموعة من الدول تتقاسم اللغة والدين والتاريخ وأشياء أخرى كثيرة. دول الاتحاد تنعم بخيرات وإمكانيات ووسائل تمكنها من التكامل فيما بينها لتنعم باقتصاد قوي وبأنظمة اجتماعية وثقافية وسياسية فعالة ورشيدة. الواقع يقول إن الاتحاد المغاربي يعتبر من أكبر التكتلات السياسية فشلا في التاريخ المعاصر.
الرئيس التونسي المنصف المرزوقي بعد تسلمه الحكم زار دول
المنطقة وأعلن عازما ومتفائلا وحازما أنه سيغير مجريات الأحداث وسينفخ الروح في
الاتحاد المغاربي، ووعد بقمة مغاربية في سنة 2012، لكن شيئا لم يتجسد في الميدان من
أقوال ووعود المرزوقي. فرغم الربيع العربي والتغيرات التي شهدتها المنطقة، ما زال
الاتحاد المغاربي يحتضر وأصبح يوما بعد يوم يفقد حتى أسباب ودواعي وجوده. أيعقل أن
نتكلم عن اتحاد مغاربي والحدود مغلقة بين أكبر دولتين في الاتحاد، تضمان
فيما بينهما أكثر من 80 مليون نسمة. هل يعقل ألا تتجاوز التجارة البينية بين دول
الاتحاد 4%؟ ماذا عن الربط الكهربائي؟ ماذا عن سكة حديدية تسافر عبرها شعوب
المنطقة من الرباط إلى نواكشوط، مرورا بالجزائر وليبيا وتونس؟ ماذا عن التعرفة
الجمركية؟ ماذا عن التكامل في المجالين الزراعي والصناعي؟ ماذا عن التعليم العالي
والبحث العلمي؟ والقائمة قد تطول وشعوب المنطقة طال انتظارها في عصر التكتلات
والكيانات الإقليمية.
فالاتحاد عجز حتى عن تنظيم كأس الاتحاد المغاربي لكرة القدم للأمم أو للفرق الفائزة بالكأس أو البطولة. فالمنطقة مؤهلة بثرواتها وخيراتها ومواردها المادية والبشرية للنجاح والتكامل الاقتصادي. فالاتحادات والتحالفات بين الدول نجحت بفضل الديمقراطية ونجحت بفضل الحكم الرشيد والاستغلال الأمثل للثروات المادية والبشرية في كل قطر على حدته ثم في الأقطار المتحالفة والمتحدة مجتمعة. فالاتحاد المغاربي بحاجة إلى دول مغاربية قوية بفضل الحكم الراشد والديمقراطية والتواصل الفعال بين القمة والقاعدة. في الفترة ما قبل الربيع العربي كان هناك حكم تسلطي استبدادي في ليبيا وحكم فاسد في تونس.
أما بالنسبة للجزائر والمغرب وموريتانيا، فهناك حاجة ماسة إلى النظر للأمور والمعطيات بمنطق جديد، وهو منطق يقوم على احترام الحريات الفردية واحترام الشعب وإشراكه في العملية السياسية وفي صناعة مصيره ومستقبله. نجاح الاتحاد يتوقف على نجاح كل دولة على حدته فيما يتعلق بالمجتمع المدني، والفضاء العام والأحزاب السياسية والمعارضة والنظام الإعلامي الحر والمسؤول والملتزم، والفصل بين السلطات والقضاء العادل...إلخ. لقد حان الوقت بالنسبة لدول المنطقة أن تحارب الفساد وإهدار المال العام وعدم الاستغلال الرشيد للثروات المادية والبشرية.
لقد حرك الربيع العربي المياه الراكدة ووجه إنذارا شديد اللهجة لتلك الأنظمة التي ما زالت بعيدة كل البعد عن شعوبها وعن الواقع، وما زالت تعاني من فجوة كبيرة بين آليات الحكم التي تمارسها والواقع. لكن بعد مرور سنتين على الربيع العربي، ما زال الاتحاد المغاربي يحتضر ومازالت أسباب أفوله تتفوق على أسباب نجاحه. فرغم تحديات العولمة وتربصات الاتحاد الأوروبي بالدول المغاربية والتنافس الأوروبي الأمريكي على المنطقة، نلاحظ أن دول المغرب العربي لم تدرك حتى الساعة، أو بالأحرى لم تنجح في وضع آليات عملية للتكامل الاقتصادي وللعمل المشترك من أجل إقامة كيان موحد يستطيع أن يواجه التكتلات المختلفة في العالم. أزمة القضية الصحراوية وتعقدها بالنسبة للمخزن في المغرب والنظام في الجزائر، كانت وما زالت الحجرة التي انكسرت عليها كل محاولات العمل المشترك بين دول الاتحاد. وهذا ما يتطلب دراسة هذه المشكلة وحلها في أقرب الآجال بطريقة ترضي الجميع ومن أجل مصلحة الجميع.
الفعل الديمقراطي في دول الاتحاد مغيّب، ونلاحظ أن طاقات
هائلة، سواء كانت مادية أو بشرية غير مُستغلة بطريقة رشيدة. فالقرار لا يُتخذ
بطريقة مدروسة وعلمية والسلطة تعيش بعيدة عن هموم ومطالب الشارع. النظام الإعلامي
لا يقوم بدوره الحقيقي وما يفعله هو التملق والتسبيح والتمجيد. فالفجوة إذن كبيرة
جدا بين السلطة والجماهير، هذا على مستوى كل دولة في الاتحاد، فكيف تنجح هذه الدول
في تحقيق عمل مشترك وهي عاجزة على تجسيد قواعد الديمقراطية داخل حدودها.
فدول الاتحاد اليوم عاجزة عن إنشاء شبكة سكك حديدية مشتركة ولا طريق سيار يربط دول المنطقة، ولا ربط كهربائي تستفيد منه كل دول الاتحاد. ومن هنا فإن اتحاد الشعوب مغيّب تماما، والعمل المشترك بين دول الاتحاد نجده غائبا على مختلف المستويات سواء تعلق الأمر بالسياسة أو الاقتصاد أو التعليم أو الثقافة أو الرياضة...إلخ. فدون تكامل اقتصادي ودون تبادل في مختلف المجالات بين شعوب المنطقة، لا يُكتب النجاح للاتحاد المغاربي ويبقى بذلك جسد بلا روح.
دول الاتحاد المغاربي بحاجة إلى وقفة مع الذات لتحديد آليات التغيير والتأقلم مع متطلبات القرن الحادي والعشرين. التغيير لا بد منه ويجب أن يأتي من الداخل وبإيمان عميق من صانع القرار.
فمستقبل الاتحاد المغاربي يكمن في تحرير المواطن المغاربي وإعطائه إمكانيات الابتكار والإبداع والتميز، حتى يساهم بطريقة إيجابية وفعالة في بناء مستقبله ومصيره. لقد حان الوقت أمام دول الاتحاد المغاربي لتعي أنها أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الإصلاح والشروع في الديمقراطية والتخلي عن الآليات البالية السلطوية التعسفية، أو المحافظة على الوضع الراهن وهذا يعني الموت البطيء للاتحاد المغاربي والعمل المشترك والخنوع والخضوع للقوى الخارجية التي تتربص بالمنطقة.
فالسلطة الحقيقية تكمن في الشعب وليس في
أجهزة البوليس والمخابرات وقوات الردع. الأمر يتطلب إعادة ترتيب أوضاع دول الاتحاد
بإجراء إصلاحات حقيقية على المستوى الداخلي لكل قطر، وعلى مستوى العلاقات بين دول
الاتحاد بما يحقق التنمية الشاملة والإصلاحات السياسية والاقتصادية والثقافية
والعلمية والفكرية، في إطار نظام مغاربي متكامل يقوم على الديمقراطية واحترام شعوبه
بالدرجة الأولى واحترام الدول الأعضاء دون مزايدة ولا مساومة. بعد مرور 29 سنة
على إنشائه لم تتغير أمور العمل المشترك المغاربي وأقل ما يقال عن هذا التجمع إنه
فقد سبب وجوده.
الشرق القطرية