ظلت عمليات التفجير في
بنغازي منذ بدايتها في عام 2011 لغزا غامضا، الأمر الذي وسع من دوائر التكهنات وساهم في تبادل المتنازعين التهم بالخصوص، وتم التعويل على الوضع المأساوي لتمرير أجندات سياسية فردية وقبلية وجهوية وحتى خارجية.
لذا، فإن كل الاحتمالات وجميع السيناريوهات مفتوحة وممكنة في ظل اتساع ساحة الصراع وتعدد الأطراف المتنازعة من الداخل والخارج.
فالعنف الداخلي تطور بشكل مخيف وتحول من مواجهات في الجبهات إلى أعمال انتقامية خارج محاور القتال في سجون سرية والتصفية والتخلص من الجثث بشكل لا إنساني والمقصود هو الترويع والترهيب.
أما العنف الخارجي، فتمثل في المراهنة على أطراف الصراع بشكل مخالف للقرارات الدولية وتوفير الغطاء السياسي والدعم العسكري لحرب كانت نتائجها مدمرة.
لكل ما سبق، ومتابعة ورصدا لتفسير البعض لما جرى ويجري في المدينة، فإننا نعرض الاحتمالات التالية للبحث عن من يقف وراء التفجيرات الوحشية التي شهدتها بنغازي خلال الأسابيع الماضية:
1- من الممكن أن يكون من يقف وراء التفجيرات مجموعات إسلامية متطرفة، والدافع خليط من الانتقام والتقرب إلى الله حسب معتقدهم، وهو ما تتبناه الأطراف المناصرة للبرلمان والجيش، لكنه في رأيي احتمال مرجح.
2- وذلك لأن المجموعات المتطرفة التي تنتسب إلى
تنظيم الدولة أو الجماعات المتشددة التي من الممكن أن تقدم على هكذا عنف هي اليوم في وضع هش لا يمكنها من تنفيذ تفجيرات بهذا الحجم.
3- لا يُستبعد أن يكون من تورط في هذه الأعمال المروعة أحد أطراف الصراع في بنغازي بعد انتهاء الحرب وتفجر الخلافات وبداية التطاحن على النفوذ، خاصة أن تفجيرات سابقة وقعت وهناك اعتقاد قوي بأنها كيدية ومنفذها ضمن جبهة عملية الكرامة. وهو الرأي الذي يجنح إليه كثير من خصوم الكرامة منذ إطلاقها.
هناك اعتقاد بأن المخطط والمنفذ أطرافا تتبع جهات خارجية، من بعض الدول التي ناصبها معسكر طبرق العداء بشكل صريح وألصق بها التهم في كل مناسبة، وآخرها إتهام الجيش التابع للبرلمان أنقرة بالتورط في تفجير مسجد الروضة.
البعض لم يستبعد أن يدخل ضمن السيناريو الخارجي الأطراف الإقليمية التي ناصرت عملية الكرامة، والدافع هو رفض حفتر لمطالبهم في مرحلة ما بعد الحرب فقامت بهذه الجرائم لتقول للمشير بأنها قادرة على إعادة بنغازي إلى المربع الأول في حال فكر أن يتمرد عليها.
فالمعلوم أن علاقة حفتر مع أنصاره شهدت بعض البرود وتخللها منذ منتصف العام الماضي ضغوط منها التلويح بوقف الدعم المباشر، ووفقا لهذا التفسير، فإن حفتر حاول أن يجد بديلا، فكان الرد منها بهذا الكيد لإرجاعه إلى بيت الطاعة.
4- هناك التفسير الذي ذهب إليه بعض أنصار الكرامة خاصة الجناح المعادي لحفتر أو المتحفظ على إدارته للعلمية العسكرية في بنغازي ومواقفه الأخيرة والتي منها تصدر أبناءه وأبناء عمومته للمناصب العسكرية الحيوية.
وبحسب هؤلاء، فإنه من الممكن أن يكون حفتر خلف التفجيرات وغايته التمهيد لخطة إعادة رسم الخارطة العسكرية والأمنية ببنغازي، بما يمكنه من السيطرة عليها، وذلك بعد الخلاف الذي تفجر مع جناح من قبيلة العواقير وبعض رموز التيار السلفي ومع قواعد القوات الخاصة.
وما يدعم هذا السيناريو الإجراءات التي اتخذها حفتر مؤخرا وفي مقدمتها تعيين الفريق عبد الرازق الناظوري رئيسا للغرفة الأمنية وتعهد الأخير بشن حرب جديدة وتنفيذه حملة اعتقالات واسعة ضمت عدد من المقاتلين في عملية الكرامة والذين يعتقد أن انتماءهم لغير قائد الجيش التابع للبرلمان وأثاروا مؤخرا شغبا أظهر بنغازي في حالة فوضى الأمر الذي وضع حفتر في حرج شديد أمام الرأي العام في المدينة.
ومن المهم التنويه إلى أن التطور في المشهد يمكن أن يعزز من صواب بعض الاحتمالات ويضعف البعض الآخر، ومثال ذلك أن تتبنى التفجيرات مجموعة متطرفة معلومة يكون لها وجود وممثلين معروفين، فيصبح سيناريو تورط مجموعات إرهابية راجحا.
أيضا، فإن استمرار التفجيرات، لا سمح الله، سيكون حاسما في استبعاد التحليل الذي يجعل حفتر خلف هذه الأعمال المروعة بعد أن تقدم خطوات باتجاه فرض سيطرته على المدينة من خلال إعادة تشكيل الغرفة الأمنية، كما أسلفنا، إلا إذا واجه مقاومة تهدد بإفشال خطته.