السؤال الذي اخترته عنواناً لهذا المقال؛ فرضته التطورات الخطيرة لسلوك التحالف، بعد ثلاثة أعوام من الحرب التي يخوضها في
اليمن، حيث تتجلى في ثنايا مهمة كهذه؛ حقائق يكرسها هذا التحالف وليس سواه، وتتحول إلى بيئة غير مواتية للرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، بل وتعمل باستمرار على جعل المسافة بعيدة بين الرئيس وسلطته المفترضة على الأرض.
في شمال اليمن، يواصل الحوثيون ترسيخ نفوذهم الذي بات خالصاً بعد مقتل الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، في الرابع من شهر كانون الأول/ ديسمبر 2017، وباتوا أكثر قوة وثقة في التعبير عن خياراتهم؛ إلى حد أنهم باتوا الطرف الذي يعرض المقترحات بشأن الحلول السياسية، إما بشكل مباشر كما جاء في مقترح لرئيس ما يسمى اللجان الثورية محمد علي الحوثي، أو غير مباشر كما في المبادرة التي تقدم بها الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد خلال مداخلة له في "منتدى فالداي" بالعاصمة الروسية موسكو.
أما ما يحدث في الجنوب، فقد بات مادةً ثمينة للصحافة والإعلام الغربيين اللذين يتابعان باهتمام بالغ ما يمكن وصفه بـ"الانحراف" الذي يحدث في إطار المهمة العسكرية التي تقودها المملكة العربية
السعودية في اليمن، وهو انحراف بات يأخذ شكل المهمة الاستعمارية الواضحة؛ التي تتأسس على مخطط قابل للتنفيذ على الأرض الشاسعة التي خلفها الانقلابيون في الجزء الجنوبي من البلاد.
فالإمارات وفقاً لتقرير نشرته مجلة الإيكونوميست البريطانية، "تسعى من خلال وضع يدها على الموانئ اليمنية، إلى دعم مينائها، أي ميناء جبل علي، وهو الأكبر في المنطقة، إما عبر خنق المنافسة، أو تحويل مسارات السفن إليه".
فيما يعمد السعوديون "الذين يعملون من مطار الغيضة، في محافظة المهرة بعد سيطرتهم عليه في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إلى شراء ولاء شيوخ القبائل في الشرق والجنوب، عبر توزيع السلاح، والسيارات، وجوازات السفر السعودية"، وفقاً للمجلة البريطانية ذاتها.
هناك توافق تام بين الرياض وأبو ظبي على النظر إلى اليمن باعتباره تركة سائبة بعد حرب تزداد أهدافها غموضا يوماً إثر يوم، وتأملان في حسمها دون أن تضطرا إلى تسليمها إلى حكومة قوية تمثل كل اليمنيين.
لكن التنافس بين قطبي التحالف، على من تكون له الكلمة العليا في يمن ما بعد الحرب وأي شكل ينبغي أن يكون عليه هذا البلد، هو الذي يكرس حالة من التنافس والنزاع غير المرئي بينهما لأسباب كثيرة من بينها العداء التاريخي والأيديولوجي، مضافا إليهما عقدة النقص لدى آل نهيان أمام اسرة آل سعود التي تحكم معظم شبه الجزيرة العربية.
يمكن ملاحظة بعض جوانب الصراع في الأجندات بين قطبي التحالف، في أسلوب العمل على الأرض. فقد اختارت السعودية إنجاز مهمتها العسكرية القريبة من حدها الجنوبي، وتلك التي تدور على مشارف العاصمة صنعاء، وفي محافظة تعز كذلك، عبر ألوية ملحقة بالجيش الوطني منزوع السلاح إذا تعلق الأمر بالأسلحة الثقيلة والنوعية.
ومع ذلك، لا تزال أبو ظبي ترى هذا الجيش مجالاً لنفوذ للقوى الإسلامية وفي المقدمة منها الإخوان المسلمون، وهي نظرة فيها مبالغة كبيرة قياساً بالحقائق على الأرض.
وقد وجه الإعلام المحسوب على
الإمارات مؤخراً انتقاداً لاذعاً للقرارات العسكرية الأخيرة؛ التي أوصلت أحد أبناء الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر إلى منصب قيادة المنطقة العسكرية السادسة وميدانها العملياتي في محافظة الجوف بشمال اليمن.
ومرد ذلك إلى الخصومة الشديدة القائمة بين هذه العائلة وبين عائلة الرئيس المخلوع التي تمضي أبو ظبي قدماً في إعادة ترميمها عسكرياً وسياسياً؛ للعب دور رئيس في تحرير صنعاء الذي يبدو أن الإمارات تريد أن تشرف عليه، وتطمئن بأن الذي سيحل محل
الحوثيين في العاصمة نظام صالح القديم أو سلطة تشبهه إلى حد كبير.
يحدث ذلك على الرغم من أن القرارات والتعيينات التي تتصل بالمناصب الرئيسية السياسية والإدارية والعسكرية والأمنية، التي يتخذها الرئيس هادي من مقر إقامته شبه الجبرية في الرياض، تخضع للتشاور في إطار اللجنة الثلاثية التي أقرها التحالف، وتضم ممثلين عن الرياض وأبو ظبي، وتجتمع برئاسة نائب الرئيس اليمني الفريق علي محسن صالح.
لكن الصراع على النفوذ يجب أن لا يغطي على الجريمة الخطيرة التي يقترفها قطبا التحالف في اليمن، اللذان يمضيان قدماً في صياغة واقع جيوسياسي مشوه لبلد كبير، احتضن واحدة من أقدم الدول وأعرقها في شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي.
وهذا التطور السيئ الذي ينتظر اليمن يبدو أنه يقف خلف تحركات مهمة تداعى إليها بعض المؤثرين في النخبة السياسية اليمنية، ومن شأنها أن تربك المشهد وتجبر التحالف على إعادة ترتيب أولوياته؛ وفقاً لإرادة الغالبية العظمى من اليمنيين والمرجعيات الحاكمة للأزمة والحرب.