لم تكن السيدة المصرية منى محمود محمد إبراهيم، الشهيرة بـ"أم زبيدة"، تتوقع أن تفتح شكواها ونحيبها لتعرض ابنتها للإخفاء القسري والاغتصاب على يد عناصر من الشرطة المصرية، أبواب الجحيم عليها من قبل السلطة وأذرعها الإعلامية، التي دخلت مرحلة الغيبوبة الإنسانية.
السلطات المصرية تجاوزت جميع الخطوط بكافة ألوانها حتى تبقى ممسكة بالسلطة.
الأم المكلومة باحت بأنينها ضمن فيلم وثائقي بثته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تحت عنوان "سحق المعارضة في مصر"، تناولت فيه ما تشهده مصر من اعتقالات وإخفاء قسري ووقائع تعذيب واغتصاب لمعارضين ونشطاء داخل السجون.
الرئاسة المصرية ردت على التقرير الذي بثته "بي بي سي"، بقولها: "إن ما تضمنه التقرير محض أكاذيب وادعاءات بشأن الأوضاع السياسية والاجتماعية في مصر، وأوضاع السجون وحقوق الإنسان، وينطوي على تناقضات وانحياز سلبي، وانتهاك لكل المعايير المهنية في مجال الصحافة".
ومن بين 2500 معتقلة سياسية في الفترة ما بين آب/ أغسطس عام 2013 وحتى نهاية كانون الأول/ ديسمبر عام 2017، ما زالت 49 منهن بين جدران المعتقلات، طبقا لتقرير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات عن حالة حقوق الإنسان لعام 2017، وتقارير أخرى أعدها باحثون قانونيون مستقلون.
وتوصل نشطاء حقوقيون، من خلال التقارير التي أعدوها، إلى أن من بين هذا العدد 154 تعرضن للاختفاء القسري ثم ظهرن، و13 حالة تعرضن للإهمال الطبي، منهن ثلاثة في حالة حرجة، كما قضت المحاكم المختلفة على 5 منهن بالإعدام حضوريا وغيابيا.
وطبقا للتقارير ذاتها، فإن 133 قتلن بالرصاص الحي والخرطوش خلال المظاهرات، إضافة لمقتل 176 حالة، إما نتيجة الإهمال الطبي في السجون، أو في حوادث سير أمام السجون خلال زيارة ذويهن، و356 حالة تعرضن لانتهاكات خلال الاحتجاز التعسفي أثناء زيارة ذويهن في السجون.
وبلغ عدد اللاتي تم تحويلهن للمحاكمات العسكرية حضوريا وغيابيا 23 حالة، إضافة لفصل 526 طالبة من جامعاتهن، كما صدر بحق 304 حالات أحكاما حضورية وغيابية، بمجموع سنوات أحكام وصلت إلى نحو 1274 سنة ، وبلغ عدد اللاتي أدرجن بقوائم الإرهاب 93 حالة، وتم مصادرة أموالهن، أما اللاتي منعن من السفر، فبلغن 106 فتيات وسيدات.
ويقول نشطاء وثقوا حالة زبيدة منذ البداية إن ثمة شيئا غامضا في الموضوع، وبشهادة والدتها أنها تعرضت للتحرش في الاعتقال الأول، كما أكد شهود آخرون أنها تعرضت للاغتصاب في الاعتقال الثاني، وأن ظهورها مع الإعلامي عمرو أديب في مبنى وزارة الداخلية بأنها كانت رهن الاعتقال مع زوجها.
ويؤكد المدير التنفيذي للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات، الناشط الحقوقي عزت غنيم، أن التعامل مع ملف المعتقلات شائك، لطبيعة الحالات التي يتعاملون معها، موضحا أن اعتقال الفتيات بلغ ذروته خلال عامي 2014 و2015، ثم أصبح الاعتقال يحدث على فترات متقطعة.
ويضيف غنيم أن التجاوزات التي رصدوها تمثلت في الانتهاكات التي يتعرضن لها داخل السجون وأماكن الاحتجاز، موضحا أن منظمته تمكنت من توثيق بعض الحالات وفشلت في أخرى، وحتى الحالات التي يتم توثيقها، فإن أهاليهن يشترطون عدم نشر أي شيء عنهن؛ خوفا من المشاكل الاجتماعية.
وأدانت منظمات وهيئات دولية من بينها منظمة "هيومن رايتس ووتش" قيام السلطات المصرية بشنّ حملة اعتقالات ضد المعارضة السياسية.
وأكدت 13 منظمة حقوقية، من بينها "هيومن رايتس ووتش"، أن "القمع الشديد واستخدام تهم متصلة بالإرهاب ضد النشطاء السلميين يشكّل تجسيدا لاستراتيجية الحكومة؛ لإسكات المنتقدين قبيل الانتخابات الرئاسية، المزمع عقدها بين 26 و28 آذار/ مارس المقبل". وهي انتخابات تفتقر إلى "أبسط متطلبات الانتخابات الحرة والنزيهة". بحسب المنظمة الدولية.
ولفتت المنظمات الحقوقية إلى أنها وثقت عدة انتهاكات خطيرة من قبل عناصر الأمن الوطني، بما في ذلك التعذيب الدوري للمعتقلين السياسيين، عادة في مكاتب الجهاز، التي تُستخدم كمراكز احتجاز سرية للإخفاء القسري.
رئيسة المجلس الثوري المصري، مها عزام، قالت: "إن الانتهاكات أصبحت متوقعة وطبيعية من نظام إرهابي لا يتورع عن فعل أي شيء في سبيل بقائه".
وأضافت أن "تلك الأساليب تتبعها سلطات الانقلاب منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013؛ لكي تغطي على جرائمها البشعة بحق الشعب المصري من قتل خارج إطار القانون، واعتقال تعسفي، وإخفاء قسري، وتعذيب، في مجتمع الخوف وجمهورية القمع".
وبثت الصحفية البريطانية أورلا جورين على حسابها بموقع "تويتر" مقاطع لشهادات معتقلين وأسر معتقلين، يتحدثون فيها عن معاناتهم والتعذيب الشديد الذي تعرضوا له من قبل السلطات بعد اعتقالهم.
ولا تزال والدة زبيدة (23 عاما)، التي اعتقلت وهي بالقرب من إحدى التظاهرات التي لم تشارك بها عام 2014، ومكثت في السجن 7 أشهر، تبث حزنها وألمها بقولها إن جسد (زبيدة) "كان مقطعا من شدة الضرب".
وأوضحت أن عناصر الشرطة "اغتصبوها (زبيدة)، وفعلوا كل ما يغضب ربنا"، على حد وصفها.
ولفتت إلى الفتاة أعيد اعتقالها عام 2016 مرة أخرى، وحتى الآن ما زالت رهن الاعتقال، وأضافت: "أموت في اليوم الواحد 100 مرة.. يا ريت يعتقلوني أنا ويتركوها".
وتابعت: "إزاي بنتي مختفيه وما أتكلمش؟ أي دين وأي قانون.. لو كلفني التعليق على حبل المشنقة سأتكلم".
صمت "أم زبيدة" لن يفيد، لكن هل صراخها وشكواها ستجد آذانا صاغية من نظام يريد البقاء في السلطة حتى آخر مواطن مصري.؟!