في الوقت الذي زار فيه رئيس المخابرات
المصري اللواء عباس كامل
الخرطوم، والتقى الرئيس عمر البشير، قام وزير الخارجية المصري بزيارة للشق
السوداني الآخر، وهو دولة
جنوب السودان، التي استتبعها بزيارة أخرى لكينيا، وهي
التحركات التي أحاطت بها تكهنات كثيرة عن الهدف المصري من هذا النشاط الأفريقي.
وطبقا
للتصريحات والبيانات الرسمية الصادرة عن المصريين، فإن القاهرة تريد تفعيل الحوار
السياسي للصراع الدائر بالجنوب في إطار تحركاتها لفض نزاعات القارة، بينما أكد
خبراء ومتابعون لهذه التحركات أن السبب لهذا النشاط هو الالتفاف حول إثيوبيا، في
محاولة لإيجاد بدائل إنقاذ مائية لما يمكن أن يخلفه إتمام مشروع سد النهضة.
ووفقا
للمتابعين، فإن القاهرة تحاول توسيع الفجوة السياسية الدائرة بإثيوبيا حاليا،
لعرقلة السرعة التي يسير بها مشروع سد النهضة، كما تحاول ممارسة ضغوط على دول حوض
النيل؛ من أجل إعادة النظر في اتفاقية عنتيبي، التي تتبناها أديس أبابا ذات الثقل
الأفريقي، وهو ما تمثله زيارة شكري لكينيا تحديدا، إضافة لمحاولة إحياء مشروع قناة
جونجلي التي تعتبرها مصر طوق النجاة من كارثة المياه المقبلة.
وفي
دراسة موسعة عن مشروع
قناة جونجلي، أكد سفير مصر السابق بأنجولا والنيجر، بلال
المصري، أن مشروع هذه القناة، التي تروج له مصر حاليا، وأنه يمكن أن يوفر 30 مليار
متر مكعب من المياه، وهي النسبة نفسها التي سوف تفقدها مصر نتيجة سد النهضة، عبارة
عن كذبة كبرى؛ لأن مقومات نجاحه مستحيلة.
وأشار
المصري، في الدراسة التي أعدها لصالح المركز الديمقراطي العربي، إلى أن المسؤولين
المصريين يروجون لهذا المشروع، رغم أن كل مقومات التنمية في جنوب السودان مستحيلة
حاليا، نتيجة الحرب الأهلية الشرسة التي يمكن أن تجعل الدولة الوليدة تحت الوصاية
الأممية والأفريقية خلال الأشهر المقبلة، موضحا أن إعلان المسؤولين في مصر بأن
القناة سوف تعوض خسائر سد النهضة يشكك في مصداقية السياسة المصرية؛ لأن القناة في
حال إنشائها سوف توفر 2.5 مليار متر مكعب فقط، طبقا لنشرة رسمية صادرة عن وزارة
الري المصرية حول المشروع عام 1997.
وأضاف
المصري أن المعارضة الجنوبية المسلحة، التي يقودها رئيس حكومة الجنوب السابق رياك
مشيار، لن توافق على أي تسوية تقودها مصر بعد فضحهم لقيام القوات الجوية المصرية
بالمشاركة في الحرب ضد قواته لصالح حكومة سيلفا كير.
وحول
موقف حكومة الجنوب من اتفاقية عنتيبي، قال المصري في دراسته إن حكومة سيلفا كير لم
تعلن حتى الآن موقفها النهائي صراحة أو تلميحا من الاتفاقية، وهو الموقف الذي يقلق
الجانب المصري، رغم ما قدمه من دعم لجوبا.
ويؤكد
عضو تحالف المعارضة بجنوب السودان، عبد القادر حميد، لـ"
عربي21"، أن
النظام المصري يتعامل مع حكومة سيلفا كير دون النظر لباقي مكونات الشعب الجنوبي،
وبالتالي فإن أي مشروع تريده مصر من الجنوب لن يكتب له النجاح؛ نتيجة الصراعات
الدائرة ببلاده.
ويشير
حميد إلى أن أنصار البيئة الجنوبيين أعلنوا رفضهم لمشروع جونجلي؛ لأنه سيُقلل من
عملية التبخر بمنطقة السدود ومستنقعاتها؛ نتيجة تحويل المياه للقناة، وهو ما سوف
يؤدي لتقليل الأمطار في هذه المنطقة، التي تعتمد على الرعي، فضلا عن مشاكل أخرى
متعلقة بتجفيف الأراضي الرطبة، كما أن المساحة التي تم حفرها عام 1984 لصالح
المشروع، طمستها مياه الأمطار والفيضانات، وبالتالي فالاعتماد على أنه تم حفر 260
كيلومترا من إجمالي 360 كيلومترا، هو أيضا أمر محل نظر.
ويرى
الباحث السياسي السوداني، فيصل الميرغني، أن النشاط المصري الأخير في
أفريقيا له
عدة أسباب، منها محاولة إيجاد حلول لأزمة سد النهضة التي أعلنت إثيوبيا أنها انتهت
من 63% منه، وأنها سوف تقوم بالتخزين خلال 3 سنوات وليس عشر سنوات كما كانت تتمنى
مصر، التي فوجئت من جانبها أن النظام الجديد بإثيوبيا أكثر عنفا في مشروع السد من
نظام هايلي ديسالين السابق.
ويضيف
الميرغني لـ"
عربي21" أن السبب الثاني للتحركات
المصرية هو محاولة التصدي للتوغل التركي بالقارة السمراء، خاصة أن تركيا تضع
أقدامها بقوة كل يوم في مناطق القرن الأفريقي ومنابع النيل وشرق البحر الأحمر،
ووسط أفريقيا، وهو ما يقلق النظام المصري بشدة.
وأشار
الميرغني إلى أن القاهرة لم يعد لديها ما تقدمه لدول أفريقيا، التي تحتاج للتنمية
بشكل كبير، وهو ما لا يمكن لمصر أن تحققه الآن في ظل أزماتها المالية وزيادة
ديونها الخارجية، وبالتالي لن تقدم حكومات أفريقيا شيئا يذكر للقاهرة دون أن تقدم هي
المقابل لذلك.