عقب حرب أكتوبر عام 1973م/ رمضان 1393هـ، التي استردت فيها الأمة
كرامتها القتالية وأخذت بثأرها من هزيمة عام 1967م، بدأ السير على طريق التحول عن
نماذج التحديث الغربية إلى النموذج الإسلامي في التقدم والنهوض.
ومن
معالم هذا التحول، ما شهده عقد السبعينات في مصر من تقنين للشريعة الإسلامية وفقه
معاملاتها، وهو مشروع كبير شارك فيه علماء الأزهر الشريف وفقهاء القانون، ومجلس
الشعب.
ولقد أثمرت هذه الجهود عدة مجلدات تمت فيها تقنينات الفقه الإسلامي،
التي تغطي أغلب المنظومة القانونية، كبديل إسلامي لذلك القانون الهجين، الذي بدأ
الاستعمار الإنجليزي فرضه على مصر عام 1883م، عقب الاحتلال الإنجليزي لمصر، وكان
هذا الإنجاز مؤشرا على عزم مصر العودة لاستئناف حاكمية الشريعة الإسلامية وسيادة
فقه معاملاتها من جديد.
لكن
هذا التوجه نحو الذات الإسلامية، والعزم على استئناف إسلامية الدولة والقانون
والعمران قد أزعج الغرب والمتغربين، الذين هبوا إلى عقد المؤتمرات، وإلى تدبير
المؤامرات، وإلى طرح المشاريع الفكرية المناهضة لهذا الاتجاه!.
ففي
مايو من عام 1978م عقد المنصرون الأمريكيون – في مدينة كولورادو – أخطر المؤتمرات
التي خططت لتنصير المسلمين – كل المسلمين – وطي صفحة الإسلام من الوجود!.
وفي
هذا المؤتمر تحدثوا عن الأسباب والملابسات التي حددت توقيت عقده في هذا الوقت
بالذات، لقد تحدثوا عن ضرورة المسارعة لمواجهة "المظاهرات التي يقوم بها
المسلمون في مصر وإيران وباكستان مطالبة بالرجوع إلى الشريعة" وتحدثوا عن
ضرورة "مواجهة الجانب الثوري في الإسلام، الذي نسي المنصرون والغرب وجوده"!.
وعن
الصراع الذي استرعى اهتمام وسائل الإعلام العالمية بين الإسلاميين والاتجاهات
العلماني، والذي كاد أن يفرض تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر، ويدفع باكستان إلى
تطبيق الدستور الإسلامي لأول مرة في تاريخها ابتداء من مارس عام 1978م"!.
ولقد
كان حديث المنصرين الأمريكيين هذا عن التحولات الإسلامية نحو الشريعة الإسلامية
والنموذج الإسلامي في التقدم والنهوض وانزعاجهم من هذه التحولات التي توشك وتؤذن
بانعتاق العالم الإسلامي من قبضة الاحتواء الحضاري الغربية، كان هذا الحديث وكان
مؤتمر كولورادو إيذانا بموجة معاكسة من التغريب، ومن المشاريع الفكرية العلمانية،
التي تسعى لاستبعاد العودة إلى الشريعة الإسلامية، وإلى الإبقاء على القانون
الوضعي الغربي، وإلى تفريغ الإسلام من القانون البديل لقانون نابليون!.
ولقد
كان المستشار محمد سعيد العشماوي في مقدمة الذين حملوا راية "التوجه العلماني
المضاد" لتحول الأمة نحو الشريعة الإسلامية، بل إن الرجل يعترف بأن هذا
التحول نحو الإسلام وشريعته هو الذي استنفره للتخصص في التأليف في الفكر الإسلامي،
الذي يناهض هذا الاتجاه!.
ثم
كان أن اتفق مع الصحفي موسى صبري على نشر كتابه "أصول الشريعة" في سلسلة
مقالات في صحيفة الأخبار، منذ يوليو عام 1979م، أي بعد عام من مؤتمر كولورادو
بالتمام.