نشر موقع "فورين بوليسي" مقالا لأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد ستيفين والت، يقول فيه إن العديد من الناس الأذكياء يظنون أن أمريكا وروسيا دخلتا في "حرب باردة جديدة".
ويقول الكاتب: "هناك العديد من المقالات التي تملأ الصحف والمجلات، وستجد حتى موقعا متخصصا في الموضوع، وأصبح من الصعب أن تجد الآراء الأكثر اعتدالا التي كانت قبل سنتين، حيث يستخدم قادة الجانبين لغة أكثر قسوة لوصف كل منهما الآخر، والناس في كل طرف يعتقدون أن الطرف الآخر يرسم أشكال الخطط الخبيثة ضدهم كلها، وحتى إن هناك علامات على وجود سباق تسلحي، حيث تبجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول أسلحة نووية جديدة متطورة، بالإضافة إلى أن أمريكا تحضر نفسها لإطلاق برنامج تحديث مكلف للأسلحة النووية".
ويرى الباحث في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أن "الوضع الحالي سيء، لكن وصفه بـ (الحرب الباردة الجديدة) أمر مضلل أكثر منه منيرا، وإن قام الشخص بمقارنة الحالتين بشكل جيد، فإنه سيرى أن ما يحصل اليوم هو مجرد ظل لحالة التنافس التي كانت، كما أن النظر إلى مشكلات اليوم على أنها حرب باردة يقلل من الدور الذي أداه العامل البشري والقرارات السياسية السيئة لتصل العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا إلى المأزق الحالي، بالإضافة إلى أنه يصرفنا عن التحديات الأكثر أهمية، ويثبطنا عن التفكير بشكل خلاق أكثر لتجاوز المستوى الحالي من الحقد".
ويقول والت: "لنرى هذا، يجب أن ننظر إلى شكل الحرب الباردة الأصلية، فابتداء كان هناك قطبان في العالم، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، ومع أنه كانت هناك عوامل أخرى، إلا أن كلا منهما كانت تشعر بأن الأخرى تشكل التهديد الأعظم لها، وبقيت ترقب الأخرى بعين الحذر، كما أن القوتين العظميين كانتا تقريبا متساويتين في القوة، مع أن الولايات المتحدة كانت بالموازنة في وضع أفضل بكثير من الاتحاد السوفييتي، وكان اقتصاد الولايات المتحدة تقريبا ضعف اقتصاد الاتحاد السوفييتي".
ويشير الكاتب إلى أن "حلفاء الولايات المىحدة كانوا أكثر قدرة، ويمكن الاعتماد عليهم بشكل أفضل من حلفائهم، فكان مع الولايات المتحدة كل من ألمانيا الغربية والمملكة المتحدة واليابان وفرنسا وإسرائيل وعدد من الدول القوية، في الوقت الذي كان مع الاتحاد السوفييتي أمثال جنوب اليمن وكوبا وأنغولا وعدد من الدول المضطربة التابعة لحلف وارسو، وكانت الصين الشريك الأصغر للاتحاد السوفييتي، لكن العملاقين الشيوعيين اختلفا بعد فترة قصيرة، حيث انحازت الصين للولايات المتحدة في سبعينيات القرن الماضي (كما فعلت مصر، التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفييتي)، وكانت الولايات المتحدة تتمتع بإمكانيات أكبر وقوات بحرية وجوية أفضل، وتكنولوجيا أكثر تطورا وتدريب أفضل".
ويستدرك والت بأنه "كان لدى الاتحاد السوفييتي جيش كبير، ولديه معدات جيدة، وكان مصمما على الحرب الهجومية، وقواته قريبة من غرب أوروبا، وليست بعيدة عن الخليج العربي، وأصبحت لديها ترسانة نووية ضخمة، ومع أن الولايات المتحدة كانت متقدمة، لكن الفرق لم يكن كافيا ليسمح لأمريكا بأن تسترخي؛ ولذلك سعت كلا الدولتين العظميين لمد نفوذهما على نطاق أوسع، وفعلت كلاهما ما بوسعهما لتضعف الأخرى دون إشعال حرب عالمية ثالثة".
ويلفت الكاتب إلى أنه "كان من سمات الحرب الباردة صراع بين عقيدتين سياسيتين، الرأسمالية الليبرالية والماركسية اللينينية، وكلاهما كانت عقيدة عالمية، من حيث اعتقاد أتباع كل منهما بأنها صالحة لتنظيم المجتمع في أي مكان في العالم".
ويقول والت: "أخيرا، كما أظهر زميل آرني ويستاد بوضوح، كانت الحرب الباردة سباقا عالميا في كل قارة من العالم، وشكل هذا التنافس بين موسكو وواشنطن الأجندة الدولية السياسية من أربعينيات القرن الماضي، وكانت لها آثار كبيرة (وعادة سلبية) في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية".
ويبين الكاتب أن "تلك كانت هي الحرب الباردة الحقيقية، وعلينا ألا ننسى أنه تخللها عدد من الأزمات النووية وسباقات التسلح، قام خلالها كل من الطرفين بالتسلح بعشرات آلاف القنابل الهيدروجينية، بالإضافة إلى الحروب بالوكالة التي أودت بحياة الملايين، ومع أن ما يحصل اليوم مؤسف، وقد يكون خطيرا، لكنه أمر مختلف".
ويشرح والت قائلا: "أولا لم يعد العالم اليوم بقطبين، فهو إما بقطب واحد أو متعدد الأقطاب، حيث الكفة الراجحة للولايات المتحدة، التي تبقى القوة رقم 1، والقوى الأخرى تأتي خلفها، وإن عادت ثنائية الأقطاب ثانية فلن تكون روسيا هي القطب الآخر، بل الصين، حيث أصبحت روسيا الآن هي شريك الصين الأصغر، وهي على العكس تماما من الحرب الباردة السابقة، فروسيا أصبحت وستبقى أضعف من الصين لعقود قادمة (وقد تتخلف روسيا عن الهند أيضا، لكن تلك قصة أخرى)".
وينوه الكاتب إلى أن "الأمر الثاني: كان هناك نوع من التساوي خلال الحرب الباردة، لكن اليوم فإن الولايات المتحدة أقوى بكثير في كل مجال مهم، فالاقتصاد الأمريكي يصل إلى 20 تريليون دولار، بينما الروسي لا يصل إلى تريليوني دولار، وأمريكا متقدمة تكنولوجيا، في الوقت الذي يعتمد فيه اقتصاد روسيا على صادراتها من الطاقة، التي في الغالب ستتراجع قيمتها مع تراجع استخدام الوقود الأحفوري، وفي الوقت ذاته لا أحد يوفر النقود ليشتري آخر جهاز هاتف ذكي روسي، والشعب الأمريكي شاب ولا يزال ينمو، بينما الشعب الروسي يشيخ بسرعة، ويتوقع تراجع عدد السكان في العقود القادمة، مقارنة مع الحرب الباردة فإن الولايات المتحدة ضد روسيا تشبه غودزيلا ضد بامبي".
ويقول والت: "ثالثا: ليس هناك صراع أيديولوجي اليوم، قد تكون الليبرالية الأمريكية شوهت مؤخرا، لكن لم تعد هناك جاذبية للأيديولجية الروسية خارج حدودها في أقل المستويات، فإن كانت الماركسية اللينينية لها ملايين الأتباع في العالم، فإن البوتينية ليس لها أتباع إلا القلة المنتفعة، وقد يكون دونالد ترامب الوحيد في أمريكا الذي يعتقد أن حكم الرجل القوي أفضل من الديمقراطية، لكنه لن يكون رئيسا أمد الحياة حتى بغض النظر عن مدى رغبته في ذلك".
ويضيف الكاتب: "رابعا: كانت الحرب الباردة سباقا عالميا، في الوقت الذي تعد فيها القضايا التي تختلف عليها أمريكا مع روسيا اليوم محدودة في مناطق قريبة من روسيا، من أوكرانيا أو جزء صغير من الشرق الأوسط".
ويتساءل والت قائلا: "لكن ماذا عن محاولات التدخل الروسية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، ومحاولات زرع الفرقة من خلال الإنترنت وحسابات (فيسبوك) كاذبة، واختراق البريد الإلكتروني وغير ذلك من الأفعال السيئة؟ لا نزال لا نعلم المدى الذي تدخل فيه الروس في ديمقراطيتنا، لكن يحق للأمريكيين أن يكونوا حانقين وأن يطالبوا ترامب بفعل شيء لردع أو منع مثل هذه التصرفات في المستقبل، لكن في الوقت ذاته فإنه يجب أن نخفف كثيرا من التشنج، فلطالما تدخلنا في سياسات دول أخرى، واستخدمنا أساليب سرية وعلنية لنغير حكومات، كما أن تدخلات روسيا لم تؤد إلى مقتل أمريكيين بحسب علمنا، لكن تدخلنا في العراق تسبب بمقتل آلاف العراقيين، وذلك بالرغم من نيتنا الطيبة في (تحريرهم)".
ويذهب الكاتب إلى أنه "من المهم أيضا أن نعترف بأن أنشطة الروس كانت ممكنة فقط بسبب سماحنا للمؤسسات الديمقراطية بأن تصبح فاسدة قبل تدخل الروس بفترة طويلة، ولست سعيدا بما فعله بوتين أو فانسي بير أو غيرهما من العملاء الروس، لكن (نيويت غنغريتش) و(فوكس نيوز) و(بريتبارت) و(ذي دراج ريبورت) فعلت أكثر في ملء عقول الأمريكيين بالهراء من أي عملاء روس".
ويقول والت: "يجب علينا ألا نستغرب أن يستغل شخص مثل بوتين نقاط ضعفنا، فأي معرفة عابرة بتاريخ أمريكا تمكن للشخص أن يستنتج بأن الأمر لا يأخذ أكثر من تدخل أجنبي بسيط حتى نخرج تماما عن طورنا، ولو راجعنا الماكارثية ومداهمات بالمر أو (عقيدة الواحد بالمئة)، فإنه ليس غريبا أن يرانا بوتين هدفا واضحا، لكني أعتقد أننا فعلنا ذلك لأنفسنا".
ويخلص الكاتب إلى القول إن "التفكير بأن الصراع الحالي بين الولايات المتحدة وروسيا يبدو كحرب باردة جديدة يزيد من أهمية الموضوع، ويصرفنا عن التحدي الأهم الذي يواجهنا من صعود الصين، وأسوأ من ذلك يشجعنا على اتخاذ خطوات تعود علينا بالأذى، فبدلا من محاولة دق إسفين بين الصين وروسيا، فإن عقلية (حرب باردة جديدة) ستشجع على مقاربات المواجهة التي وظفناها خلال الحرب الباردة، وهو ما سيدفع الصين وروسيا إلى التقارب".
وول ستريت: لماذا دفع ترامب تيلرسون لتناول سلطة غير طازجة؟
بوتين يتهم اليهود وأقليات أخرى بالتدخل بانتخابات أمريكا 2016
أسلحة جديدة يروّج بوتين حيازتها.. هل هي حقيقة أم خيالية؟