لم يكتف نظاما بشار
الأسد وعبد الفتاح السياسي بكل صنوف الكذب لمحاربة حق شعبيهما بالحرية والكرامة، بل راحا يجربان ابتداع طرق وأساليب جديدة، في سياق حربهما النفسية الشرسة ضد شعبي البلدين، بهدف إقناعهما بأن التمرد لم يعد مجدياً وأن عليهما أن يستسلما لأقدارهم.
وعلى الرغم من الماكينة الإعلامية الهائلة التي يسخرها كل من الأسد والسيسي في حربهما ضد شعوبهما، وبرغم مما يتلقيانه من مساعدات رديفة من إعلام عربي وأجنبي، إلا أنهما يجدان أن ذلك ليس كافياً بعد لتحقيق الهدف المنشود، وهو إذلال هذه الشعوب إلى أبعد مدى، حتى لا تفكر في الثورة مرة أخرى ولو بعد سنين بعيدة.
المشهد الأول في
فيديو كليب الأسد: تعبر السيارة واحدة من أكثر ساحات دمشق صخباً وازدحاماً، ساحة الأمويين، ولثوان معدودة.. والمراد توصيله أن الأسد يتجول في العاصمة بكل أريحية، وقد أزاح المخاطر التي شكلتها الثورة يوما ما، ودمشق عادت صديقة ووفية للأسد.
المشهد الثاني: الأسد على طريق الغوطة الشرقية، يسير وحيداً شارداً يبحث عن مواقع عسكره، إلى أن يهتدي لتجمع من العسكر والمدنيين؛ الظاهر أنهم كانوا يتسامرون ويشربون الشاي على هامش المذابح التي تجري في الغوطة. لكن في نهاية المشهد يسأل المشاهد نفسه: طالما أن الأمور بهذه الأريحية والرواق، فلماذا لم يصور الأسد تلك اللقطات وهو يركب على حصان، كان سيكون لها وقع أكبر، سواء من حيث رمزيتها، أو من حيث أن تصوير مشاهد السيارات استهلكه المطربون من الدرجتين الثالثة والرابعة.
لكن هل يكفي فيديو كليب الأسد ليجعل السوريين يتراجعون عن الثورة؟ إذا كان مؤيدوه لم يحفلوا بما فعله، فكيف بالذين بنوا سبع سنوات من الثورة على منظومة الأسد، مدماكاً فوق مدماك، وكل مدماك كان يطوي عشرات آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين والمخفين والمشردين؟ صحيح أن هناك قوى كبرى تقف خلف الأسد، حتى وهو ينتج فيديو كليب رخيصا، فكل ما رآه المتفرج من حركة وآكشن في الثواني المعدودة التي ظهر بها الأسد في سيارته كلفت روسيا وإيران، وباعتراف قاعدة حميميم، جهوداً طائلة على الأرض وفي السماء. رغم كل ذلك، فإن حماة الأسد أنفسهم في موسكو يبحثون عن طريق خلاص من المأزق الذي أوقعوا أنفسهم به، والذي بات يلوح كمأزق أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي.
في
مصر، يعتقد
السيسي أن الأمور استقرت له إلى أبعد الحدود، وباتت مصر، بتاريخها وحضارتها ملكاً ليمينه يشكله كيفما أراد، لدرجة تمكّنه من أن يسمي الأهرامات باسمه، أو أن يفبرك التاريخ ليسجل أنه (السيسي) الملك الذي أمر ببناء الأهرامات، وربما هو الذي شقّ نهر النيل ليروي مصر.
لذا من حقه أن يأمر بشطب أرشيف نضال الشعب المصري وإلغاء واحدة من أهم إنجازات المصريين في العصر الحديث، ثورة 25 يناير ضد الفساد والتوريث واستعباد المصريين، وأن يمسح بأستيكة كل ما يذكره بأن مصر فيها رجال، لماذا؟ لأنه لا يصدق أن المصريين لديهم القدرة على إعادة إنتاج مثل تلك الثورة، وكأن حسني مبارك كان أقل قوّة ودهاء وحنكة منه، أو لم تكن له دوائر العلاقات والروابط، الداخلية والخارجية، يوم قرّر المصريون الثورة عليه!
في نسحتهم الجديدة، يبدو
الاستبداديون العرب أكثر وقاحة وسذاجة، وبكل الأحوال هم يشبهون الثورات المضادة التي أنتجتهم: مبتذلون وسطحيون بقدر الفجور الذي جاءت به الثورات المضادة، تلك الحركات التي استخدمت العنف والخديعة والأساليب المافياوية، وأتت بكل الشاذين ليتصدروا المشهد ويطرحون أنفسهم كحماة للدول والشعوب، في الوقت الذي يبنون سلطاتهم على مزيد من قتل فعالية هذه الدول وإحباط الشعوب إلى أبعد درجة.
لم يحصل أن تعاطى حاكم في التاريخ مع شعبه على أنه العدو الدائم والأبدي الذي يجب أن تسخّر له موارد الدولة وإمكانياتها، ومساعدات العالم الخارجي، من أجل كسر هذا الشعب وتحطيمه، كما يفعل الأسد والسيسي، وهذا إن دل على شيء، فهو يؤشر على ما هو أكبر من الحقد، بمقدار ما هو شعور بالخوف والجبن، بما يشبه ما فعله فرعون يوم تنبأ له العرافون بأن طفلاً سيولد على بر مصر سيقتله ويرث حكم البلاد.. بالنسبة للأسد والسيسي كل من هو على بر
سوريا ومصر مرشح؛ لأن يكون قاتلاً لهما، لذا سنرى في المستقبل القريب الكثير من قفشاتهما التي لا بد ستتجاوز الفيديو كليب والأستيكة.