نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمدير مكتبها في القاهرة ديكلان وولش، وصف في بدايته الدمار الذي أصاب مدينة بنغازي، ثاني أكبر مدينة ليبية، قائلا إن جدران البنايات المحروقة تحمل أسماء المقاتلين الذين سقطوا أثناء القتال، حيث يحوي الركام ألغاما وأجسادا مفخخة، ويجتمع الرجال ليلا حول النار التي تشعل في الأثاث.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "صورة الدمار هذه هي شكل الانتصار للجنرال خليفة حفتر، الرجل العسكري القوي، الذي اقتلعت قواته آخر المتطرفين الإسلاميين من بنغازي في كانون الثاني/ ديسمبر، بعد ثلاث سنوات من قتال طاحن، وبمساعدة حلفاء أجانب، ويسيطر الجنرال حفتر الآن على معظم الشرق الليبي، وأصبح هو الرجل الأقوى في المشهد الممزق".
ويقول الكاتب: "الآن، وفي الوقت الذي يهدف فيه حفتر إلى تقوية وتوسيع سلطته، فإنه يفكر في التودد إلى إدارة ترامب، وكان في كانون الثاني/ ديسمبر، استأجر شركة ضغط في واشنطن لتلميع صورته، بصفته زعيما مستقبليا لبلده، ولمواجهة ما يقوله عنه ناقدوه الذين يصورونه على أنه أمير حرب فظ ليس إلا".
وتلفت الصحيفة إلى أنه سمح لوكالة الاستخبارات المركزية بإقامة قاعدة في بنغازي -عودة سرية إلى المدينة بعد مقتل السفير كريستوفر ستيفنز عام 2012- مشيرة إلى أن عددا من المنتمين للقوات الأمريكية الخاصة موجودون في القاعدة الجوية قرب المدينة، بحسب مسؤولين أمريكيين.
ويجد التقرير أن ترشيح مدير وكالة الاستخبارات المركزية مايك بومبيو، وزيرا للخارجية، قد يساعد على اصطفاف أمريكا مع الجنرال حفتر، خاصة أن بومبيو وحفتر، الذي كان يوما رصيدا لوكالة الاستخبارات المركزية، كلاهما معاديان قويان للإسلام السياسي.
ويستدرك وولش بأن صعود الجنرال حفتر أصبح مشكوكا فيه، بعد أن تم نقل القائد البالغ من العمر 75 عاما إلى مستشفى في باريس، حيث قال الإعلام الفرنسي إنه يعالج جراء إصابته بجلطة، لافتا إلى أنه بعد إنكار ذلك ابتداء من معاونيه، إلا أنهم اعترفوا في أحاديث خاصة يوم الخميس بأنه خضع لعلاج طارئ، لكنهم لم يفصحوا عن حالته أو مكان علاجه.
وتقول الصحيفة إن "الغموض أغرق الفوضى السياسية الليبية إلى مستويات أعلى من التكهن، فإن كان إعادة شيء من النظام إلى شرق ليبيا بعد سقوط العقيد معمر القذافي اعتمد على القوة وعلى شخصية الجنرال حفتر، فإن هناك خوفا من غرقه في القتال إن خرج فجأة من الصورة".
وينقل التقرير عن الزميل في مؤسسة كارنيجي للسلام الددولي ومؤلف كتاب (الشواطئ المحترقة: داخل معركة ليبيا الجديدة) فريدريك ويهري، قوله: "كان هناك وقت العام الماضي عندما كان حفتر رجل الساعة، وكان الناس يخمنون أنه قادر على الوصول إلى طرابلس.. ثم بردت الأمور شيئا ما، وبدأت تظهر الشقوق في تحالفه، والآن لا أحد متأكدا ماذا سيحدث بعد".
وينوه الكاتب إلى أن حفتر صعد الى السلطة بمساعدة خارجية، ولبراعته في ضرب الحلفاء بعضهم ببعض، مشيرا إلى أن الطائرات الإماراتية والمصرية قامت بضرب أعدائه، وساعدته في الاستيلاء على محطات النفط، فيما قامت مليشيات فرنسية بالقتال في الخطوط الأولى في بنغازي، حيث قتل ثلاثة منهم عام 2016، وكان التمويل على السعودية.
وتبين الصحيفة أن ما أزعج المسؤولين الأمريكيين هو أن القوات الروسية الخاصة قدمت الذخيرة والمعلومات الاستخباراتية للجنرال حفتر من قواعدهم في غرب مصر، بحسب ما قاله مسؤول سابق في الاستخبارات الأمريكية، بشرط عدم ذكر اسمه.
وبحسب التقرير، فإن الجنرال حفتر كان مرتبطا معظم حياته بأمريكا، لافتا إلى أنه في أواخر الثمانينيات، عندما كان حفتر ضابطا كبيرا يعيش في المنفى في تشاد، فإنه قاد الجهد الذي دعمته وكالة الاستخبارات المركزية للإطاحة بالعقيد القذافي، وفشلت الخطة، وانتهى الأمر بلجوء حفتر إلى فرجينيا، حيث عاش لعقدين من الزمن هناك وأصبح مواطنا أمريكيا، بحسب ما قاله المسؤول السابق.
ويستدرك وولش بأنه بعد أن عاد حفتر إلى ليبيا عام 2011 بطموح الاستيلاء على السلطة، فإن المسؤولين الأمريكيين نأوا بأنفسهم عنه، منوها إلى أن السياسة الأمريكية دعمت منذ 2015 الحكومة التي دعمتها الأمم المتحدة في طرابلس، التي كانت إدارة ضعيفة، بالكاد تسيطر على منطقة العاصمة، إلا أنها تبقى الأمل الرئيسي للغرب لحل سياسي في ليبيا، والتقى رئيس وزراء الحكومة الموحدة فايز السراج مع الرئيس ترامب في البيت الأبيض في كانون الأول/ ديسمبر.
وتفيد الصحيفة بأنه عندما بدأ الجنرال حفتر في تحقيق انتصارات، وسيطر على بنغازي، وعلى أكبر محطات النفط في ليبيا، فإن الزعماء الأوروبيين بدأوا بالتودد إليه علنا، حيث سافر الصيف الماضي إلى باريس، بناء على دعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتقى بوزير الدفاع الإيطالي في روما، واستقبل وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، في مقره المحصن خارج بنغازي.
ويفيد التقرير بأن الجنرال حفتر يقدم نفسه للغرب على أنه محارب شجاع ضد الإسلام السياسي، على شاكلة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي كان جنرالا سابقا، لافتا إلى قول الناقدين إن هذه المقاربة تقوي أعداءه، بجعل المتطرفين والمتشددين يتحدون ضده.
ويشير الكاتب إلى أن القائد السبعيني يحاول تقديم نفسه على أنه قائد عسكري كبير، يحب التباهي والألقاب، فيما يقول الخبراء إن براعته الحقيقية هي في تشكيل التحالفات، لافتا إلى أن الجيش الوطني الليبي الذي يقوده هو في الواقع ائتلاف من المليشيات ووحدات الجيش النظامي.
وتقول الصحيفة إن حفتر استخدم منذ العام الماضي براعته لتوسيع نفوذه إلى صحراء ليبيا الجنوبية، وهي منطقة واسعة يغيب عنها القانون، حيث شكل عددا من التحالفات القبلية، التي أصبحت في السنوات الأخيرة مركز اهتمام جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية، وقامت أمريكا بتنفيذ 9 هجمات صاروخية في جنوب ليبيا، استهدفت مقاتلي تنظيم الدولة بشكل أساسي منذ مجيء ترامب للرئاسة.
ويستدرك التقرير بأنه حتى قبل مشكلاته الصحية، فإن الخبراء في الشأن الليبي حذروا من أن حفتر ليس بالقوة التي يزعمها، وأن القوى التي ساعدته على البروز في الشرق قد تكون هي التي تهوي به، ففي كانون الثاني/ يناير انفجرت سيارة ملغمة خارج مسجد فقتلت 35 شخصا في شرق بنغازي، وتوجهت الشكوك نحو المتطرفين الإسلاميين، وبعد ذلك بساعات قام أحد قادة حفتر الكبار بجر 10 سجناء إسلاميين معصوبي الأعين إلى الشارع، وأعدمهم أمام الكاميرا بإطلاق الرصاص على رؤوسهم.
ويلفت وولش إلى أن محمود الورفلي كان مطلوبا من محكمة الجنايات الدولية؛ لدوره المزعوم في عمليات إعدام سابقة خارج القانون، لكن عندما اعتقل حفتر الورفلي، ووعد بإخضاعه لمحكمة عسكرية، فإن مؤيدي الورفلي قاموا بالتظاهر وحرق الإطارات في الشوارع، وأغلقوا الشوارع الرئيسية، واضطر الجنرال حفتر للتراجع، وكان قائد القوات الخاصة في بنغازي، ونيس بوخمادة نزع فتيل المظاهرات، من خلال وعده بعدم تسليم الورفلي لمحكمة الجنايات الدولية، وقال: "هذه مسألة تعود للمحاكم الليبية".
وتفيد الصحيفة بأن تلك كانت هي المرة الثانية التي يتم فيها تحدي سلطة حفتر، ففي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر تم اعتقال القائد فرج القايم، بعد أن طالب الجنرال حفتر بالتنحي في بث تلفزيوني.
وبحسب التقرير، فإن معارضي حفتر القبليين يشكون من أن جيشه تغلب عليه قبيلة فرجان، التي ينحدر هو منها، وأن أبناءه هم من يقومون بتنفيذ أوامره، مشيرا إلى أنه بالنسبة لسكان بنغازي، فإن المتطرفين الإسلاميين الذين ساعدوه على السيطرة على بنغازي هم من يمارسون سلطات أكبر من حجمهم على الحياة اليومية في المدينة.
ويقول الكاتب إن دعاة متطرفين قاموا على مدى العام الماضي بالسيطرة على العديد من المساجد، فيما أغلق المسؤولون المحافظون حفلات موسيقى، وحاولوا منع النساء من السفر دون مرافق.
وتورد الصحيفة نقلا عن نسيم عميش (25 عاما) وهو مسؤول تنمية، قوله: "إن المسألة تشبه مقايضة مع الشيطان.. يسيطرون على المساجد ليعززوا من سلطتهم، لكن ذلك قد يكون خاطئا".
ويفيد التقرير بأن "الجهود الغربية لجلب الجنرال حفتر لطاولة المفاوضات لم تكلل بالنجاح، حيث وقع اتفاقا العام الماضي مع طرابلس لإجراء انتخابات في نهاية عام 2018، لكن يبدو ذلك الآن احتمالا بعيدا".
وينوه وولش إلى أن حفتر لم يبد حماسا كبيرا في المقابلات التي أجراها للديمقراطية والتصويت الحر، حيث قال لمجلة "جون أفريك" الفرنسية: "ليبيا اليوم غير مستعدة للديمقراطية.. قد تنجح الأجيال القادمة في تحقيق ذلك".
وتذكر الصحيفة أن العديد من المنتقدين له يرون بأنه لا يختلف كثيرا عن العقيد القذافي، حيث أنه يحب السلطة لأجل السلطة، مع تجاوز الحقوق والحريات الأساسية كلها، لافتة إلى أن تقريرا صادرا عن الأمم المتحدة هذا الأسبوع أبرز التعذيب والاعتقال التعسفي وغير ذلك من الاعتداءات في السجون، التي يديرها الجنرال حفتر، وكذلك تلك التي تديرها المليشيات المنافسة له في الغرب، فيما يرى مؤيدوه أنه بعد سبع سنوات من الفوضى فإن رجلا قويا، مثل القذافي أو السيسي، هو الشخص المطلوب.
وبحسب التقرير، فإن حفتر تفاوض بوساطة مصرية مع المسؤولين العسكريين في غرب ليبيا؛ لإنشاء جيش ليبي موحد، مستدركا بأن هذا كله توقف الآن مع وجود الجنرال في مستشفى فرنسي يخضع للعلاج.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن المتحدث باسمه قال يوم الأربعاء في تغريدة له، إن الأخبار حول تدهور صحة حفتر كلها كانت كاذبة، وإن "المارشال حفتر في صحة جيدة، ويقوم بمهامه القيادية اليومية".
كوشنر يسرب أسماء معارضين لابن سلمان والأخير: أصبح بجيبي
الغارديان: هذا ما على بريطانيا وأمريكا فعله تجاه كارثة اليمن
بعد الانتصار بعفرين.. مواجهة تركية أمريكية تلوح في الأفق