في وقت تعصف الأمواج بالساحة العربية من خليج الذل حتى قبر المرحوم
طارق، كما قال أحد الشعراء، حيث القضية الفلسطينية من التسوية إلى التصفية وبجهود
عربية مخلصة، وأزهار الشام يقتلها السفاح بشار، واليمن السعيد يفتقد السعادة،
وليبيا تقسم، ودول الحصار تحاصر قطر، وبلاد الحرمين تتغير فيها الفتوى بتغير مزاج
ولى الأمر، ومصر أم الدنيا ح ول رئيسها الصواريخ الباليستية إلى بلاستيكية خلال
ثوان معدودة، ضارباً جهود علماء تصنيع الصواريخ وعلماء اللغة عرض الحائط... في هذا
الوقت وهذه الظروف، هبطت في الظهران في بلاد الحرمين، وبحضرة الملك سلمان، طائرات
أغلب أصحاب الفخامة والجلالة والسمو، وتطايرت القبلات ما بين الوفود، كأنهم في
رحلة استجْمام، جاؤوا ليتلوا على مسامعنا خطابات حفظناها عن ظهر قلب منذ أن كنا في
المهد صبيانا، دون أن ترق لهم مدامع المعذبين ومدامع عيوننا النازفة أو جراحاتنا..
جاؤوا ويحملون معهم اكتشافا جديدا بأن العدو الحقيقي هي إيران، وليس العدو
الصهيوني، وهذ النتيجة توصلوا لها في مراكز الأبحاث الأمريكية التي تديرها السحناء
المعلمة إيفانكا ترامب.
وبعيداً
عن اللغة الوردية الرومانسية الأدبية، هل عالجت قمة الظهران المشاكل التي تعصف
بالجسد العربي من خلال أدوية فعالة أم أعطت الجسد مسكنات وفقط؟ وهل اجتهد
المجتمعون لجمع شمل الأمة العربية أم على تفريقها من خلال التغريد خارج سرب الغناء
الشعبي العربي؟ هل كانت قمة الظهران فرصة لترسيخ قواعد جديدة في السياسة العربية؟
وهل ناقشت ملفات ساخنة بحجم سخونة المنطقة العربية؟
في القمة مارس الحكام كل أساليب ضبط النفس مع العدو الصهيوني، فلم
تتمعر وجوههم لما تقوم به الصديقة الجديدة "إسرائيل" في القدس والمسجد
الأقصى؛ لأن "عين الرضى عن كل عيب كليلة"، هكذا قال الإمام الشافعي، رغم
أن الملك سلمان سمى هذه القمة بقمة "القدس" لذر الرماد في العيون، ولم
ينتفضوا لنصرة أهل غزة في سلميتهم، بل تسابقوا لوأـد مسيرة العودة في مهدها،
وصمموا على استبدال الذي هو أدنى "المبادرة العربية" بالذي هو خير
(المقاومة). وبدلاً من إمداد أهل الحق بالقوة لمواجهة الباطل الحقيقي، نراهم
يحاولون سحب مقومات القوة من بين يدي أهل الحق وقذفهم بأبشع الأوصاف، والسبب أنهم
لا يشاطرونهم الخيانة، ولم يتطرقوا للعدوان الثلاثي الجديد على الأراضي السورية
بحجة أن جدول الأعمال معد سلفاً (عذر أقبح من ذنب)، ولم يفصح المجتمعون عن موقفهم
من تزايد الألم في اليمن رغم أن الدماء تتطاير بفعل تحالف عربي بغيض، ورغم أن
التحالفات العربية لم تفعل يوما واحداً تجاه إسرائيل، إلا في خيالات القصص.
كتب
الكاتب أحمد الجميعة في مقاله المعنون بـ"قمة الظهران.. سلام مع إسرائيل
ومواجهة إيران" مذكرا الحكام العرب بأن "العرب انشغلوا في قممهم منذ 72
عاما بالقضية الفلسطينية، وجعلوا إسرائيل محوراً مهماً على طاولتهم، وانشغلوا عن
قضايا عربية جوهرية؛ أهمها الخطر الإيراني في المنطقة وتداعياته التي وصلت إلى
احتلال أربع عواصم عربية وثلاث جزر إماراتية، بينما إسرائيل تحتل عاصمة عربية
واحدة". يا سلام.
والمتأمل
في هذه القمة يتضح له أنها أقرب إلى برنامج السيسي الانتخابي (سرية) ولم تجد صدى
إعلاميا لها، على عكس قمم سابقة. وأذكر أنه مع بدء انتفاضة الأقصى تسارعت النداءات
الشعبية العربية لعقد قمة عربية تناقش ما آلت إليه قضية فلسطين، فتداعى الحكام
العرب على عجل، وتحت وطأة الخجل ورغبةً منهم امتصاص غضب الجماهير التي كانت تعول
عليهم بفعل أي شيء، خارج الشجب والتنديد، وكانت تلك بداية عقد قمة عربية بشكل دوري
نهاية كل آذار/ مارس، بعد غياب تلك القمة لفترات طويلة، حيث كان لها صدى إعلامي
كبير، والكل يرى وينتظر مخرجات القمة.
أما
الآن بخصوص
القمة العربية في الظهران، فإنك لو سألت الجمهور العربي عنها فلن يكون
العارفون بها سوى نسبة قليلة، وهم المشتغلون بالسياسية أو المنشغلون بها، أما
المواطن البسيط الذي فقد الثقة بكل المؤسسات العربية، فلم يلتفت لها، وبدا له أن
البحث عن رغيف الخبز أفضل من النظر إلى وجوه شاخت وهي تستنكر وتشجب، ولم يعد
مبالياً بما يقولونه؛ لأنهم فقدوا دسم الدهشة وفشلوا في تحقيق اختراق نوعي حقيقي
في عقلية ونفسية المواطن العربي بجدوى قممهم.
وأختم
بما قاله شاعر مسكون بالألم: "أوَليس عارا أن تسمى قمة وجميع مَن فيها من
الأقزام؟ هي قمة.. أو نكتة روادها، خشب مسنّدة، فسيسْمع الجمهور جعجعة ً بلا
طحْن.. ويحضر حفلة استزلام، ومع النهاية يخرج العرّاب يقرأ للعدو وثيقة
استسلام".. يعني لا جديد في قمة الظهران.