نشر موقع "ذي نيو ريبابليك" مقالا للصحافي إريك كورتيليسا، يقول فيه إنه إن كان الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون تصرف كأنه "محامي إسرائيل"، بحسب كلمات أحد كبار مفاوضيه للسلام في الشرق الأوسط، فإن الرئيس باراك أوباما حاول أن يتصرف كأنه طبيب لإسرائيل.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "في الوقت الذي دعا فيه كلينتون لأفكار إسرائيلية في الجلسات الخاصة، يبدو أن أوباما كان يعتقد أن التسبب بألم فوري قد يحسن من فرص حياة المريض على المدى الطويل: وفي هذا الإطار جاء انتقاده العلني للمستوطنات".
ويقول كورتيليسا إنه "منذ تنصيب ترامب رئيسا، فإنه لم يكن بالإمكان التنبؤ بسياساته من يوم إلى آخر، والحزب الوحيد الذي لم يغضبه هو حزب الليكود الإسرائيلي، فبينما يقع الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني تحت هذا التصنيف، إلا أن أوضح وأقوى تجل لهذه العلاقة الحميمة ظهر يوم الاثنين، مع افتتاح السفارة الأمريكية الجديدة في القدس، وقد اعترف ترامب رسميا بالمدينة المقدسة عاصمة رسمية لإسرائيل في شهر كانون الأول/ ديسمبر، قائلا إن هذا التحرك سيدفع بالسلام إلى الأمام بإكراه الفلسطينيين على (الاعتراف بالواقع)".
ويستدرك الكاتب بأن "الآثار المباشرة لهذا القرار، تشير إلى أن التحرك أضر بفرص السلام على المدى الطويل: فمنذ ذلك الحين ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يرفض اللقاء بأي من المسؤولين في البيت الأبيض؛ بحجة أن الإدارة فقدت حقها في التصرف بصفتها وسيطا أمينا، واشتعل العنف في غزة كآخر تكرار لدوامة دموية تشل الخيال السياسي والأخلاقي للطرفين، والعودة إلى مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين تبدو أبعد من أي وقت مضى".
ويقول كورتيليسا: "ظاهريا، يجب ألا يشكل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الغربية أي تداعيات، فإسرائيل لا تحتاج إلى اعتراف بالقدس عاصمة لها من الرئيس الأمريكي، أو من أمين عام الأمم المتحدة أو أي شخص آخر، فالقدس عاصمة إسرائيل، حيث يوجد البرلمان والمحكمة العليا وسكن الرئيس ورئيس الوزراء، ومناورة ترامب بشأن نقل السفارة مهمة لأسباب أخرى".
ويجد الكاتب أنه "في الظروف المثالية فإنه كان يجب افتتاح السفارة الجديدة بعد الانتهاء من اتفاقية سلام تقوم على حل الدولتين، وفتحها الآن أمر محير؛ ليس لغياب حل سلمي، لكن لأن ترامب لم يحصل على تنازلات مقابل ذلك من إسرائيل، و يبدو أنه كان مهتما أكثر بالوفاء بوعده الانتخابي وإرضاء قاعدته الإنجيلية من المؤيدين".
ويلفت كورتيليسا إلى أن الرئيس استخدم في إعلانه بخصوص القدس لغة تشير إلى عدم تغييره للوضع الحالي، حيث قال: "لا نقوم باتخاذ موقف بخصوص القضايا المؤجلة للمفاوضات الأخيرة، بما في ذلك الحدود النهائية لسيادة إسرائيل في القدس، أو التوصل إلى حل بشأن الحدود المتنازع عليها"، مستدركا بأن مسؤولين أمريكيين سابقين، لديهم تاريخ طويل في القضية الفلسطينية الإسرائيلية، قالوا إنه استخدم لغة أخرى بعثت برسالة مختلفة للفلسطينيين.
وينوه الكاتب إلى أن ترامب قال في أكثر من مناسبة عامة، إنه أزال القدس من طاولة المفاوضات، ولم يوضح أبدا ماذا يعني ذلك، حيث قال ديفيد ماكوفسكي، وهو أحد مفاوضي إدارة أوباما في سلام الشرق الأوسط: "بتعمده أن يترك الكلام مبهما فإنه تأكد من جعل الفلسطينيين يظنون أنه أعطى القدس كلها لإسرائيل.. وترك الأمر معلقا وجعل الكل يصل إلى استنتاجاته، ما سيجعل الفلسطينيين يتوصلون إلى أقصى استنتاج".
ويستدرك كورتيليسا بأن هذه القضية قد تكون أكثر من مجرد فهم؛ لأن إسرائيل تستغل الوقت لادعاء المزيد في القدس الشرقية، لافتا إلى قول المفاوض لمدة طويلة في مفاوضات سلام الشرق الأوسط آرون ديفيد ميلر: "إذا ما أخذنا في عين الاعتبار أن الحكومة الإسرائيلية تدعي أحقيتها بجانبي المدينة، وأن هناك سبع وزارات حكومية في الجزء الشرقي منها، فلا أحد يتحدث عن سيادة فلسطينية على القدس الشرقية.. وتقوم الحكومة الإسرائيلية بخلق واقع على الأرض مصمم ليمنع قيام عاصمة متصلة، وتسلم إدارة ترامب بذلك، وهذا يجعل المهمة المستحيلة أكثر استحالة".
ويفيد الكاتب بأنه "على المستوى الأساسي جدا، فإن السفارة الجديدة تجعل من الصعب سياسيا التوسط في رؤية المجتمع الدولي لاتفاقية على مبدأ الدولتين، حيث تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، وفي الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بتقوية وضعها في القدس كلها، (ولم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غير واع لأصداء كلمات خطابه الأخيرة يوم الاثنين: (فليبارك الله القدس، العاصمة الموحدة والأبدية لإسرائيل)، ما يجعل أي انسحاب مستقبلي مشحونا، لقد كانت هناك حاجة إلى 50 ألف جندي إسرائيلي لإخلاء أقل من 10 آلاف مستوطن إسرائيلي من غزة عام 2005، فتخيل كيف سيبدو الأمر إن أرادوا إخلاء مئات آلاف المستوطنين من الضفة الغربية والقدس الشرقية، والأهم من ذلك هو أن أي انسحاب مثل ذلك سيتسبب بفراغ سلطة تملأه حركة حماس كما حصل في غزة".
ويذهب كورتيليسا إلى أن "أكبر أثر لنقل السفارة يبقى هو الطريقة التي تحجم فيها إمكانيات أمريكا في التصرف بصفتها وسيطا في مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية".
وتورد المجلة نقلا عن دانيال سيدمان، الذي أسس المنظمة غير الحكومية (تيرستريال جيروزاليم)، التي ترصد التطورات السياسية والإنسانية في المدينة، قوله: "احتمال عودة الولايات المتحدة لأداء دور الوسيط في المستقبل المنظور لا ينجح حتى بصفته نكتة.. وهذا هو أكبر نتائج نقل السفارة".
ويشير الكاتب إلى أن "من بديهيات السياسة الخارجية أن الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة أن تعطي بصقتها طرفا ثالثا لكلا الطرفين الضمانات التي يحتاجاها لتقديم تنازلات: ولذلك في الماضي وخلال مفاوضات عملية أوسلو للسلام كان كل من الفلسطينيين والإسرائيليين يطلبون مشاركة أمريكا في المفاوضات، وليس الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، وبالطبع يعود الأمر للإسرائيليين والفلسطينيين لأن يتوصلوا إلى اتفاق سلمي، لكن الفلسطينيين يرفضون الآن القيادة الأمريكية، وهو ما ستكون له تداعيات كبيرة، حيث يتم تحييد القوة الدولية الوحيدة التي تستطيع أن تسهل التوصل إلى اتفاق".
ويقول كورتيليسا إن "افتتاح السفارة أحاطه جو ساخر، حيث قال نتنياهو في خطابه لجمهور، كان بينه جاريد كوشنير وإيفانكا ترامب ووزير المالية الأمريكي ستيفن منوتشين والسفير الأمريكي لإسرائيل ديفيد فريدمان، إنه (يوم مجيد)".
ويستدرك الكاتب قائلا: "لكن إن كان ترامب يدعم برنامج حزب الليكود دون تمحيص، فإنه قد يؤذي إسرائيل على المدى الطويل، فقد يكون الإسرائيليون شاكرين لترامب بأنه أعطاهم شيئا أرادوه لمدة طويلة، و(دون مقايضة)، بحسب ما قال فريدمان للمراسلين الجمعة الماضية، لكن تعويذات إدارة ترامب بخصوص السلام شبيهة بالصورة المزدوجة على شاشات التلفاز، التي نقلت احتفال الافتتاح مع صور الشباب الفلسطيني في غزة يهاجمون الحدود، لا تعكس تحسنا في الأمن، ولا تمنح سببا للاعتقاد بأن البيت الأبيض يخلق ظروفا أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين لمستقبل أفضل".
ويختم كورتيليسا مقاله بالقول: "في ظل التوترات المتفاقمة في غزة، ومع دعوة عباس لسفيره في واشنطن للعودة يوم الثلاثاء، فإن المؤشرات كلها تشير إلى أن البيت الأبيض فعل العكس بالضبط".
نيويورك تايمز: هذه تداعيات فشل ترامب في القدس
التايمز: هذا هو العامل الذي سيعطل ترتيبات ترامب
القس الذي بارك سفارة أمريكا بالقدس متعصب ضد الأديان كلها