بعد مرور عام على الأزمة الخليجية بين قطر ودول الحصار، ما يزال مستقبلها غير واضح رغم الجهود التي بذلت لحل الأزمة من وساطات ودعوات لحلها، وبخليج موحد من جديد.
مع استمرار الأزمة، فإن قطر ما تزال تعيش حالة من الحصار، أثر عليها سياسيا واقتصاديا، إلا أن الدولة استطاعت خلق بدائل وحلولا للتغلب على الحصار الذي تفرضه دول أربع هي السعودية والإمارات ومصر والبحرين، وفق ما قرأه محللون.
وعلى الرغم من مرور وقت طويل على الأزمة التي تراوحت بين تصعيد وتجميد للأزمة، إلا أنها لا تبدو قريبة من الحل على البعد القريب، لا سيما مع تصريحات لمسؤولين رسميين من دول الحصار، أشاروا إلى أن الأزمة مستمرة، ولا يوجد نية لحلها، كتصريح وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد الذي أوضح أنه "لا بارقة أمل لحل الازمة مع قطر".
وتدور تساؤلات بعد مرور هذه المدة الطويلة على الأزمة، إن كانت دول الحصار تمكنت من تحقيق أهدافها من توتير العلاقات مع قطر، وفرض مقاطعة كبيرة ضدها.
هل نجحت دول الحصار؟
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي السعودي المعارض، سعد الفقيه، بأن القطريين تمكنوا من حل الإشكاليات المرتبطة بالحصار.
وأوضح الكاتب في حديثه لـ"عربي21"، أن "القطريين استطاعوا كسر الحصار البري، من خلال فتح خط تنسيقي مع إيران، وتركيا، للاستغناء عن البضائع السعودية التي كانت تغطي 80 بالمئة من حاجة البضائع المستهلكة مدنيا".
وأضاف الفقيه، أنه تم الاستغناء عن الموانئ الإماراتية، واستبدالها بالموانئ العمانية والباكستانية، وهناك دعم لتوسيع هذه الموانئ على المدى البعيد، ما ستتضرر بسببه الإمارات.
وعلى صعيد المجال الجوي، أوضح، أنه على الرغم من أن إغلاق المجال الجوي للطيران أمام قطر قد أرهقها، إلا أن القطريين تمكنوا من إيجاد مسارات تجارية واستهلاكية بديلة لها.
وذهب الفقيه، إلى أن قطر "استفادت سياسيا واعلاميا، من الأزمة الحالية"، على الرغم من تأثرها الكبير بالأزمة، موضحا أن "دول الحصار خسرت كثيرا أمام شعوبها وأمام العالم، بحيث تبين أن الحصار لم يكن أمرا مبررا، بل مؤامرة مدبرة لتنفيذ أجندة إقليمية"، وفق تعبيره.
أما اقتصاديا ونفطيا، أشار إلى أن قدرة قطر على تصدير النفط والغاز لم تتأثر.
تأثير إيجابي
من جهته، رأى الأكاديمي السياسي القطري علي الهيل، أن الأزمة كان لها أثر إيجابي، إذ دفعت بالقطريين بالاعتماد على ذاتهم، مضيفا: "أصبحنا نأكل مما نحصد".
وقال الأكاديمي القطري، في حديثه لـ"عربي21"، إن قطر خلال الأزمة نهضت بصناعاتها المحلية الخفيفة التي تغطي الاحتياجات المحلية، وتغلبت على الحصار من خلال الاستثمار بدول عدة، وسد حاجاتها منها.
وأشار إلى أن قطر تشترك مع إيران في حقلين من الغاز، الأول بنسبة 50 في المئة، والثاني بنسبة 70في المئة، واستطاعت بناء تحالفات عسكرية معها.
وأوضح أن "تركيا ردت الجميل لقطر التي وقفت ضد محاولة الانقلاب فيها، ووقفت معها"، من خلال بناء تحالف عسكري بين الدولتين، بتزويد قطر بقواعد عسكرية.
وفي ظل الحصار، قال الهيل: "استطاعت قطر تدشين ميناء حمد الدولي، وتجاوزت الخطوط الجوية القطرية مسارات دول الحصار، واستطاعت شراء واستئجار طائرات أجنبية، مثل الطائرة الإيطالية، التي تحلق بالأجواء السعودية والإماراتية، لأنها طائرة أجنبية وليست قطرية".
مخطط منذ عام 2014
وكشف الفقيه، بأن المخطط السعودي، لم يكن رهين الأزمة فقط، بل كانت محاولة سبقتها عام 2014، طالبت فيها السعودية طلبات عدة من قطر، ولم تكن محرجة سياسيا، واستجابت لها الأخيرة مجاملة، ولم تصل الأزمة بتلك اللحظة للتحدي والمواجهة، خاصة في ظل وجود إدارة أمريكية بقيادة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، في تلك الفترة.
وكان موقف أوباما في حينها غير مؤيد للحصار على قطر، ومارست إدارته ضغوطا على السعوديين، لإلغاء الحصار، ومحاولة امتصاص الأزمة.
وأضاف: "كان من المخطط أن يحدث الشيء ذاته في ذلك الوقت، من الملك السعودي السابق، والتويجري، الذي كان يترأس الديوان الملكي في ذلك الوقت، وكان سبب ذلك دور قطر الدولي في دعمها للربيع العربي، وحركات التحرر، واستضافتها لعناصر من حركة حماس، وجماعة الإخوان المسلمين"، وفق قوله.
وشدد الفقيه على أن مشروع الحصار "لم يكن مشروع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان فقط، بل تبناه التويجري، الذي كان له تأثير كبير على الملك عبد الله بن عبد العزيز"، مشيرا إلى أن الخطة كانت بالبدء بسحب السفراء، ثم حملة إعلامية موجهة على قطر، ويتلوها حصار بري وبحري وجوي، إلا أن أمريكا، حالت دون ذلك وضغطت على السعودية والإمارات بأن تتراجع عن القرار، لأن أمريكا في ذلك الوقت كانت تعمل وفق نظام مؤسساتي.
وقال إنه وبعد انتهاء فترة أوباما، واستلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السلطة، فتحت قنوات شخصية بين الأخير وابن سلمان، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، تكشفت عن مصالح شخصية بينهم، مشيرا إلى أن مصلحة ترامب بشخصيته "النرجسية" تقدم على مصلحة أمريكا المؤسساتية.
جهود الوساطات
وما تزال الأزمة الخليجية تشهد وساطات، لا سيما الدور الذي تلعبه الكويت منذ بداية التوتر بين قطر ودول المقاطعة، ما يثير شكوكا وتساؤلات حول جدواها وإمكانية استمرارها، وإن كانت بالفعل قادرة على الخروج بالخليج من الأزمة.
من جانبه، قلل الفقيه من قيمة الجهود الكويتية، معتبرا إياها بـ"الضعيفة"، وعلل ذلك بعدم امتلاك الكويت، أي أوراق ضغط على السعودية والإمارات، قائلا إنها "تستشعر أنها في خطر، وتتخوف من الحصار".
وعن الجهود الأمريكية، اعتبرها أيضا أنها جهود غير جدية، عازيا ذلك إلى أن شخصية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لا تريد تغيير هذا الواقع "بسبب حساباته الشخصية مع المحمدين، ابن سلمان وابن زايد"، وفق قوله.
وأضاف أن ترامب يحاول أن يبدو بموقف الرامي لحل الأزمة، أمام المؤسسات والصحافة، ليقول بأن هناك جهودا أمريكية تبذل، ولكن الفقيه، قال إن "الحقيقة اتضحت من خلال إقالة وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، والتفاصيل التي وردت بعد ذلك، بأنه كان يتصرف بشكل شخصي، ولم يكن مدعوما من ترامب".
بدوره، اتهم الأكاديمي القطري، ترامب، بأنه "يسعى لابتزاز منطقة الخليج"، ويبقي الأزمة مفتوحة إلى أكبر مدى ممكن، مؤكدا بأن ترامب لو أراد حل المشكلة لحلها لكنه لا يريد.
وخلال الأزمة، تأرجحت مواقف الدول الغربية والعربية، فكانت في بدايتها، منددة وقلقة من الحصار من جانب الدول الغربية، وبحالة اصطفاف من جانب الدول العربية، التي أيد الكثير منها دول المقاطعة في البداية، حتى ظهر الملل منها مع استمرارها.
ضرر أم فائدة؟
ومن خلال قراءة تقيمية لأضرار الأزمة الخليجية على الأطراف جميعها، عدّ الفقيه أنها "محدودة"، مضيفا أن الأزمة حققت لقطر "فوائد كثيرة".
من جهته، أشار الهيل إلى أن الأضرار تمحورت بالعلاقات الجيوبولوجية والعلاقات الاجتماعية بين الخليجيين، إذ طال الترابط الاجتماعي بين قطر والسعودية والإمارات، رغم ما تعيشه مجتمعتها من مصاهرة.
مستقبل الأزمة
وعلى الرغم من طول مدة الأزمة المستمرة حتى اليوم، ذهب الفقيه إلى أن الأزمة ستراوح مكانها، ما لم يحصل حدث إقليمي كبير، أو تغيير في القيادة الأمريكية.
وأضح أن "كلا من ابن سلمان، وابن زايد، ينظران إلى الأمر على أنه مصيري"، مشيرا إلى أنهما "لن ينفكا عن حصارهما إلا بتغيير النظام القطري، أو بوجود متغير جديد".
واستبعد الأكاديمي القطري، أي حلحلة للأزمة الخليجية، بالأفق القريب، لافتا إلى أن قطر "لم تعد تهتم بالحصار".
وقال الهيل إنه على الرغم من توقعات استمرار الأزمة ، إلا أنه "كلما طالت أكثر، كلما أصبحت مفتوحة على خيارات أكثر".
التسلسل الزمني لفضيحة برويدي ونادر في قضية قطر (تفاعلي)