نشرت صحيفة "
لوموند" الفرنسية تقريرا
تحدثت فيه عن الضعف الذي بات يسيطر على دول الخليج في مواجهة
إيران لاسيما في ظل
الانقسام الذي يشهده
مجلس التعاون الخليجي.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته
"
عربي21"، إن الأزمة
القطرية قد ساهمت في تسريع تفكك مجلس التعاون
الخليجي، الذي يعد هيئة متعددة الأطراف من المفترض أن تثقل موازين قوى دول الخليج
في مواجهة إيران. وفي الوقت الذي من المنتظر أن يثبت فيه المجلس قدرته على توحيد
صفوف بلدان الخليج، تعمقت الانقسامات بين الدول الأعضاء.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد سنة من اندلاع
الأزمة بين قطر والتكتل الموالي للسعودية، وبعد إثارة انسحاب الولايات المتحدة من
الاتفاق النووي الإيراني التوتر مع طهران، يشهد هذا التحالف الإقليمي تشتتا واضحا.
وكان من الممكن للمشاحنات، التي أعقبت الأزمة القطرية واتسمت بتبادل الطرفين
لانتقادات لاذعة على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، أن تعلن عن نهاية
مجلس التعاون الخليجي.
وبينت الصحيفة أن التهديدات بضرب قطر، على
خلفية إمكانية امتلاكها لنظام الدفاع الجوي الروسي إس-400، خير دليل على التوتر
الذي تعيش على وقعه السواحل العربية في منطقة الخليج. وتجدر الإشارة إلى أن الملك
السعودي بن سلمان نوه إلى موضوع هذه التهديدات في رسالة إلى قصر الإليزيه، كشفت
عنها صحيفة لوموند في غرة يونيو/ حزيران.
وذكرت الصحيفة أن تصريح وزير الدفاع القطري،
خالد العطية، الذي أدلى به في الثالث من يونيو/ حزيران زاد من حدة الخلافات بين
هذه الدول النفطية. وقد أشار العطية إلى رفض بلاده الانجراف وراء حرب ضد إيران،
الأمر الذي يشكل انتقادا ضمنيا لموقف المملكة العربية السعودية والإمارات.
ونقلت الصحيفة عن ماجد الأنصاري، رئيس قسم
التحليل السياسي في جامعة قطر أن "الحصار المفروض على دولة قطر قد وضع حدا
لطموحات توحيد دول الخليج". وأضاف الأنصاري أن "الإرادة السياسية لصالح
هذا المشروع كانت ضعيفة بالفعل، لكنها اختفت تماما الآن. كما أنه ليس لقطر أو عمان
أو الكويت أي مصلحة في الانضمام إلى اتحاد تحتكر المملكة العربية السعودية قيادته".
والجدير بالذكر أن مجلس التعاون الخليجي تأسس
سنة 1981، كردة فعل على الثورة الإسلامية الإيرانية لسنة 1979. وفي مواجهة المملكة
العربية السعودية، التي أعلنت نفسها قائدة للعالم السني، تقف إيران الشيعية التي
تقودها الطموحات الإقليمية. وتنضوي إمارات شبه الجزيرة العربية، أيتام الوصاية
البريطانية، تحت لواء الرياض. ويقوم العقد الأساسي لمجلس التعاون الخليجي على
اعتراف هذه الإمارات بتفوق السعودية، مقابل الحصول على ضمان حماية من طرفها.
ونوهت الصحيفة بأنه، بعد عشر سنوات من إنشائه،
واجه المجلس أول اختبار له إلا أن النتائج كانت مخيبة للآمال. فقد كانت الرياض
شاهدة دون أن تحرك ساكنا على غزو الكويت من قبل القوات العراقية، التي سيتم طردها
من طرف تحالف قادته الولايات المتحدة. وفي تلك الفترة، أدركت دول الخليج أنه يجب
عليها أن تعهد بمسألة حماية أمنها إلى الغرب، وقد بدأ التقارب بين الطرفين خلال
التسعينيات.
وأوردت الصحيفة أنه على الصعيد الاقتصادي، حقق
مجلس التعاون الخليجي بعض النجاحات، حيث تم اتباع سياسة تهدف إلى تحرير تنقل
الأشخاص والبضائع ورؤوس الأموال خلال السنوات الأولى من القرن الحالي. ويسمح
لمواطني الدول الأعضاء بالإقامة والعمل والاستثمار في أي بلد خليجي يختارونه. كما
تستفيد الدول الفقيرة، على غرار عمان واليمن، من مساعدة البلدان الغنية، التي
تُمول العديد من مشاريع البنية التحتية.
وأفادت الصحيفة بأنه ظهر نظام جديد في المنطقة
بسبب الأزمة الخليجية. وقد برز قطب ذو طموحات مهيمنة، يضم كلا من أبوظبي والرياض
والمنامة؛ توحد بينهم عقيدة المحافظين الجدد، فضلا عن أنها مقربة من إسرائيل.
وتتبع دبي كل الخطوات الإماراتية سواء كانت تصب في صالحها أم لا. وعلى الرغم من
أنها أكبر المتضررين من هذه الأزمة، ذلك أن ميناء جبل علي قد خسر كل المداخيل التي
كان يحصدها من الشحنات الموجهة إلى قطر، إلا أنه من غير الممكن لثاني أهم إمارة في
البلاد الاعتراض بسبب تأثير أبوظبي على اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأوضحت الصحيفة أن قطر، الإمارة التي تمكنت من
التطور في فترة وجيزة وقررت التقرب من إيران وتركيا، تقف على الجانب الآخر من هذه
المواجهة. ويوجد بين هذين القطبين دولتان خليجيتان "محايدتان" هما
الكويت وعمان. وكلاهما يخشيان إثارة غضب الطرفين المهيمنين على منطقة الخليج، خاصة
وأن حاكميهما متقدمان في السن، ومن الممكن أن تشهدا قريبا مرحلة انتقالية،
ستعرضهما للعديد من الضغوط.
وفي الختام، قالت الصحيفة إنه من المتوقع أن
تتواصل الوضعية المتأزمة التي تعيش على وقعها دول الخليج. وفي حين لا يُسارع أحد
لإنقاذ هذه الهيئة، لم يُبادر أي طرف من الأطراف المتدخلة في الأزمة بإعلان نهاية
مجلس التعاون الخليجي. وكلما طالت المواجهة بين أعضائه، ازدادت صعوبة إحياء هذه
المنظمة، التي أصبحت الآن تعيش حالة من الموت السريري.