نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا، أعده مراسلها باتريك كوكبيرن، يقول فيه إن قبيلة بونمر العراقية لا تزال تعيش حالة خوف دائم من عودة تنظيم الدولة.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن حامد عفطان الحماد، وهو أحد أبناء عشيرة البونمر في بلدة هيت غربي العراق، قوله: "في الليل نستلقي على سطوح منازلنا، وبنادقنا في أيدينا بانتظار هجوم جديد"، حيث يخشى عودة تنظيم الدولة، الذي قتل 864 شخصا من أبناء العشيرة عندما سيطر على المنطقة، التي تقع على بعد مئات الأميال من العاصمة بغداد وسط مدينة الأنبار المترامية الأطراف في غرب العراق.
ويقول كوكبيرن إن الحماد أشار إلى منطقة مفتوحة بين أشجار النخيل على جانب نهر الفرات التي تفصل هيت، وقال: "هناك قتلوا 45 من أبناء عشيرتنا"، متحدثا عن أبناء عائلته الذين قتلهم التنظيم، بمن فيهم اثنان من أبناء عمه تم إعدامهما في الساحة الرئيسية للمدينة، بالإضافة إلى عمين حاولا الهروب عبر الصحراء، لكنهما اختفيا، ويعدان من المفقودين، ويعتقد أن التنظيم ألقى القبض عليهما وقتلهما.
وتفيد الصحيفة بأن ملاحقة عشيرة البونمر السنية المؤيدة للحكومة تعد قاسية وبأنها جرائم إبادة مقارنة مع جرائم تنظيم الدولة، حيث وصف المدرس صالا سيغور عمر النمر، الذي عاش في الأشهر الأخيرة من مقاومة عشيرته، كيف حفروا الخنادق، ووضعوا السواتر الرملية؛ في محاولة للدفاع عن أنفسهم، لكنها لم تكن كافية.
ويشير التقرير إلى أن القبيلة واجهت آلافا من مقاتلي التنظيم، وعندما انهارت المقاومة في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، فإن من لم يكن سريعا في الهرب واجه الذبح، حيث يقول النمر: "لقد ذبحوا الكثير من الكبار والعجزة والأطفال، ولم تنج الحيوانات في مزارعنا".
ويستدرك الكاتب بأنه رغم غياب العنف اليوم في هيت، التي يعيش فيها 90 ألف نسمة، إلا أن الحقد والخوف اللذين ولداه حكم تنظيم الدولة الوحشي لا يزال يقسم الناس، ويقول الصحافي المحلي برهان خليل: "لا يزال الانقسام موجودا بين العائلات الموالية لتنظيم الدولة وتلك المعارضة له".
وتقول الصحيفة إنه ربما كان هناك مقاتلون أجانب شاركوا في القتال، إلا أن غالبية المشاركين كانوا من السكان والجيران، الذين جاوروا القتلى لوقت طويل، حيث يقول خليل إن العائلات التي هدم تنظيم الدولة بيوتها نظرا لولائها الحكومي، سيطرت، وبموافقة رسمية، على بيوت داعمي تنظيم الدولة الذين فروا، مشيرة إلى أن هذا سبب من أسباب الغضب والانقسام.
وبحسب التقرير، فإنه يتم الإعلان عن تغير الملكية من خلال رسالة تكتب على الجدار الخارجي للبيت، فكتب في إحدى الرسائل على باب بيت في وسط هيت: "هذا بيت إرهابي هارب يسكنه الآن فؤاد وأخوه".
ويلفت كوكبيرن إلى أنه في داخل البيت، الذي يبدو واسعا ومحافظا عليه يعيش هيثم النمر، العامل في قوات الأمن الحكومية مع شقيقه فؤاد منذ عام، ويقول: "لقد تم تدمير بيتنا بالكامل"، وينكر النمر معرفته بسكان البيت الذي يعيش فيه، قائلا: "لقد فروا منذ وقت طويل وقبل أن نأتي إلى هنا"، وعلى ما يبدو فهو ليس قلقا من محاولة أصحاب البيت الأصليين العودة إليه، أو قيام التنظيم بهجوم جديد على هيت، إلا أن البعض الآخر ليس متفائلا.
ويقول حامد عفطان الحماد الذي قابله الكاتب، وهو يحاول عبور النهر على متن قارب، بسبب تدمير الجسر، إن عائلات تنظيم الدولة التي كان أبناؤها مقاتلين وعادوا لا تزال تدعم أبناءها.
وتذكر الصحيفة أن "الحكومة تحاول نزع فتيل التوتر وما حدث للعائلات من خلال سجل للمتعاطفين مع تنظيم الدولة، لكن دون نجاح، وهذا واضح في هيت، التي تعتقد عائلة البونمر أنها خسرت حوالي ألف من أبنائها، بالإضافة إلى العدد ذاته من المفقودين، الذين قتلوا في الصحراء، أو رميت جثثهم في الآبار".
وينوه التقرير إلى أن الحماد يشعر بالغضب بعدما تم طرد شقيقين له من بيت سكنا فيه، ويعيشان الآن في الخيام، بعد أن عادت العائلة المتهمة بدعم تنظيم الدولة إليه، ويقول إنهما يستحقان أكثر من الحكومة التي قاتلا من أجلها، ويضيف: "واحد من أشقائي أصبح بذراع مشلولة، وفقد 3 من أصابعه بعدما أطلق النار عليه قناص تابع للتنظيم".
ويتساءل الكاتب قائلا: "ما سبب حرص تنظيم الدولة على إبادة عائلة بعينها؟ بالتأكيد كان التنظيم يريد إظهار أن أي مقاومة لحكمه سيكون مصيرها العقاب، وكانت عشيرة البونمر هدفا؛ نظرا لانضمام أبنائها إلى قوات الأمن والجيش بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وفعلوا هذا في وقت كانت فيه القبائل السنية وسط مقاومة شرسة ضد الاحتلال الأمريكي، والحكومة التي يتسيدها الشيعة في بغداد، وفي الوقت الذي لقن فيه تنظيم الدولة البونمر درسا كانوا قد عزلوا وحوصروا".
وتورد الصحيفة نقلا عن الشيخ نعيم القعود، وهو واحد من شيوخ البونمر، قوله عندما سئل عن سبب انتصار تنظيم الدولة عام 2015: "السبب الرئيسي أن نسبة 90% من عشائر الأنبار تعاونت أو انضمت للتنظيم إلا نحن".
ويبين التقرير أنه عندما سيطر التنظيم على الموصل، وتفكك الجيش العراقي، فإن المقاتلين استطاعوا الحصول على أسلحة ثقيلة خلفها وراءه الجيش، لافتا إلى أن قادة البونمر يقولون إنهم ناشدوا الحكومة العراقية والأمريكيين الدعم أو القيام بغارات، إلا أنهم لم يتلقوا أي رد.
ويلفت كوكبيرن إلى أن الأثرياء في هيت استطاعوا الهروب، أما من لم تتوفر لهم الوسائل فبقوا وعانوا من حكم تنظيم الدولة، ويعتقدون أن وحشية التنظيم وجرائمه كانتا سببا في خسارته الدعم الشعبي.
ويقول خليل للصحيفة إن الجميع في الأنبار سيواجهون التنظيم اليوم لا البونمر فقط؛ "لأن تنظيم الدولة يعد كل من في مناطق سيطرة الحكومة، وهي مناطق العراق كلها تقريبا، كفرة ويجب قتلهم، ولا أحد يريد عودتهم".
ويستدرك التقرير بأن تنظيم الدولة حركة عسكرية لم تهتم أبدا بالشعبية، وحاولت نشر عقيدتها من خلال القوة، فالإرهاب الذي ألهمته لا يزال حيا في عدد من مظاهر القتل والاختطاف، التي تردد صداها في العراق.
وينقل الكاتب عن سكان هيت، قولهم إن الجيش العراقي غير طائفي، لكنهم يعرفون أن العرب السنة يتم التعامل معهم بشك، مشيرا إلى قول مصدر: "كلما غادرت الأنبار وأظهرت بطاقتي على نقطة التفتيش يتم احتجازي لساعات".
وتنوه الصحيفة إلى أن "مدن السنة في الأنبار عانت دمارا كبيرا، خاصة الفلوجة والرمادي والموصل، وربما تم إصلاح الجسر الذي يربط هيت، إلا أن الدمار الذي أصاب الرمادي كان أكثر مما أصاب هيت، حيث تنتشر تلال من أنقاض البيوت والمدارس".
وبحسب التقرير، فإن أسعار البيوت انخفضت لنصف ما كانت عليه قبل حكم تنظيم الدولة، إلا أن بيوتا جديدة تظهر في أماكن أخرى، فيما شوهدت الجرافات وأدوات البناء تقوم بتنظيف الأنقاض.
وتختم "إندبتدنت" تقريرها بالإشارة إلى أن آثار الدمار تختفي بطريقة سريعة، لكن الإرث الذي تركه التنظيم من الكراهية لا يزال حاضرا.
أتلانتك: هذا شرط نجاح الديمقراطية العربية
نيويورك تايمز: هكذا كان تنظيم الدولة يحاكم مرتكبي الجنح
بولتيكو: لماذا تريد أمريكا رمي سجين أمريكي سعودي بالشارع؟