خفضوا الأسعار الآن!
كان ذلك الأمر الصادر عن دونالد ترمب لمحمياته في الخليج في تدوينة مهينة أشار فيها إلى أن "منظمة الأوبك تدفع الأسعار إلى الارتفاع بينما تدافع الولايات المتحدة عن كثير من أعضائها مقابل القليل جدا من الدولارات" قبل أن يختم بالأمر الناجز "هذا يجب أن يكون طريقا في اتجاهين.. خفضوا الأسعار الآن!". تغريدة ترمب سبقها حديث عن موافقة الملك سلمان على طلب الأخير زيادة الإنتاج السعودي لتعويض النقص المحتمل في السوق، النتيجة الطبيعية لعودة العقوبات وتشديدها على إيران. الخلاصة أن المعادلة اليوم صارت ثنائية النفط مقابلا للحماية بعد أن جربنا في المنطقة معادلة النقط مقابل الغذاء، وقبلها معادلة استخدام النفط سلاحا لمقاطعة الدول المساندة للكيان الصهيوني في السنوات الأولى من سبعينيات القرن الماضي.
التاريخ يؤكد أن استخدام النفط سلاحا ضاغطا رفع الأسعار أربعة أضعاف، وسمح للدول الخليجية بتحقيق "طفرة" مالية انتهت إلى لا شيء تقريبا غير تكريس مظاهر الاستهلاك والاتكال على الآخر في تأمين الغذاء والشراب وبعض من كماليات الحياة وتشييد الأبراج. أما في التسعينيات وبداية الألفية الثانية، فقد انتهت بنا ثنائية النفط مقابل الغداء، في دول يفترض أنها تملك جيوشا لحمايتها من العدوان الخارجي، إلى انهيار دول كاملة سقطت في فخاخ الغزو المباشر والانتداب الجديد. ويبقى السؤال: كيف المصير اليوم، في زمن أسماه عبد الخالق عبد الله ب"لحظة الخليج" يتسول خلالها عبد الفتاح السيسي، كناية عن بقية العرب، تحت أقدام حكام دول لا يملكون من أمر حماية بلدانهم غير القواعد العسكرية الأجنبية وتغريدات الرئيس دونالد ترمب؟
على يخت فاخر يجتمع الأمير مشعل السبيعي باثنين من الشخصيات أحدهما صاحب مكتب المحاماة وايتنغ، المكلف بإنجاح صفقة دمج الشركة البترولية الأمريكية الكبرى كونكس بالشركة الأوزبكية كيلين فيما اعتبر واحدة من أكبر عمليات الدمج، الكفيلة بسيطرة الأمريكان على سوق النفط العالمي في مواجهة تراجعهم في السوق الخليجية، في فيلم (سيريانا – 2005) للمخرج ستيفن غاغان. دين وايتنغ ليس مجرد محامي بل طرفا أساسيا في جماعات الضغط المساندة لشركات البترول الأمريكية على المستويين المحلي والدولي.
الأمير مشعل السبيعي: منذ سنوات توصلت بهديتَي التخرج والميلاد في الآن ذاته. كان ذلك قبل انهائي للدراسة في أوكسفورد. راهنت والدتي في سباق خيول وفازت في نفس يوم تخرجي وهو ما رفع قيمة إرثي العائلي. هذا أكبر من أية هدية يمكن لأحد منكما منحها لي.
مدعو: لا يمكن للرأسمالية الاستمرار دون تبذير. كلنا ممتنون للسيد وايتنغ وللولايات المتحدة الأمريكية لنجاحها في إنتاج ربع المخلفات العالمية.
دين وايتنغ: لا داعي للشكر (ثم يوجه كلامه للأمير) أيها الأمير، هل تحتاج إلى أي شيء؟
الأمير مشعل السبيعي: الأمريكيون على استعداد دائم لحفر الثقوب في بلدان العالم الأخرى. أعرف من تكون سيد وايتنغ. أنت مجرد بيدق في خدمة الأمراء السعوديين.
دين وايتنغ: أعرف شقيقك وزير الخارجية، وهو شخص ذكي بالمناسبة. أعرف والدك أيضا وبالنظر إلى ما أعرف أعتقد أنك بحاجة لسماع نصائح البيدق. أنت الابن الأصغر لوالدك وتعيش في ظل عائلتك لدرجة العجز عن تحديد احتياجاتك. طفل كبير مدلل يخاف من أخيه وربما يحلم بأن يصير ملكا. أليس كذلك؟ هل أنت الملك أيها الأمير؟ وهل باستطاعتك تحديد ما تسعى إليه بالضبط؟
تذكية الصراعات الداخلية داخل العوائل الحاكمة، وزرع الفتن بين أبنائها وأجنحتها والبحث عن الحلقات الأضعف فيها والنفخ في طموحاتها مقابل ضمان الولاء التام للقوى العظمى كان دوما الطريق الأسهل للسيطرة على مقدرات المنطقة وثرواتها.
الأمير مشعل السبيعي، مجرد مثال تحول إلى بالفعل إلى ملك بديلا لأخيه، الذي صار بسبب طموحاته في التحرر من التبعية لأمريكا إلى مجرد شيوعي يفتح الأسواق أمام الصينيين وإرهابي يدعم المنظمات الجهادية في العالم، والهدف حماية مصالح الشركات البترولية العالمية والأمريكية بالتحديد. وفي الوقت الذي كان فيه عسكري أمريكي بسيط يضغط على زر لاغتيال الأخ الأكبر بصاروخ موجه، كان الأمير مشعل يتوج على عرش بلاده بعيدا هناك في اجتماع سنوي لشركات البترول الرأسمالية بعد أن ضمنت عودتها للسيطرة على نفط الخليج.
على أرض الواقع رأينا كيف صار الإهانة وتعمدها سبيلا ينتهجه الرئيس الأمريكي في تعامله مع أولياء العهود المرشحين للحكم في المنطقة حيث لا يمل من تكرار "فضل" بلاده في حماية العروش ولا يخجل من طلب المقابل المادي على الملأ وأمام كاميرات تؤرخ لمعالم أساسية من "لحظة الخليج".
كان الحظر النفطي الذي فرضته الدول العربية المنتجة للنفط بزعامة المملكة العربية السعودية لحظة فارقة في العلاقات العربية الأمريكية/الغربية، لدرجة التفكير في الاحتلال المباشر لإمارات الخليج ضمانا لتدفق الإمدادات. بعد عقود، نجحت أمريكا في إعادة احتلال المنطقة العربية بالغزو أو التخويف من الخطر الإيراني أو تنصيب الحكام التابعين والطامعين. وبعد أن كان النفط سلاحا في مواجهة "الاستعمار" تحول اليوم لمجرد ثروة مهدرة للمضاربة تحت إمرة رئيس أمريكي، تحول مع الواقع للرئيس الفعلي للأوبك، يوجهها كيفما شاء ووفق أهواء السياسات الداخلية والخارجية الأمريكية. أما "القائمون" على الآبار فلا بديل لهم غير طاعة الأوامر تنفيذها ولو كانت ضدا على المصالح الاقتصادية ل"شعوبهم".
يقول عبد الخالق عبد الله أنه زمن الخليج أو لحظته وهو إن كان زمنا فهو زمن هدر "أضغاث" الكرامة العربية والانبطاح الفردي والجماعي فوق الطاولة، بعد أن كانت لدى "قادة" الأزمنة الأخرى بعض من حياء، وربما عزة نفس، منعتهم من الرقص في حفلات التعري المفتوحة للعموم.
تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى... إيلي بعده!