انتهت بطولة كأس العالم الحادية والعشرون في روسيا منذ أيام، وحصلت فرنسا على الكأس. وفي يوم ختام البطولة تم الاحتفال بتسليم قطر شعار البطولة القادمة، والتي من المفترض أن تقام في الدوحة عام 2022. وتحدث أمير قطر في كلمته خلال الاحتفال، وأكد (كما أكد والده الشيخ حمد بن خليفة عند الإعلان عن فوز قطر بتنظيم كاس العالم 2022) أن قطر تمثل العرب كلهم في هذه الاحتفالية العالمية.
وفي الحقيقة، فإن هذا التصريح يدعو للتساؤل: هل فعلا تعتقد قطر أنها تمثل كل العرب في هذه البطولة؟ هي حاليا لا أعتقد أنها تمثل محيطها الخليجي، وذلك كما نشاهد أن غالبية منطقة الخليج من العرب يحاصرون قطر، كما تقول، أو على الأقل فإن العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، وحتى الاجتماعية وحتى الأسرية، بين قطر وغالبية محيطها الخليجي مقطوعة وغير طبيعية، ناهيك عن علاقاتها ببعض الدول العربية الأخرى التي سارت على نهج الدول الخليجية التي قاطعت قطر وقامت بتحجيم العلاقات مع قطر. من هنا، فإن العرب مقبلون على أن يقدموا للعالم شكلا جديدا للعلاقات بين الدول الحدودية مع بعضها البعض. فنجد أن القادم إلى قطر لن يستطيع أن يمر عبر الأجواء السعودية أو الإماراتية، وهي الأقرب، ويجب أن يمر عبر الأجواء الإيرانية. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وتدور في كواليس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) أحاديث ومناقشات عن زيادة أعداد الدول المشاركة في كأس العالم القادم، لتكون 48 فريقا بدلا من 32 فريقا، بحيث يعطي فرصه أكبر لعدد من دول العالم، وخصوصا في آسيا وأفريقيا، للمشاركة في هذا المونديال العالمي. فهل تستطيع قطر تنظيم البطولة لهذا العدد الكبير من الفرق بمفردها؟ وهل لديها الاستعدادات لاستقبال المشجعين للفرق والمنتخبات القومية؟ لقد تم توقع وصول مليون زائر للجمهورية الروسية مع بطولة كاس العالم 2018، وعدد الفرق 32 فريقا، فإذا زاد عدد الفرق إلى 48، فإنه من الطبيعي زيادة عدد الضيوف من مشجعين وزائرين إلى مليون ونصف زائر خلال فترة المباريات، والتي قد تكون لمدة بين شهر إلى شهر ونصف، لإضافة دور جديد قد يسمى دور الـ48.
وحسب التقديرات الأخيرة، فقد وصل عدد السكان في قطر إلى 2.5 مليون، يشمل الوافدين والقطريين، كما يشمل كافة الأعمار. فإذا تمت زيادة عدد الفرق والمنتخبات إلى 48 دولة، فإن هذا يعنى أن تتوقع قطر أن يزورها خلال البطولة ما يزيد على نصف عدد السكان (القطريين وغير القطريين من كل الأعمار) خلال مدة شهر أو شهر ونصف. فهل ستستطيع قطر تقديم استضافة جيدة لهذه الإعداد الكبيرة في هذه الفترة القصيرة؟!
لقد حاولت الكثير من الجهات والشخصيات العمل على حل الأزمة الخليجية أو لحلحتها، أولها الكويت وأميرها الشيخ الصباح، وتركيا والرئيس أردوغان، والولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها، وحتى زيارة وزير الخارجية الأمريكي بومبيو لأبو ظبي، ودعوتها لحل الأزمة.. وكذلك ملك المغرب وغيرهم من القادة والزعماء في العالم. وللأسف، لم يتم حل الأزمة أو حتى التخفيف من حدتها، بل على العكس زادت نبرة الصراع والعداء بين الطرفين بشكل غير مسبوق. وأصبحت القنوات التي تتبعها الدول الخليجية المتصارعة تقوم بالتشهير بالطرف الآخر بكل دناءة وتناول الأعراض والمحرمات، بالإضافة إلى تصيد الأخطاء والتشهير بها من الطرفين وعلى الطرفين، دون الإحساس بأي مسؤولية أو مراعاة لأي أخلاق أو جيره أو عقيده. وإذا أردنا أن نمد الخط مستقيما على امتداده، لتوقعنا أن تستمر الأزمة الخليجية لسنوات قادمة في حال بقاء الشخصيات الأساسية في الأزمة ما تزال موجودة ونافذة. وقد تتصاعد الأزمة نتيجة تصرف من هنا أو من هناك، وكما ذكر الشيخ الصباح، فإنه كان من المخطط أن يكون هناك صراع عسكري بين الأشقاء العرب كما حدث في التسعينات، ولكن التدخل الأمريكي والتركي في الوقت المناسب منع هذا الانزلاق وحافظ على سلميتها ولكن إلى متى؟ لا أحد يدري!!
هنا يأتي دور الرياضة، وكما حدث عام 1972عندما مهدت الرياضة للعلاقات الصينية الأمريكية عن طريق فريق تنس الطاولة الأمريكي الذي زار الصين في نهاية عام 1971، وتم الاحتفاء به من جانب المسؤولين الصينيين، وعلى رأسهم الزعيم الصيني ماوتسي تونج، مع العلم بأنه لم تكن هناك علاقات، وأن الولايات المتحدة لم تكن معترفة بالصين، وكانت الصين الوطنية تايوان هي الممثل للشعب الصيني في الأمم المتحدة، وكانت عضوا دائما في مجلس الأمن. وبعد نجاح الزيارة الرياضية للصين بدأت العلاقات والمياه تجري بين الصين والولايات المتحدة، وقام الرئيس الأمريكي وقتها ريتشارد نيكسون بزيارة تاريخية للصين؛ خرج الشعب الصيني في استقباله لتأكيد الحفاوة به. وكان مهندس كل تلك الترتيبات هو هنري كيسنجر، مستشار نيكسون للأمن القومي وقتها ووزير الخارجية الأمريكية فيما بعد. وقد تم اختيار رياضة تنس الطاولة وقتها لأنها كانت الرياضة التي تجيدها الدولتين. وبعد الزيارة تمت إقامة العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، وأصبحت الصين الشعبية هي ممثل الشعب الصيني كعضو دائم في مجلس الأمن، وأطلق على هذه التجربة دبلوماسية البنج بونج.
فهل ستقوم الرياضة بدورها في الأزمة الخليجية وتنجح الفيفا في ما فشل فيه السياسيون والدبلوماسيون وتقوم بإقناع قطر بأن تشاركها في استضافة كاس العالم عدد من الدول الخليجية المحيطة بها، من أجل زيادة إعداد المنتخبات المشاركة في المونديال القطري 2022 إلى 48 فريق، وبالتالي يزداد عدد السائحين والزوار للمنطقة، ويكون الوفاق بين الإخوة هو النمط السائد في الخليج. وفي نفس الوقت تقوم الفيفا بإقناع الدول الخليجية المختلفة مع قطر بالمشاركة في البطولة، من خلال المساهمة في استضافة بعض مباريات البطولة على أراضيها، وفتح حدودها وأجوائها للمشاركين في المونديال، وأتصور أنه يمكن أن يشارك عدد من منتخبات الدول الخليجية في البطولة دون تصفيات، مع الموافقة على زيادة عدد الفرق إلى 48. ولا أعتقد أن هناك مشكلة في قيام الدول الخليجية، مثل السعودية والإمارات أو الكويت، بإعداد ملاعب صالحة لاستضافة مباريات البطولة في الفترة المتبقية على افتتاح المونديال. وبالتالي، من الممكن أن نرى - مثلا - مباراة الافتتاح في الرياض والدور قبل النهائي في الكويت والمباراة النهائية في الدوحة. وهنا سيصبح المونديال الخليجي 2022 ذكرى لا تنسي؛ لأنه سيكون أو بطوله يستضيف هذا العدد من المشاركين.
والله المستعان وهو يهدي السبيل.
لماذا شعر المصريون بخيبة الأمل من كرة القدم ؟