لا أظن أن أحدا يعرف هوية الشخص الذي ظهر في صورة ما، وهو يجلس على فراش ملكي ما، في أحد القصور الملكية بعد انقلاب تموز/ يوليو 1952.
الرجل كانت تبدو عليه علامات البهجة المحسوبة، وكان يستخدم هاتفا موضوعا بجانب الفراش، ويرتدي جلبابا، وتحت الصورة التي نشرتها مجلة آخر ساعة كُتب عنوان (الشعب يجلس على العرش).
لا أحد يعلم كيف وصل (الشعب) إلى فراش
الملك فاروق، وكيف تسرب من بين (الشعب) رجل راودته أمنية أن يجلس على فراش الملك فاروق، وأن يجري مكالمة من تليفون الملك السابق.
كيف قرر (فلاح وزوجته وابنه أن يذهبوا إلى قصر عابدين مع آخر ساعة)؟ لا أحد يعرف ولا أحد يعرف كيف استطاع الرجل الاتصال بآخر ساعة، وكيف تجاوزت آخر ساعة كل الإجراءات الأمنية المشددة التي لا ريب أنها ضُربت على قصر عابدين وغيره من القصور الملكية، في خضم الأحداث الكبيرة التي كانت تموج بها
مصر وقتها، من عزل للملك، وقرارات يصدرها الانقلاب، وإعلان جمهورية، وغير هذا كثير، لتحقق للرجل حلمه، وتجلسه على العرش كما كتبت.
اللطيف أن الشعب الذي جلس على العرش في عام 1952، أو بالأحرى الذي توهم أن الأمور آلت إليه، اختفى سنوات عدة منذ عام 1952 وحتى عام 1959، ولم يهتم أحد بالعثور عليه، ولكنه ظهر بالصدفة نائما تحت المنصة التي أقيم عليها احتفال ما كان يحضره
عبد الناصر.
ظهر الشعب الذي أمسك بهاتف الملك فاروق سنة 1952. وظهر في الصورة رجل قالوا إنهم عثروا عليه نائما تحت المنصة، وهو يجلس في استكانة أمام عبد الناصر الذي يمسك بيده بينما يحيط به اثنان من ضباط الجيش وعبد الناصر يخاطبه، ثم قام بمنحه وظيفة حسب ما جاء بالتعليق تحت الصورة.
وبالطبع لم يعلم من شاهدوا الصورة سنة 1959 كيف وصل الرجل إلى المنصة التي سيُقام عليها احتفال يحضره عبد الناصر وكل نظام حكمه.
هي التساؤلات ذاتها التي دارت في عقول البعض حين فوجئوا بالحاجة زينب تخترق كل إجراءات الأمن وتتوصل إلى مكان إقامة عسكري الانقلاب، رغم أنه شخصيا يتحاشى السير في الشارع، وكانت آخر مرة شوهد فيها في الشارع، في منطقة مجهولة من طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي، حين التقطوا له بعض الصور مع شخص كان مارا في الطريق الصحراوي !!
الحقيقة أنني لا أفهم الكيفية التي كانت تجعل هذه الصور تمر دون أسئلة، لكن ما يعنيني الآن هو كيف تبدل حال الشعب من الجلوس على العرش في سنة الانقلاب إلى أن ينام تحت منصة بعدها بست سنوات ليتعطف عليه عبد الناصر ويمنحه وظيفة ما.
ذلك الشعب الذي أوهموه أنه جلس على عرش البلاد، وجد نفسه فجأة في دوامة لا تنتهي من الوعود، وعود باكتشافات بترولية سخية، وعود بأن تكون مصر أغنى دول العالم، وعود بوكالة فضاء تنافس وكالات فضاء الدول الكبرى..
ثم وعود بتنمية سيناء أرض الفيروز، وبأن سيناء ستخضر في المستقبل (مطرح خطاويهم لأنهم سيروونها بعرقهم) كما تقول الأغنية الشهيرة، وعود عن توشكي (الأرض الخضراء) التي سيقدمونها (لمصر) هدية (حاجة جميلة ومعتبرة) كما تقول أغنية أخرى، وكلها وعود مستقبلية تتطلب أن تنتظر قليلا، ثم قليلا ثم قليلا، تنتظر رخاء مستقبليا لا يأتي أبدا إلا في أحلامك.
هي لعبة بجيدونها، وتحتاج لاعبين اثنين، أحدهما قادر على توليد الوعود الكاذبة بلا كلل، والآخر قادر على الانتظار.
انتظر، ففي المستقبل سعة لكل شيء، في المستقبل ستكون أغنى، وفي المستقبل سيكون كل ما تحلم به متوفرا. فقط عليك الانتظار بضع سنوات. الأمر لن يكلفك سوى أن تصبر مقدار عدة خطط خمسية.
فترات قليلة من الانتظار تحتملها في صمت، فترات تسلمك من انقلاب تموز/ يوليو 1952 إلى انقلاب حزيران/ يونيو 2013، فترات تنتظرها من مرحلة سفينة الفضاء المصرية حتى تصل إلى مرحلة وعود
السيسي الانقلابي بأن مصر (هتبقى قد الدنيا) وبعدها بسنوات تقرر فقط أن تتناول وجبة واحدة كما يطالبك عسكري الانقلاب.