اجتماع روما الذي أعقب حرب النفط في شهر حزيران/ يونيو الماضي، كشف عن تحول ظاهر في اتجاه السياسة الدولية حيال الأزمة الليبية، فقد كان الموقف واضحا وحاسما ضد قرار حفتر نقل تبعية الحقول والموانئ الواقعة في شرق البلاد إلى الحكومة المؤقتة التابعة للبرلمان، غير المعترف بها دوليا.
المعنيون بالشأن الليبي من محليين ودوليين تساءلوا، هل يشكل القرار مقاربة جديدة لواشنطن تجاه الملف الليبي، وأن حزما مماثلا سيدفع إلى كسر الجمود في العملية السياسية ويمهد لوفاق ينهي الانقسام.
والحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال ليس بالأمر اليسير، ذلك أن واشنطن اليوم في معركة كسر عظم مع قوى اقتصادية عظمى، كما أن همومها في المنطقة كبيرة، ولا تقف عند العراق وسوريا، بل تمتد إلى مساعي احتواء أطراف إقليمية متعنتة في مقدمتها إيران، وليس بعيد منها تركيا، وربما هذا ما يفسر بعض أسباب تفويض الولايات المتحدة إيطاليا في الملف الليبي مؤخرا.
أضف إلى ذلك الغموض الذي يكتنف شخص الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وخياراته التي يصعب معها البحث والربط والتوقع، فهي تجعل تقدير الموقف الأمريكي - بشكل دقيق - أمرا متعذرا.
لكن في بعض التطورات اللاحقة لاجتماع روما المذكور، ما يحمل على القول لإن الحكومة الأمريكية أظهرت اهتماما أكبر بالشأن الليبي، وهذا يعني أن تطورا مهما يمكن أن يقع لقدرة الأخيرة على دفع أطراف النزاع للتراجع عن تصلبهم.
من هذه التطورات، تعيين السفيرة السابقة لواشنطن في ليبيا نائبة لرئيس البعثة الأممية، ثم التفويض الأمريكي لروما في إدارة الملف الليبي كما سبق الإشارة.
فهذا بالقطع يشير إلى حضور أمريكي شبه مباشر قد يلقي بظلاله على الوضع ويشكل حافز للتقدم خطوات باتجاه الاتفاق.
في المقابل، ولأن التحول في الموقف الأمريكي تجاه ليبيا كان مؤثرا ويتبلور بشكل أو آخر في اتجاه المصلحة الايطالية، فقد دفع إلى تنشيط الدبلوماسية الفرنسية، فكان أن زار رئيسها ليبيا مؤخرا وطاف على أطراف النزاع للتأكيد على الأجندة الفرنسية التي تخالف الاتجاه الأمريكي الإيطالي.
ذلك أن اجتماع روما جاء استدراكا على اجتماع باريس ومبادرة ماكرون لإنهاء النزاع الليبي، أضف إلى ذلك النشاط الظاهر لستيفاني ويليامز منذ اليوم الأول لتوليها منصبها، ثم قرار التفويض الأمريكي، جميعها تشير إلى أن واشنطن وروما غير راضيتين عن الأجندة الفرنسية تجاه ليبيا.
ولم يكن أقوى من التدليل على التباين الحاد في المواقف، بين الموقف الايطالي (المدعوم أمريكيا)، والتوجه الفرنسي الباحث عن شريك دولي قوي كتصريح رئيس وزراء إيطاليا بأن روما لن ترضى بإجراء انتخابات عامة في ليبيا فيما تبقى من العام الحالي كما تخطط باريس.
ما جرى على الساحة الغربية (الأمريكية الأوروبية) يمكن أن يعد طبيعيا، فالمعروف تاريخيا أن الولايات المتحدة داعمة لمواقف إيطاليا بل هي إحدى محددات سياستها الخارجية، وأنها ليست على وفاق مع خطط باريس في محيطها الأوروبي وخارجه.
غير أن الإدارة الأمريكية تشهد وضعا جديدا غير تقليدي بزعامة ترامب يضعف التوقعات كما ذكرت آنفا، بالتالي، فإنه من الحكمة عدم القطع بشكل نهائي أن اتجاها أمريكيا مستقرا تجاه ليبيا قد تشكل، وأن الحليف لها في هذا الخصوص إيطاليا، وأنها على غير وفاق مع السياسة الفرنسية، بما في ذلك دعم خليفة حفتر.
أقول لا يمكن الجزم بأن التوجه الأمريكي الداعم لإيطاليا يقوم على مصادمة الخيارات الفرنسية، بما في ذلك دعم فرنسا لحفتر وجيشه، والأقرب القول إن الهدف هو منع باريس من الاستئثار به حليفا، ولجم طموحه حتى لا يجنح إلى مشاكسة واشنطن ورما بدعم فرنسي روسي.
أؤكد أنه لا دلائل أو مؤشرات على القول بأن تفويض واشنطن لروما ينطلق من فكرة إخراج حفتر من المشهد أو حتى تقويض نفوذه، وربما الأصوب هو القول إنه من باب سحب البساط من تحت باريس وموسكو وجر حفتر إلى الأجندة الأمريكية الإيطالية ودمجه في الوفاق في توازن يحرك القطار.
وسيكون الموقف الأمريكي متشددا تجاه حفتر، في حال انجر خلف أطماعه في السيطرة والتحكم في القرار بتشجيع فرنسي روسي، وظهر تحديه للتوجه الأمريكي الإيطالي.
الإخوان المسلمون والمسؤولية عما يقع في البلاد