أعلنت وزارة البيئة
المصرية طرح 30 محمية طبيعية للشركات المحلية والأجنبية بحق انتفاع حتى 10 سنوات، مشيرة لإعداد تشريع لإنشاء هيئة اقتصادية لإدارة المحميات، ما أثار المخاوف من تضرر بيئتها وإهدار حقوق المصريين فيها.
وتبلغ مساحة المحميات المصرية حوالي 150 ألف كيلو متر مربع (15 بالمئة من مساحة مصر)، وتتوزع بين الصحراء والجبال والبحر وبشمال وجنوب البلاد، وتتميز بطابعها التراثي والثقافي والتنوع البيولوجي والموارد الاقتصادية، وتزدان بالطيور والغزلان والثعالب والشعاب المرجانية والنباتات النادرة والآثار الدينية ومناطق الغطس، ويزورها 8 ملايين شخص سنويا، بحسب وزير البيئة السابق خالد فهمي.
وتتمثل بمحمية جبل علبة، والحدائق الوطنية، وجزر نهر النيل، وأراضي رطبة، وأبوجالوم، ومناظر طبيعية، وأشتوم الجميل وجزيرة تنيس، والأحراش، والغابة المتحجرة، والبرلس، والجزر الشمالية، والجلف الكبير، والحدائق الوطنية، والدبابية، والزرانيق والبردويل، والسلوم، والصحرا البيضة، والعميد، والواحات البحرية، ونيزك جبل كامل، ورأس محمد، وسالوجا وغزال، وسانت كاترين، وسيوة، وطابا، وقارون، وقبة الحسنة، وكهف وادى سنور، ونبق، ووادي الأسيوطي، والجمال، والريان، والعلاقى، ودجلة، والحيتان، ودهشور.
دور حكومي وتشريع برلماني
وفي نفس السياق يقوم البرلمان بدراسة الإطار التشريعي لطرح المحميات للاستثمار، عبر قانون إنشاء الهيئة الاقتصادية للمحميات، والذي يحول قطاع المحميات لهيئة مستقلة اقتصاديا.
وأقرت الحكومة في 27 كانون الثاني/يناير 2016، تأسيس شركة مساهمة للاستغلال الاقتصادي للمحميات، وقدمت وزارة البيئة، في نيسان/أبريل 2016، رؤيتها حول الشركات التي ستدير
المحميات الطبيعية عبر المزايدة بحق الانتفاع، أو خضوع المحميات لوزارة
الاستثمار، أو شراكة القطاع الخاص.
وفي شباط/فبراير الماضي، وعبر الملتقى الاقتصادي العربي الأول للسياحة البيئية والمحميات بمصر، قدمت القاهرة صورة أمام المستثمرين عن خطتها حول المحميات، وأعلن رجل الأعمال السعودي أحمد العبيكان، بالملتقى عن تأسيس شركة برأس مال مليار جنيه لتطوير محميات مصر.
ومن المقرر أن تعقد وزارة البيئة مؤتمر التنوع البيولوجي في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، بحضور 7 آلاف مدعو من 198 دولة.
واقع مؤلم
وتحدثت تقارير صحفية مصرية عن سيطرة البدو على أراض بالمحميات، ومحاولات رجال الأعمال الاستيلاء على بعض أراضيها، بجانب ما وُصف بـ"مافيا" سرقة الأحجار الكريمة وبيعها للأجانب، فيما أثبت تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات منتصف 2015 وحتى منتصف 2016، وجود إهدار مال بالمحميات الطبيعية، بينها 89 مليون جنيه سنويا بمحمية "وادي دجلة".
وكشف الصحفي عصام كامل، في تشرين الأول/أكتوبر 2016، أن هيئة التنمية السياحية منحت المستثمر السعودى عبد الرحمن الشربتلي، حق انتفاع سنوي بشاطئ طوله كيلو مترا وعمقه 200 متر بمحمية نبق لمدة ربع قرن، بـ 9 جنيهات للمتر.
تلك الوقائع دفعت عضو البرلمان شيرين فراج، لتقديم استجواب بالبرلمان حول الفساد بالمحميات في نيسان/أبريل 2017، بطرح بعض أراضي محمية "الغابة المتحجرة" للأفراد، والتعدي على محمية "نبق" و"سانت كاترين"، متهمة الوزارة بتعديل حدود المحميات وبيعها.
أتمنى أن أكون مخطئا
الباحث في الهندسة البيئية ومعالجة المياه، عمر الحداد، يرى أن وزيرة البيئة الجديدة بقرارها تحاول لفت انتباه السيسي، وأضاف أنه من المفروض أن يكون هدف أي استثمار بالمحميات الطبيعية هو الحفاظ على البيئة والكائنات الحية داخلها، وأن يكون أي مشروع يتم الصرف عليه بهدف جذب السائحين للمحميات.
الحداد، قال لـ"
عربي21"، إن خبر طرح المحميات بموقع "الشروق" المحلي، ذكر كلمة "التأكد من عدم الإضرار" بالمحميات, موضحا أن هذا يعني فهم المسؤولين أن أي نشاط استثماري بالمحميات قد يسبب أضرارا بها.
وربط الباحث المصري، بين إعلان رجل أعمال سعودي عن تأسيس شركة مصرية عربية لتطوير المحميات بمصر برأسمال مليار جنيه، قبل 6 شهور، وبين إعلان الوزيرة طرح 30 محمية للمستثمرين، قائلا: "لأن المستثمر سعودي فلا حديث هنا عن الإضرار بالمحميات"، مضيفا: "هذا توقعي وأتمنى أن أكون مخطئا".
وأكد الحداد، أن "الفرق بين مصر وغيرها أنه في أمريكا مثلا تخضع المحميات الطبيعية لشركات، ولكن الشعب لديه وعي بيئي يمكنه من الحفاظ عليها، بجانب أن الحكومة بكثير من الأمور منها موضوع البيئة تكون حازمة". مضيفا: "ولو أن أي مهتم بالبيئة أبلغ أن محمية ما بها مخالفات يتم تغريم الشركة المستثمرة وحسابها".
وتابع: "بينما بمصر، لا يوجد خلفية بأهمية تلك المحميات، ولا الحكومة أساسا حريصة على البيئة". متسائلا: "هل تتوقع في ظروفنا تلك أن يكون غرض هذا الطرح حماية البيئة؟"، مبينا أنه واضح من كلام الوزيرة أن المستهدف من الأمر
بيع المحميات لأجانب، وأن قصة حق الانتفاع مجرد مقدمة.
وحول خطورة البيع للأجانب أكد الحداد، أنه ليس به مشكلة لو تم في ظل رقابة حكومية وشعبية قوية، قائلا: "على العكس فإن إدارة أجنبية ذات خبرة بإدارة المحميات الطبيعية ستفيد المحمية وتخافظ على البيئة وتحقق دخلا جيدا لمصر".
وأوضح أن "المشكلة أنه لا توجد لا رقابة حكومية ولا شعبية، والمستثمر العربي يعني غالبا بالأموال بغض النظر عن البيئة وحمايتها"، مؤكدا أنه "في ظل الضعف الحكومي المصري الحالي لا يوجد ما يضمن عدم مخالفة المستشثمرين أيا كانت جنسيتهم لقانون المحمية أو تدميرها".
مثل السنديك
الأكاديمي المصري نادر فرجاني، انتقد طرح المحميات على المستثمرين للانتفاع ثم للبيع من دون استبعاد الأجانب، وكتب عبر "فيسبوك"، "كمثل السنديك ( مصفي التركة)، وزراء الطاغية لن يتوقفوا قبل أن يُصفوا ثروات مصر"، مضيفا أن لفظ " محمية طبيعية" جُعل للدلالة على صيانتها على حالتها الأولى ككنز يغني الطبيعة ويثريها.