قال موقع "ميدل إيست آي" البريطاني إن الطائفة الدرزية في
إسرائيل باتت اليوم في حالة صدام مع حكومة بنيامين نتنياهو بعد إقرار قانون
القومية اليهودية على الرغم من التضحيات التي قدمتها منذ قيام دولة الاحتلال.
وأشار الموقع إلى أن حالة غضب غير مسبوقة باتت تسري في جسد الجالية
بعد إقرار القانون والذي بموجبه سيتحولون إلى جسم غريب رغم مشاركتهم في الأعمال
القتالية ضد الفلسطينيين وانخراطهم ضمن الجيش الإسرائيلي.
وفيما يلي النص الكامل لتقرير الصحفي جوناثان كوك:
باتت الجالية الدرزية الصغيرة في إسرائيل،
والتي طالما عرفت بولائها للدولة، في حالة صدام مع الحكومة اليمينية التي يترأسها
بنيامين نتنياهو، وذلك بخصوص قانون يضمن لليهود حقوق مواطنة يتفوقون بها على من
سواهم، حسبما يقول المحللون.
وكانت إسرائيل قد تعودت على الإشارة إلى
الدروز، وهم طائفة دينية باطنية يخدم رجالها في الجيش الإسرائيلي، كدليل على أن
غير اليهود يمكن لهم أن يزدهروا ويثروا داخل الدولة اليهودية.
إلا أن الأيام الأخيرة شهدت حالة غير مسبوقة من
الغضب داخل قطاعات كبيرة من الجالية الدرزية بشأن قانون الدولة القومية الذي أجازه
البرلمان الإسرائيلي الشهر الماضي.
ولقد تعرض التشريع الجديد للانتقاد على نطاق
واسع نظراً لأنه يمنح الأغلبية اليهودية وضعاً متميزاً بينما يسقط كل إشارة إلى
"الديمقراطية" أو "المساواة".
يقول أحد علماء الدروز، وهو رباح حلبي، إن رد
فعل جاليته كان شبيهاً بالانتفاضة المصغرة، في إشارة إلى الانتفاضة الفلسطينية ضد
الاحتلال الإسرائيلي. وأكد في تصريح لموقع ميدل إيست آي إن معظم أفراد الجالية
الدرزية في حالة من الصدمة، لأنهم ظنوا أنهم من خلال إثبات ولائهم سوف يعاملون
كمواطنين متساوين، إلا أنهم الآن يضطرون لإعادة التقييم وتقبل الرأي القائل بأن
نظرتهم السابقة كانت خاطئة.
وأضاف حلبي الذي ألف كتاباً حول الهوية
الدرزية: "لقد تبددت أوهامهم، ويبدو كما لو أن صحوة في صفوفهم قد بدأت، وهي
صحوة من شأنها أن تلحق الضرر بالطرفين."
المحتجون يطالبون بالمساواة
لقد أغضب القانون الجديد، الذي يتمتع بوضع أشبه
ما يكون بالمادة الدستورية، خُمس سكان (فلسطين التاريخية)، وهم من غير اليهود
الذين ينحدر معظمهم من سلالة الفلسطينيين الذين نجوا من حملة التطهير العرقي في
عام 1948. ثم ما لبثت هذه الأقلية الفلسطينية أن حصلت في نهاية المطاف على
المواطنة الإسرائيلية.
ولكن على النقيض مما عليه حال الجاليات المسلمة
والمسيحية، طالما عُرف أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل، والذين يبلغ تعدادهم
مائة وعشرين ألفاً، بولائهم للدولة ومشاركتهم في الخدمة العسكرية، وخاصة في المهام
القتالية داخل الأراضي المحتلة.
يشير زعماء الدروز بغضب شديد إلى التضحيات
الكبيرة التي قدمتها جاليتهم بما في ذلك ما يزيد عن 450 درزياً لقوا مصرعهم في
زيهم العسكري.
كما يتمتع الدروز بنفوذ في السياسة الإسرائيلية
يفوق حجمهم الحقيقي. فعلى الرغم من أنهم لا يشكلون سوى 1.5 بالمائة من تعداد سكان
إسرائيل إلا أن لديهم خمسة مشرعين في البرلمان الذي يتكون من 120 عضواً، وأربعة من
هؤلاء المشرعين أعضاء في التحالف الحاكم بقيادة نتنياهو.
والمثير في الأمر أن الشخص الذي يقود الحركة
الاحتجاجية هو جنرال درزي متقاعد حصل على العديد من الأوسمة يدعى أمل أسعد.
وقد تقدم المتحدثين في مهرجان خطابي نظم في تل
أبيب في وقت مبكر من هذا الشهر شارك فيه ما يقرب من ستين ألف درزي ويهودي إسرائيلي
من المتعاطفين معهم بما في ذلك العديد من كبار المسؤولين الأمنيين سابقاً.
طالب المحتجون بإبطال القانون الأساسي الجديد –
وهو واحد من مجموعة من القوانين تشكل معاً ما يشبه الدستور في إسرائيل – وتعديله
لضمان منح حقوق متساوية لجميع المواطنين.
ومن الشخصيات الدرزية البارزة الأخرى التي
شاركت في المهرجان الزعيم الروحي الشيخ موفق طريف الذي قال مخاطباً الجموع:
"رغم ولائنا المطلق إلا إن إسرائيل لا تعتبرنا مواطنين متساوين."
فما كان من الجمهور إلا أن هتف قائلاً:
"المساواة! المساواة!" ورفع المشاركون يافطات كتب عليها: "إذا كنا
إخوة فيجب أن نكون متساوين."
نتنياهو المصدوم
تقدم المشرعون الدروز وكذلك المنظمات القيادية
الفلسطينية كل على حدة باستدعاءات منفصلة لدى المحكمة العليا في إسرائيل مطالبين
بإبطال التشريع. ولكن لا يتوقع أن تبدأ المحكمة بالتداول في الموضوع حتى مطلع
العام القادم.
من جانبها، وصفت منظمة عدالة، وهي مجموعة حقوقية
تدافع عن حقوق الأقلية الفلسطينية، القانون بأن له نفس "مواصفات التمييز
العنصري (الأبارتيد)" وأشارت إلى أنه لا يوجد دستور آخر في العالم لا ينص على
حق المساواة لجميع المواطنين والمقيمين."
يبدو أن الاحتجاجات الدرزية صدمت نتنياهو
وأعضاء حكومته، وذلك على الرغم من أن القانون كان قيد البحث والنظر لما يقرب من
عقد من الزمن.
إلا أنه مع ذلك ظل مصراً على موقفه متمسكاً
برأيه، وحسب ما يقوله المحللون، يعتبر هذا القانون ركناً أساسياً في الجهود التي
يبذلها لكسب الانتخابات التي يتوقع أن تجري خلال الشهور القادمة، بينما يسعى
جاهداً للتقليل من أهمية التحقيقات المكثفة في تورطه بالفساد.
وفي مؤشر على مقاربته المتشددة، خرج نتنياهو
غاضباً من اجتماع عقد مؤخراً قبل المهرجان الخطابي عندما رفض الزعماء الدروز – بما
فيهم أسعد وطريف وعدد من رؤساء البلديات – تسوية تمنح الدروز بعض الامتيازات ولكن
تبقي القانون على ما هو عليه دون تعديل.
في تصريح لوسائل الإعلام الإسرائيلية بعد
المهرجان الذي شارك فيه، قال وهيب حبيش، عمدة بلدة درزية اسمها ياركا في الجليل:
"لسنا ممن يمكن شراؤهم ببعض الامتيازات والكلام المعسول حول تجسير الهوة."
أما أمل جمال، أستاذ العلوم السياسية في جامعة
تل أبيب وهو درزي يقيم في بلدة العمدة حبيش، فقال إن استراتيجية نتنياهو تهدف إلى
إشعال نار "الانقسامات الداخلية" في المجتمع الدرزي.
وقال في تصريح لموقع ميدل إيست آي متحدثاً عن
نتنياهو: "لا أراه ينوي التراجع. بل إنه يأمل في تجاهل الاحتجاجات والقول إنه
إذا كان الدروز غير قادرين على الاتفاق فيما بينهم فكيف لنا أن نجد حلاً؟"
طائفة دينية سرية
الدروز طائفة دينية سرية خرجت من الإسلام قبل ما يقرب من ألف عام،
وفي سبيل توفير الحماية لنفسها فقد اختارت اللجوء إلى المنطقة الجبلية من الشرق
الأوسط والتي توجد اليوم في مساحة موزعة بين إسرائيل وسوريا ولبنان والأردن.
يقول الدارسون لهذه الفرقة إنها فضلت تقليدياً،
ومن باب الحفاظ على وجودها، التحالف مع أي جهة تحظى بالنفوذ وتصل إلى السلطة.
ولذلك دعمت بعض المجتمعات الدرزية في الجليل
القوات الصهيونية خلال حرب عام 1948 إبان إقامة دولة إسرائيل على أنقاض وطن
الفلسطينيين. وبعد سنوات قليلة، وقعت القيادة الدرزية في إسرائيل ميثاقاً مع
الدولة وافقت بموجبه على أن ينخرط رجال الجالية الدرزية في الخدمة العسكرية لمدة
ثلاثة أعوام.
وبالمقابل اعترفت إسرائيل بالدروز كجماعة
"وطنية" بدلاً من طائفة دينية، وعزلتهم عن بقية الأقلية الفلسطينية.
ولكن مما عقد الصورة أن تجمعاً درزياً أصغر
بكثير وقع تحت الحكم الإسرائيلي في عام 1967 عندما احتلت إسرائيل مرتفعات الجولان
التي تشكل جزءاً من الأراضي السورية. بقي هؤلاء الدروز، الذين يصل تعدادهم إلى ما
يقرب من 25 ألف نسمة، إلى حد كبير موالين لسوريا ورفضوا المواطنة الإسرائيلية،
ولذلك فهم لا يخدمون في الجيش الإسرائيلي.
التعرض لغسيل الدماغ في المدارس
يقول جمال إن قطاعات من المجتمع الدرزي في
إسرائيل باتوا يتساءلون بشكل متزايد عما إذا كانوا قد تكبدوا ثمناً مضاعفاً مقابل
موافقتهم على الخدمة في الجيش الإسرائيلي.
ويضيف: "لم يقتصر الأمر على التمييز ضد
الدروز مثلهم في ذلك مثل باقي المواطنين العرب، ولكنهم أيضاً ضحوا بحياتهم في أرض
المعركة. عليك أن تنظر إلى الأمر على النحو التالي: الدروز ليسوا فقط مواطنين من
الدرجة الثانية، بل هم عرب من الدرجة الثانية."
وكجزء من الاتفاق، أدخلت إسرائيل نظام تعليم منفصلاً خاصاً بالدروز
في سبعينيات القرن العشرين، وقد صمم النظام التعليمي ليشجعهم على النظر إلى خدمتهم
العسكرية في الجيش الإسرائيلي كما لو كانت نوعاً من "ميثاق الدم" مع
الشعب اليهودي.
تقول داليا حلبي، وهي نفسها درزية وتحتل موقع
المدير التنفيذي في مركز للأبحاث في الناصرة اسمه "دراسات" إن نظام
تعليم الدروز كان يفرز أسوأ معدلات للنجاح في المدارس الثانوية، وما فعلته إسرائيل
بدلاً من تعليم الأطفال الدروز هو غسل أدمغتهم.
وأضافت: "يتعلم الدروز أن عليهم أن يخشوا
العرب الآخرين، ليس فقط جيرانهم في الجليل بل وفي المنطقة ككل. ويتم تشجيعهم على
الاعتقاد بأنهم بدون حماية الجيش الإسرائيلي سيكونون عرضة للخطر والعزلة."
حركة الرفض في تنام
طالما روج الدعاية الإسرائيلية للفكرة القائلة
بأن خدمة الدروز في الجيش الإسرائيلي دليل على أنه من الممكن للأقليات غير
اليهودية أن تندمج.
إلا أن المحللين الدروز الذين استطلع موقع ميدل
إيست آي آراءهم بهذا الشأن أشاروا إلى أن الجالية الدرزية عانت لسنوات طويلة من
انشقاق يزداد عمقاً يوماً بعد يوم حول مسألة الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي
وأن القانون الأساسي الجديد سلط الضوء على هذا الخلاف.
ولقد برزت خلال العقد الماضي بشكل واضح حركة
رفض في صفوف الشباب الدروز وارتفعت وتيرة الشكاوى بينهم من أن الحكومات
الإسرائيلية المتعاقبة أخفقت في الوفاء بوعودها بمنح الدروز حقوقاً متساوية.
وتشير داليا حلبي إلى أن المجتمعات الدرزية
بالعموم تعاني من نفس مستويات الاكتظاظ وضعف الموارد مثلها في ذلك مثل المجتمعات
الفلسطينية الأخرى، وتضيف: "لقد تم مصادرة ما يقرب من سبعين بالمائة من أراضي
الدروز من قبل الدولة، وذلك على الرغم من "ولاء" مجتمعاتنا لها، ولم
يحصل الدروز من الدولة على وضع أفضل من المجتمعات الفلسطينية الأخرى."
ويشير رباح حلبي، الذي يُدرس في الجامعة
العبرية بالقدس، إلى أن فقدان الأرض الزراعية جعل الدروز عالة على اقتصاد إسرائيل
ذي الطبيعة الأمنية والممتد في كل نواحي الحياة.
وقال إن أكثر من ربع الشباب الدروز يتم تجنيدهم
بعد الانتهاء من الخدمة العسكرية للعمل كحراس أمنيين أو سجانين أو في شرطة الحدود،
علماً بأن تلك الأخيرة هي عبارة عن قوة شبه عسكرية تعمل داخل إسرائيل وكذلك في
المناطق الفلسطينية المحتلة.
وأضاف: "ولذلك غدت الخدمة العسكرية
بالنسبة لقطاع كبير من الشباب الدروز السبيل الوحيد لضمان وظيفة، أي أنها باتت
بالنسبة لهم قضية اقتصادية."
ضباط في الجيش يستقيلون
فاقم القانون الأساسي الجديد من هذه التوترات
القائمة وذلك من خلال تكريسه للامتيازات التي يحصل عليها المواطنون اليهود في
العديد من مناحي الحياة، بما في ذلك حقوق الهجرة، وتملك الأراضي، وفيما يتعلق
بالإسكان والميزانيات. كما أنه يحط من قدر اللغة العربية وينزع عنها صفة اللغة
الرسمية التي كانت تتمتع بها.
وفي تحرك غير مسبوق بالنسبة لزعيم درزي، حذر
أسعد، الجنرال الذي يقود الاحتجاجات، عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أن القانون
الأساسي يهدد بوضع الأسس لنظام تمييز عنصري، ووصف الإجراء الذي اتخذته الحكومة
بأنه "شرير وعنصري".
كانت موجة الغضب الكبيرة جلية أيضاً خلال
احتفال نظم أخيراً لتقديم الجوائز حضره آفي ديختر، الرئيس السابق لجهاز المخابرات
الإسرائيلي المحلي المعروف باسم شين بيت وأحد مهندسي القانون. احتاج ديختر إلى
الحماية عندما واجهه المحتجون الدروز علانية ونددوا به معتبرين أنه
"خائن" و "نازي".
استقال عدد من ضباط الجيش الدروز وهدد آخرون
بالتوقف عن الخدمة، مما أثار مخاوف بحدوث عصيان جماعي.
رفض الزعماء الدروز حتى الآن التعاون مع اللجنة
الوزارية الخاصة التي شكلها نتنياهو للتقدم بحل للدروز وكذلك للجالية الشركسية الصغيرة ولقطاعات من البدو الذين
يقومون أيضاً بأداء الخدمة العسكرية.
وليس من المستبعد أن يتم اقتراح المزيد من
الامتيازات على المستوى الفردي للمواطنين الفلسطينيين الذين يخدمون في الجيش.
يقول جمال الذي يُدرس في الجامعة العبرية:
"هناك الكثير من الدروز الذي استثمروا فيما يسمى الآصرة التاريخية ولا يريدون
أن يفقدوا ما لديهم من وضع خاص. ولكنهم في نفس الوقت لا يستطيعون قبول ما يعرضه
عليهم نتنياهو من فوائد مقابل الخدمة في الجيش. لا يريدون أن يبدوا كما لو أنه تم
شراؤهم بالمال، كما لو كانوا مرتزقة."
لن نرحل من هنا
وما لم يتنازل أحد الطرفين عن موقفه، تبدو
الجالية الدرزية الآن متأهبة لصدام كبير مع الحكومة لأول مرة في تاريخ البلاد.
يشير استطلاع حديث للرأي إلى أن 58 بالمائة من
اليهود الإسرائيليين يدعمون القانون، مع أن عدداً مشابهاً من الناس عبروا عن
تعاطفهم مع الدروز وعن تفهمهم لما لديهم من مخاوف بهذا الشأن.
ولقد حذرت وزيرة العدل آياليت شاكيد من أن
زلزالاً قد يحصل في اليمين السياسي فيما لو تجرأت المحاكم على إبطال القانون.
في هذه الأثناء بدا نتنياهو أبعد ما يكون عن
الاستعداد لتقديم تنازلات، فبعد أن انتهى لقاؤه مع الزعماء الدروز إلى خلاف حاد،
ألمح المسؤولون في حكومته إلى أن الجنرال أسعد وأنصاره ليسوا أوفياء.
ونقلت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي
عن مصدر مقرب من نتنياهو فيما يبدو أنه إشارة إلى أسعد وأتباعه ما يلي: "كل
من لا يعجبه القانون الأساسي فليعلم أنه يوجد جالية درزية كبيرة في سوريا فليذهبوا
وليؤسسوا دولة درزستان هناك."
وتعليقاً على ذلك قالت داليا حلبي: "يسعر
نتنياهو السنة اللهب ظناً منه أن الدروز سيوافقونه في كل ما يقول. بات يعتقد بأننا
لا يوجد لنا خيار سوى أن ندين بالولاء."
إلا أن مانو أبو سلهة البالغ من العمر ثمانية
وخمسين عاماً والمنحدر من يرقا، والذي كان من بين الذين شاركوا في المظاهرة
الحاشدة في تل أبيب، صرح لموقع ميدل إيست آي بأن نتنياهو سيثبت له أنه مخطئ.
وقال: "لم نأت من سوريا. نحن نعيش في
أرضنا التاريخية ولن نغادرها إلى أي مكان آخر. نحن السكان الأصليون. يحسن بنتنياهو
أن يدرك بأننا باقون وأننا سنقاتل من أجل حقوقنا."