صحافة إسرائيلية

ما هي الذرائع الإسرائيلية لرفض التهدئة مع حماس؟

أوساط إسرائيلية تواصل تحريض قيادة الجيش لشن عدوان على غزة- جيتي

في الوقت الذي تتسارع فيه المباحثات الجارية في القاهرة حول التهدئة بين إسرائيل والمقاومة، دأبت القيادة العسكرية الإسرائيلية على عقد جلسات تقييم وضع بمشاركة ضباط الجيش والشاباك، خرجت منها بالاستعداد لأيام طويلة من القتال، في حال وجدت نفسها في أتون معركة ضارية.

 

وتبنت العديد من وسائل الإعلام العبرية في عناوينها الرئيسية الروايات المحرضة على التهدئة، والرافضة لها، وأطلق معلقوها السياسيون والعسكريون العنان لأقلامهم، ولم يتردد بعضهم بإسداء النصيحة للجيش عما ينبغي عليه فعله ضد غزة.

ورأت الصحفية "عنات جورجي" أن شبكات التواصل الاجتماعي تحولت ساحة للمعارك والسجال السياسي بين معسكري اليمين واليسار، وأشبه ببوق للتحريض الدموي على غزة، لأنها زخرت بتعليقات لمدنيين وقادة أحزاب ووزراء تدعو لتدمير غزة، وتفويض الجيش بمواصلة عملياته العسكرية فيها، وعدم الاستجابة لدعوات التهدئة.

وعلى غرار الاعتداءات السابقة، استقطب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، توافقا واسع النطاق في صفوف الرأي العام الإسرائيلي، ربما يعود لأسباب عدة، يذكر منها اعتبار العدوان على غزة إحدى "حروب اللاخيار"، لممارسة ضغوط على حماس، وجلبها إلى التهدئة وهي محطمة القدرات العسكرية،

بالإضافة إلى أن المراقب "لا يحتاج إلى عناء كبير كي يدرك أنه منذ انتهت الحرب السابقة على غزة عام 2014، ساد بين الإسرائيليين على كل المستويات، مناخ عام يوحي للقاصي والداني بأن حربا أخرى في الأفق شبه حتمية، بل مستحقة، غايتها الرئيسية استعادة قوة الردع، ومن غير المبالغة، القول إن هذا المناخ تحكم بهم في ضوء نتائج حرب 2014".

وحين قررت الحكومة سحب بعض القوات العسكرية من قطاع غزة أواخر حرب 2014، انخرط الإسرائيليون في جدل أخذ طابع الاصطفافات الحزبية حول القرار، إذ انتقده اليمين المتشدد، ودعا لتشديد العدوان، وانبرى وزراء ومحللون للدفاع عن القرار، الذي ووجه بسيل من التحليلات التي تمحورت حول كلمة "فشل".

وأعلن رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، عزمه تشكيل لجنة تحقيق في أداء الجيش، موجها اتهامات واضحة لجهاز الشاباك، ومن قبله للجيش، لفشلهم في عرض تقدير صحيح لقوة حماس، وحجم الأنفاق التي حفرتها في غزة.

وطغت على اجتماعات الطاقم الوزاري للشؤون الأمنية، الذي اتخذ قرار سحب القوات من القطاع، أجواء "خيبة الأمل"، لأن "نتنياهو" بحث صيغة يعلن فيها النصر، و"اضطر للوقوف، كيفما اتفق والإعلان أننا انتصرنا، أو أننا سننتصر في موعد ما، لكن هناك شك كبير إذا كان هو يؤمن بما يقوله، رغم سعيه لإظهار إنجاز للجيش، واعتبر أنه أزال التهديد الأكبر من غزة"، وهي شبكة الأنفاق.

وأقر وزير السياحة السابق "عوزي لانداو" بفشل الجيش في تحقيق أهداف العدوان على غزة، قائلا: "خسرنا معركة استراتيجية أمام القطاع، وتآكلت قوة ردع الجيش بشكل دراماتيكي، ووجه خلال 50 يوما ضربات جوية وبرية وبحرية، لكنه لم ينجح في معالجة حماس، لأن الحكومة ترددت في الحسم أمامها، وهذه الرسالة مدمرة بالنسبة لقوة الردع، لأن وقف إطلاق النار مع حماس يعني ضربة قاسية لقوة الردع".

وكدرس من مواجهات مشابهة سابقة، استغل الجيش الإسرائيلي منذ بداية المواجهات الأخيرة التأييد السياسي والجماهيري، لتحقيق أهداف أبرزها الوصول إلى وقف إطلاق نار مستقر يصمد على مدى الزمن، ويتحقق بتعزيز الردع حيال حماس، وكان الافتراض بأن الردع سيتحقق من خلال الفعل المتداخل لاعتراض الصواريخ التي تطلق نحو المراكز السكانية، بجانب الإحباط الناجح لعملياتها، لمنع خسائر وأضرار كبيرة في الطرف الإسرائيلي، وبالتوازي، تجري أعمال لجباية ثمن باهظ منها بإيقاع الخسائر، وهدم بناها التحتية.

وجاء الهدف الثاني بتوجيه ضربة شديدة لقدرات حماس العسكرية، انطلاقا من الافتراض بأن التغيير في السياسة المصرية تجاه حماس، وهدم الأنفاق مع حدود سيناء، سيكون من الصعب عليهم ترميم قدراتهم العسكرية على مدى الزمن.

ولفتت الصحيفة إلى أنه لا يوجد حماية لسكان الجنوب بنسبة 100%، لأن الجيش خرج من غزة عقب الحرب الأخيرة دون تدمير الأنفاق الهجومية كافة، بعد أن بات تهديدها أكثر تركيبا مما اعتقد الجيش، واستغرق تدميرها وقتا أطول مما كان يعتقد، واعتقد أن الدفاع الأفضل هو الهجوم، وأن حماس دفعت ثمنا كبيرا، والعمليات العسكرية التي قام بها الجيش أعادتها 5 سنوات إلى الوراء.

لكن أصحاب الرأي المؤيد للحرب والحسم العسكري مع حماس أثاروا تساؤلات في الأوساط الإسرائيلية حول: "ماذا بعد الإجهاز على حماس؟ وهل فور انتهاء الحرب سيعيد الجيش انتشاره وجاهزيته، واتخاذ قرار حول المستقبل بهدف تأمين الهدوء، لأن التحدي السياسي اليوم واحد من التحديات المركبة لحرب غزة".