نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا، تحدث فيه عن الوضع الاقتصادي في مصر بعد مرور خمس سنوات على الانقلاب الذي أطاح بالرئيس الشرعي في مصر محمد مرسي، ومذبحة رابعة العدوية.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته
"عربي21"، إن اللاعبين الأوروبيين باتوا على يقين بأن الحكم العسكري
المصري لن يحقق أي شيء على المدى القصير، في حين يصرون على تجاهل النفوذ المطلق
ووحشية النظام المصري، ولكن لا بد أن تولي هذه الجهات اهتماما أكبر للمؤشرات
المتزايدة بشأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور في البلاد، الأمر الذي سيحفز
حالة عدم الاستقرار دون شك.
وأفاد الموقع أن التحذيرات المتكررة من قبل صندوق
النقد الدولي حول حالة الاقتصاد المصري تتشابه بشكل كبير مع التحذيرات التي أعلنها
في الفترة التي سبقت سنة 2011، وقد فشلت مصر في ذلك الوقت في التعامل مع هذه
المشاكل الرئيسية، وحتى في حال تحسنت مؤشرات الاقتصاد وحققت مصر نمو في الناتج
المحلي الإجمالي بنسبة 5.4 بالمئة للسنة المالية 2017/2018، لا بد أن يكون واضعو
السياسات على علم بأن مصر قد وصلت لمستويات مماثلة في نمو الناتج المحلي الإجمالي
سنة 2010.
وأورد الموقع أنه مع تزايد نمو السكان بنسبة 2.4
بالمئة سنويا، أي ما يقارب مليوني نسمة، بالإضافة إلى النظام التعليمي الفاشل،
والبطالة في صفوف الشباب التي بلغت 24.8 بالمئة، فضلا عن تراجع مردودية وإنتاجية
اليد العاملة المصرية، من المؤكد أن مصر ستواجه قضايا هيكلية عويصة. وفي حال رغبت
في مجابهة أزمة البطالة، ستحتاج إلى توفير ما يقرب من مليون وظيفة في السنة لمجرد
تلبية احتياجات الوافدين الجدد.
اقرأ أيضا: كيف وصف معارضون مصريون العيد خارج وطنهم بعد 5 أعوام؟
وأضاف الموقع أن التضخم قد أثر على مستويات المعيشة
في السنوات الأخيرة، فعقب وصول التضخم إلى 34 بالمئة في الأشهر التي تلت تطبيق
الإصلاحات التي فرضها صندوق النقد الدولي سنة 2016، واجه المصريون ارتفاعا آخر في
حزيران/ يونيو 2018، الأمر الذي يرتبط بتقليص الدعم على الوقود والكهرباء، وقد أدى
ذلك إلى ارتفاع معدل الفقر إلى 35 بالمئة، كما شهدت الطبقة الوسطى، التي تكاد تكون
غير موجودة في مصر، تراجع قدرتها الشرائية.
والجدير بالذكر أن ميزانية 2018/ 2019 ستعمل على
التخفيف من بعض الضغوط على الطبقة الوسطى، لكن يبدو أن هذه التدابير ستخدم موظفي
الدولة بشكل خاص.
وذكر الموقع أن رئيس الوزراء الجديد مصطفى مدبولي قد
وعد بتحسين الظروف المعيشية وتوفير 900 ألف موطن شغل سنويا خلال السنوات القادمة، لكن
لا يبدو أن مصر تملك رؤية استراتيجية واضحة للوفاء بهذه الوعود، ومن المؤكد أن
الحكومة ستتعرض للمحاسبة إذا لم تفي بتعهداتها.
ويدرك صناع السياسة الدوليون التحديات العميقة وخطر
عدم الاستقرار الذي يحدق في مصر، لذلك فهم يركزون على مسألة خلق فرص عمل للشباب المصري،
ويرى هؤلاء السياسيين السيسي على أنه شريك فعال في قضايا الأمن والهجرة، ولهذا
السبب تدعم الحكومات الأوروبية الاقتصاد المصري لمنع حدوث اضطرابات جديدة قد تكون
عواقبها وخيمة.
اقرأ أيضا: ماذا قال كاتب إسرائيلي عن كنية السيسي وأصل "بلحة"؟
وبين الموقع أن الحكومات وخاصة المؤسسات المالية
الدولية تؤمن بالاستراتيجية التي تحيل إلى أن خلق مواطن الشغل سيتحقق من الاستثمار
الخاص ومن النمو القائم على الصادرات، لكن هذه الاستراتيجية فشلت في النهاية، وفي
حين اتخذت مصر خطوات حاسمة لإصلاح اقتصادها، لا تزال بيئة الأعمال العامة ومستوى
الشفافية غير مستقطب بالنسبة للاستثمار الخاص، وقد ساد.
وصرح الموقع أن الحكومة اعتمدت أيضا إجراءات جديدة
بما في ذلك قانون جديد للاستثمار، وذلك كخطوة لمحاربة الفساد. وقد أشاد صندوق
النقد الدولي مؤخرا بهذه التدابير، التي عجزت عن تغيير بيئة الأعمال في مصر، ومن
المرجح أن لا تحقق التدابير المتعلقة بالشفافية الكثير في بلد يفتقر للاستقلال
البرلماني، في حين تواجه الصحافة باستمرار حملات قمع، بسبب الانعدام التام
للشفافية على مستوى تعاملات الجيش، وبسبب البيروقراطية غير المستقرة تراجع ترتيب
مصر في تصنيف البنك الدولي من المركز 122 إلى المركز 128.
وقال الموقع إنه على الرغم من أن هذه المشاكل كانت
موجودة قبل تولي النظام الحالي للحكم، إلا أن دور الجيش المصري في الاقتصاد بات
أكبر في عهد الرئيس السيسي. ويبدو أن سيطرة الجيش على الاقتصاد قد أثرت سلبا على
الاقتصاد الوطني، وقد أشار رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر، سوبير لال،
مؤخرا إلى دور الجيش في الاقتصاد، محددا جذور المشكلة التي تتمثل بالأساس في لتدخل
الجزئي للحكومة في الاقتصاد.
اقرأ أيضا: هل يكشف هروب "نوفاذ" مستقبل عاصمة السيسي الغامض؟
وأفاد الموقع أنه في ظل كل هذه العوامل، لا يزال
الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع النفط والغاز الاستثمار الرأسمالي الآمن في مصر،
وتوفر هذه القطاعات عددا محدودا من الوظائف، ومن المحتمل أيضا أن تصبح إمكانات
التصدير المصرية محدودة بسبب المستويات المرتفعة للاستهلاك المحلي، في الأثناء،
شهد الاستثمار الأجنبي المباشر الذي ارتفع عقب انخفاض قيمة الجنيه المصري سنة 2016
استقرارا منذ ذلك الحين.
وفي الختام، بين الموقع أنه على الرغم من أن القادة
الأوروبيون على يقين بالفعل بأن نظام السيسي غير ناجع، فهم في حاجة إلى استيعاب
هذه الحقيقة بشكل شامل في ظل انخراطهم مع الحكومة المصرية على المستوى الاقتصادية،
ولا يمكن ترسيخ النهج الاقتصادي المرجو في ظل الافتقار لرؤية اقتصادية واضحة
وانعدام الشفافية.
كيف يسعى النظام المصري إلى طمس ملامح مجزرة رابعة؟
رابعة.. المجزرة التي أخمدت الحلم الديمقراطي في مصر
لماذا تفرض واشنطن عقوبات متزامنة على روسيا وتركيا وإيران؟