نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا بين فيه أن النساء المحجبات في فرنسا يتعرضن لمعاملة عنصرية بسبب حجابهن وما يحمله من رمزية دينية. وعلى خلفية ذلك، تم تأسيس تحالف يضم مئة امرأة أوروبية لصياغة مقال رأي للتنديد بالتمييز العنصري الذي تعاني منه المسلمة الأوروبية في سوق الشغل.
وقال الموقع، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن ردود العديد من وسائل الإعلام على هذا المقال، على غرار موقع "بوليفارد فولتير"، ومجلة "ماريان"، ومنظمة "الربيع الجمهوري"، قد اتبعت نفس الأسلوب الاستدلالي البسيط في محاولة منها لتضليل القراء، متجاهلة بذلك المخاوف الحقيقية والتقييمات الموثقة بعناية للموقعين المشاركين في كتابة ذلك المقال.
وقد ادعى أحد الصحفيين المنتمين للمجلة الفرنسية "ماريان" أن هذا المقال شن هجوما منظما على العلمانية الفرنسية. وقد استمر هذا الصحفي في سرد الحجج التي غالبا ما توظفها مجموعة معينة من المفكرين السياسيين الفرنسيين عندما يتعلق الأمر بالإسلاموفوبيا وإدماج المسلمين في فرنسا.
وذكر الموقع أن هذه النظرة أحادية الجانب للمرأة المسلمة التي تعتبرها من فئة من المستسلمين أو المضطهدين، أو مجرد ناشطين ينفذون أجندة سياسية خفية، هي في أحسن الأحوال وجهة نظر جاهلة بتنوع المجموعة، وفي أسوأها رؤية جنسية وتبسيطية.
وأفاد الموقع بأن صحفي مجلة "ماريان" لا يرى هؤلاء النسوة اللاتي وقعن على الالتماس مواطنات أوروبيات يمارسن حقهن في حرية التعبير، وإنما أعضاء في مجتمع يعملن فيه بشكل سري لخدمة أجندة مشبوهة. وتتضمن نظرية المؤامرة هذه، على نحو ضعيف، فكرة أن النساء المسلمات يفتقرن إلى القدرة على المشاركة كأفراد في البنية الاجتماعية، وليس لهن الحق في تنظيم حملة للمطالبة بالمساواة بين الجنسين.
وأورد الموقع أن الصحفي الفرنسي شرع في إقناع القراء بأن المقال هو خطوة جديدة إلى الأمام وهجوم مباشر على القانون الفرنسي الصادر سنة 1905 الذي يضمن حيادية الدولة فيما يتعلق بالدين. وهذا أمر غريب، فقد ذكر المقال مرارا أن مبدأ الحياد ضروري، في حين أن الصحفي لم يشر إلى ازدواجية المعايير التي تعيشها المرأة المسلمة في فرنسا اليوم.
اقرأ أيضا: نكاز.. المليونير الذي رصد ثروته دفاعا عن "البوركيني"
وأوضح الموقع أن أولئك الذين يُطلق عليهم اسم "أبطال الحياد الديني" عادة ما يفشلون في الرد عندما يشرع إيمانويل ماكرون في إعادة هيكلة الإسلام في فرنسا، أو عندما يرى رؤساء البلديات أنه من الضروري حظر ارتداء البوركيني في الشواطئ العامة. وفي هذا السياق، أيّد المقال الحياد الديني، واعتبره حجر الزاوية في قانون 1905 الذي يحمي الأقليات الدينية.
وأشار الموقع إلى النفاق الواضح في الدعوة إلى الحياد الديني عندما يتعلق الأمر ببعض الرموز الدينية مثل الحجاب، الذي قد يرى فيه البعض إساءة لهم، لكن هذا المبدأ لا يطبق على جميع الأصعدة. ويدل هذا التلاعب بمفهوم الحياد على انتشار الإسلاموفوبيا في فرنسا، وهو ما تؤكده بعض النتائج التي توصلت إليها العديد من التقارير والدراسات الأكاديمية.
ولكن، كيف يمكن لكاتب المقال في مجلة "ماريان" أن يدافع عن الحياد الديني في الوقت الذي يحدد فيه أن "الصليب المسيحي الواضح بشكل مفرط" مسيء، وهو ما يعني ضمنيا أن الصليب الأصغر حجما ليس مسيئا. والسؤال المطروح، كيف يمكننا حقا التحدث عن الحياد عندما يتم التسامح مع بعض الرموز الدينية التي تعتبر مقبولة ثقافيا أكثر من غيرها؟
وأشار الموقع إلى أن الصحفي في مجلة "ماريان" هاجم نقاد قانون 2004 الذي يحظر ارتداء أي رمز ديني واضح في المدارس العامة، الذي حظر في وقت لاحق من سنة 2010 ارتداء البرقع. ولكن المقصد الرئيسي من القوانين ليس أن تظل مكتوبة على الورق، دون منح الأفراد فرصة التعبير عن آرائهم حول ما يتعلق بالقوانين التي تحكمهم، لاسيما عندما يتم استهداف حقوق بعض أفراد المجتمع.
واستغرب الموقع استهجان البعض حق مئة امرأة من مواطنات القارة الأوروبية، انتقاد القانون أو قرار المحكمة؛ مثل القرار الذي أصدرته محكمة العدل الأوروبية في آذار/ مارس من سنة 2017، الذي يقرر بأن أرباب العمل لهم الحق في حظر الرموز الدينية في أماكن العمل، كما منحهم الحق في إقصاء النساء المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب عن بعض الوظائف.
وفي دراسة أجريت في فرنسا سنة 2014، تبين أن السير الذاتية التي تحمل اسما فرنسيا حصلت على معدل تفاعل بنسبة 72 بالمئة، في حين حصلت السير الذاتية نفسها بعد إرفاقها بصورة امرأة مسلمة محجبة على معدل تفاعل بنسبة واحد بالمئة.
اقرأ أيضا: الحكومة الفرنسية تنجو من مذكرتين لحجب الثقة عنها
وفي الختام، أكد الموقع أن هذا التمييز العلني الواسع لا يمكن أن يكون نتيجة لحفنة من أرباب العمل العنصريين أو المناهضين للإسلام، وإنما يعكس مشكلة أعمق وأكثر نظامية وقوة على المستوى المؤسساتي.
ولا يعني وجود مشكلة مؤسسية في فرنسا حول النساء المحجبات أن الفرنسيين عنصريين، وإنما يدل على أن هناك مشكلة في السياسة العامة.
بوبليكو: كيف أصبحت إسرائيل فضاء ضيقا لحرية التعبير؟