العار...

يقول ديفيد كيركباتريك، الكاتب الصحفي المعروف، في مقال نشر له مؤخرا في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، بعنوان "اختراق هواتف حاكم وأمير وصحفي من أجل إقناع الزبون"، والذي نشر بتاريخ 31 آب/ أغسطس 2018، ما نصه: "كان حكام الإمارات العربية المتحدة يستخدمون برامج التجسس الإسرائيلية منذ أكثر من عام، حيث قاموا بتحويل الهواتف الذكية للمعارضين في الداخل أو المنافسين بالخارج إلى أجهزة مراقبة. لذا عندما عرض على كبار المسؤولين الإماراتيين تحديث باهظ لتكنولوجيا التجسس، أرادوا التأكد من أنها تعمل، وفقا لرسائل البريد الإلكتروني المسربة التي تم تقديمها يوم الخميس في قضيتين ضد شركة التجسس، وهي مجموعة NSO التي تتخذ من إسرائيل مقرا لها". انتهى الاقتباس.

تحاول إمارة الشر ما في وسعها من أجل زعزعة المنطقة، ويبدو أن أوهام السيطرة والعظمة والتحكم لا تزال تسيطر على إمبراطورية أبناء زايد، والتي لن يهدأ لها بال حتى تصل إلى عمق المملكة العربية السعودية وتقطع أوصالها، حتى يتحكم عيال زايد في أكبر مخزون نفطي في العالم.

فضيحة التجسس التي نشر عنها كيركباتريك ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فحسب معلوماتي، فقد أمدت الإمارات سلطة الانقلاب المصرية ببيانات عملاء شركة اتصالات عقب وقوع الانقلاب مباشرة، وزودت سلطة الانقلاب بأجهزة رصد وتتبع لهواتف الثوار والمؤيدين للشرعية؛ مكنت الشرطة المصرية من تعقب العديد من الرموز والقبض عليهم أو تصفيتهم في عرض الطريق، ولا تزال تمارس نفس الدور القذر حتى اليوم.

لا تحتاج خيانة سلطة الإمارات للأمة العربية إلى دليل؛ لأنها أصبحت رمزا للخيانة ومصدرا للعار؛ حتى للإماراتيين أنفسهم الذين أصبحوا يخجلون في الخارج من ذكر جنسيتهم الأصلية، ويدعي معظمهم وخشية الفضيحة أنهم إما قطريون أو كويتيون.

القضية التي نناقشها هنا هي ليست خيانة حكام الإمارات وتجسسهم ومحاولاتهم اليائسة السيطرة والهيمنة على جيرانهم في مجلس التعاون، بل القضية هي أنهم أصبحوا عملاء للكيان الصهيوني. فشركة صناعة برامج التجسس المشار إليها في مقال كيركباتريك هي شركة صهيونية تديرها وزارة الحرب الصهيونية، أو بالأدق فإن وزارة الحرب هي من تحدد أسماء العملاء، وفقط العملاء الذين ترضى عنهم الوزارة هم من يحصلون على تكنولوجيا التجسس، وبالتالي فلسنا في حاجة إلى دليل أن كل ما يتم جمعه من معلومات ومواد خلال عملية القرصنة التي تتم عبر الهواتف يذهب مباشرة للكيان الصهيوني، في الوقت الذي تحصل فيه إمارة الشر على ذات نفس المعلومات.

القصة بسيطة، وهي أن تأتيك رسالة فتفتحها، أو اتصال فتقوم بالرد عليه أو تقوم بمعاودة الاتصال، وهنا يتم اختراق هاتفك ويتحول جهاز هاتفك الذكي إلى جهاز مراقبة وتتبع لك ولمن حولك...

يواصل الكاتب الصحفي رحلته في الكشف عن فضيحة التجسس التي فجرها مؤخرا، وينقل على لسان الإماراتيين أسئلة سألوها للشركة الصهيونية: "هل يمكن للشركة تسجيل مكالمات أمير قطر، وهو منافس إقليمي؟.. سألهم الإماراتيون. ماذا عن هاتف الأمير السعودي القوي الذي يرأس الحرس الوطني للمملكة (متعب بن عبد الله)؟ أو ماذا عن تسجيل هاتف رئيس تحرير صحيفة عربية في لندن (عبد العزيز الخميس)؟". انتهى الاقتباس.

لم تكن قطر المستهدفة إذن بعملية التجسس عبر الهواتف الذكية، بل الأمير متعب بن عبد الله، والذي كان مقررا له أن يكون في أعلى سلم حكم البلاد لو طال العمر بأبيه الملك عبد الله، وهو الرجل القوي الذي تمت التضحية به بعد مجيء سلمان إلى السلطة، ومهد لابنه محمد الطريق بإقالة متعب من الحرس الوطني. وليس هذا فحسب، بل إن الزبون، وهو حكومة الشر الإماراتية، وحسب كلام كيركباتريك، طلبت اختراق هاتف الصحفي عبد العزيز الخميس، رئيس تحرير صحيفة العرب اللندنية، وهو معارض سابق لنظام الحكم في السعودية، وعاد إلى المملكة بصفقة أو اتفاق قبل سنوات وانضم لجوقة إعلاميي التطبيل في المملكة، ويقدم برنامج "نيران صديقة" على قناة سكاي نيوز عربية. وقد فوجئ عبد العزيز الخميس مثلما فوجئ الأمير متعب؛ والذي نقل عنه الكاتب أنه ليس هناك حاجة للتجسس عليه، فقد كان يكفي الإماراتيين أن يسألوه وسيقول لهم الإجابة!

شخصيا، قبل عام أو أكثر، وصلتني رسالة عبر البريد الإلكتروني من شركة "ياهو" تعتذر فيه بسبب اختراق حسابي على البريد الإلكتروني، وتقول في نص الرسالة إن مركز الاختراق هو تل أبيب وأبو ظبي. وطالبتني الشركة ساعتها بتغيير كلمة السر والإبلاغ أولا بأول عن أي نشاط مثير للريبة يتم على بريدي الإلكتروني. والحقيقة أنني لم أفاجأ بمثل هذه الرسالة ولا بالفعل المشين لإمارة الشر، ولم أشأ ساعتها أن أعطي الموضوع أكبر من حجمه. وحتى حين نشر موضوع التجسس واختراق هواتف القطريين لم تأخذني الدهشة، لكنني فعلا دهشت حين علمت أن الإمارات تتجسس على الأمير متعب، وأدركت أن ذلك ربما يكون لصالح ابن سلمان، وبعلمه ومعرفته، لأنني أعتقد أن إدارة الحكم في السعودية تتم من مقر ما داخل أبو ظبي.

الدهشة التي حاولت خلال اليومين الماضيين فك شيفرتها؛ هو التجسس على الصحفي عبد العزيز الخميس، وهو إعلامي يعمل لخدمة النظام السعودي، فلماذا تتجسس عليه الإمارات ولصالح من؟ وفي رأيي أن محمد بن زايد لم ولن يترك أميرا ولا إعلاميا ولا سياسيا سعوديا إلا وتجسس عليه، لكي يتمكن من جمع أكبر قدر من المعلومات عن الدولة السعودية بكافة تفصيلاتها؛ لأن حلم ابن زايد أكبر بكثير مما يتصوره البعض. هذه ليست وشاية ضده، فأنا أعلم أن ابن سلمان مغيب وتائه وحائر، ووقع في شرك الصهاينة من ناحية وابن زايد من ناحية، ومتصهينة البيت الأبيض من جهة ثالثة.

القصة لم تنته؛ لأن قضايا قانونية رفعت ضد الشركة الصهيونية، وبالطبع من حق من تضرر اللجوء للقضاء وجرجرة إمارة الشر إلى ساحات العدالة الدولية، ولو أنني لست متأكدا أن أحدا في إمارة الشر هذه معني بالقانون، أو احترام حقوق الجيران، أو احترام خصوصيات الإنسان بشكل عام.

القصة لم تنته...