نشرت صحيفة "لوتون" السويسرية تقريرا سلطت فيه الضوء على أسباب اندلاع موجة جديدة من المواجهات العنيفة بين المليشيات المختلفة في مدينة طرابلس الليبية.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21" إن مواجهات عنيفة دامت ثمانية أيام اندلعت في الضواحي الجنوبية للعاصمة الليبية، قبل أن يتم التوقيع على اتفاق جديد لوقف إطلاق النار مساء يوم الثلاثاء.
وأشارت الصحيفة إلى أن موجات العنف المفاجئة التي تشهدها شوارع العاصمة الليبية (التي سبق وأن عرفتها المدينة على امتداد فترات غير منتظمة في السنوات الأخيرة)، قد ذكرت الرأي العام بالمأزق السياسي والعسكري الذي تعيش على وقعه ليبيا.
فعلى مدار أكثر من أسبوع، أصبحت المدينة، مرة أخرى، مسرحا لاشتباكات عنيفة بين المليشيات المتناحرة. ووفقا لتقرير صادر عن السلطات الليبية، فقد أسفرت هذه المواجهات عن وفاة 50 شخصا وجرح 138 آخرين.
وفي طرابلس، لا يوجد طرف قادر على وقف الأعمال العدائية. والجدير بالذكر أن اتفاقا وقف إطلاق النار السابقين لم يستمرا سوى لمدة تقل عن نصف يوم. فهل سيكون آخر الاتفاق الموقع عليه تحت رعاية الأمم المتحدة هشا أيضا؟
من جانبها، لا تملك حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج قوة خاصة بها. فمنذ تأسيسها في شهر آذار/ مارس سنة 2016، تعتمد هذه الحكومة بشكل كامل على الجماعات المسلحة لضمان أمنها وفرض تطبيق القرارات.
وأفادت الصحيفة بأنه في دراسة نُشرت خلال حزيران/ يونيو، أوضح الباحثان ولفرام لاخر وعلاء الإدريسي، أن "درجة تحكم الجماعات المسلحة المتمركزة داخل طرابلس في الدولة تُعد سابقة من أمرها حقا".
اقرا أيضا : فرنسا تطالب الليبيين بالالتزام بإجراء الانتخابات في موعدها
وكتبا أيضا أن "عدد المجموعات التي تضم أشخاصا متورطين في عمليات احتيال واختلاس، في الوقت الذي يشغلون فيه مناصب إدارية رسمية، قد تقلص، ليقتصر على قلة من الأفراد.. وفي الحقيقة، لا تعد المليشيات التي تسيطر على طرابلس موالية للحكومة، بل تخضع حكومة السراج لهذه الجماعات المسلحة".
وتطرقت الصحيفة إلى أن المليشيات الأربع الرئيسية في طرابلس تتمثل في: كتيبة ثوار طرابلس بقيادة هيثم التاجوري، وقوة الردع التي يتزعمها عبد الرؤوف كارة، بالإضافة إلى كتيبة غنيوة التي يقودها عبد الغني الككلي، وكتيبة النواصي.
ووفقا لهذين الباحثين، فإن هذه المليشيات تشكل "كارتل" إجراميا وعسكريا خطيرا. وعلى الرغم من خشيتهم من قراراته المتسرعة، فإن الليبيين يهابون هذا التجمع بسبب أنشطته الأمنية وحمايته للمواطنين في حياتهم اليومية.
في الأثناء، تزعج سيطرة الجماعات المسلحة على طرابلس المناطق المنافسة للعاصمة، بما في ذلك المدن "الثورية" ذات النفوذ الواسع، على غرار الزنتان ومصراتة، اللتين سيطرتا بدورهما على أجزاء كبيرة من العاصمة بعد سقوط القذافي، قبل أن يتم طرد عناصرهما منها. لكن في هذه المرة، يبدو أن "اللواء السابع" هو الطرف الذي أقدم على تنفيذ هجوم 27 آب/ أغسطس.
اقرا أيضا : لليوم الثاني.. هدوء بطرابلس الليبية وإجلاء من مناطق الاشتباك
وقد ادعت قواته أنها تقود "عملية تحرير" تهدف إلى "تطهير طرابلس من مليشيات فاسدة تستخدم نفوذها للحصول على قروض مصرفية تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، بينما ينام المواطنون العاديون أمام البنوك لسحب بضعة دنانير".
وأضافت الصحيفة أن اللواء السابع، المتمركز على بعد حوالي 50 كيلومترا جنوبي العاصمة، في مدينة ترهونة، يرغب في التقدم شمالا باتجاه المطار الدولي، الذي يوشك على إعادة فتح أبوابه بعد أربع سنوات من تدميره.
ويفسر كل من لاخر والإدريسي أن "ترهونة هي المدينة الوحيدة في غرب ليبيا التي تسيطر عليها مجموعة مسلحة واحدة، تحمل اسم "اللواء السابع" والملقبة أيضا "بالكنيات"، في إشارة إلى الإخوة الثلاثة في عائلة الكاني الذين يديرونها. وقبل سنة 2015، لم يكن هذا اللواء معروفا أبدا".
ونقلت الصحيفة عن الكاتبين أنه "منذ منتصف سنة 2017، وباستعمال القوة والعنف، توسعت مجموعة الكنايات على حساب ضواحي طرابلس. وستطالب هذه المجموعة حتما بنصيبها من الصفقة الأمنية الخاصة بالمطار. ويضم اللواء السابع العديد من المقاتلين الذين طردوا من العاصمة من قبل الكارتل، وبالتالي، فإنه يبدو أن رجال المليشيات ينوون الانتقام".
ومنذ بداية الاشتباك، تمكن الطرفان من استقطاب عدد من الحلفاء، الأمر الذي زاد من حدة ووحشية القتال.
ووفقا لحكومة الوفاق الوطني، فرت أكثر من 18 ألف عائلة من أحداث العنف، بينما اغتنم أكثر من 400 سجين هذه الفوضى العارمة للهروب من السجن.
وأفادت الصحيفة بأنه في تعليقها على هذه المستجدات، قالت كل من واشنطن ولندن وروما وباريس، في بيان مشترك صدر يوم السبت، إن "هذه المحاولات لإضعاف السلطات الليبية الشرعية وعرقلة العملية السياسية في البلاد غير مقبولة".
وتحث الدول الأربع "جميع الجماعات المسلحة على وقف كل العمليات العسكرية على الفور".
وأوضحت الصحيفة أن وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو سالفيني، كان قد نقض هذا الإجماع، حين اتهمت تصريحاته، بشكل غير علني، فرنسا بالوقوف وراء هذه التطورات.
وقد أفاد سالفيني صباح الثلاثاء بأنه "من الواضح أن هناك من يقف خلف ما يحدث في ليبيا. وأخشى أن يكون طرف ما، وبدافع أسباب اقتصادية وطنية، قد عزم على تعريض استقرار كل مناطق شمال أفريقيا، وبالتالي أوروبا، للخطر".
وقال: "أفكر، عند هذه النقطة، في الشخص الذي حدد تواريخا لتنظيم الانتخابات دون تنبيه الحلفاء ومنظمة الأمم المتحدة والليبيين".