نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لمراسلها شيباني ماهتاني، يقول فيه إن العديد من الصينيين تقاطروا في حافلات إلى المعرض الذي كان يحوي مجسما لمدينة الغابة، التي ستؤوي 700 ألف نسمة، تلك المدينة التي سترتفع من مزارع النخيل على أراضي شمال سنغافورة.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأن هناك مشكلة واحدة، وهي أن الحكومة، بزعامة رجل الدولة ماهاتير محمد، تحركت بسرعة؛ لمنع أو تعديل القواعد للمشاريع الصينية الكبيرة في البلد، وألغت عددا من المشاريع، بما في ذلك مشروع سكة حديدية بعشرين مليار دولار، وخطا غاز بقيمة 2.3 مليار دولار.
ويقول ماهتاني إن هذه التعديلات قد تعني بالنسبة للمدينة، التي ستكلف 100 مليار دولار، عدم البيع للأجانب، وهو ما يعني تقتل السوق الصينية المستهدفة من المشروع العقاري، مشيرا إلى أن هذا الموقف الصلب من ماليزيا ومهاتير، الذي بلغ من العمر 93 عاما، يمثل أقوى صفعة للاقتصاد الصيني، الذي يتمدد بسرعة في المنطقة وخارجها.
وتشير الصحيفة إلى أن بكين تطلق عليها مبادرة الحزام لطريق الحرير الجديد، لكن الناقدين، مثل مهاتير وغيره في آسيا، يسمونها محاولة الصين الهيمنة الاقتصادية في المنطقة؛ لتؤثر بشكل غير مباشر على السياسة من خلال أنفاقها، بالإضافة إلى أن هناك تخوفا على المدى البعيد من أن المشاريع الصينية قد تترك تلك البلدان مدينة لعقود، حيث عليها صيانة المرافئ والسكك والنقاط الأخرى، لما يسميه البعض طريق الحرير الجديد.
ويورد التقرير نقلا عن مهاتير، قوله خلال زيارة له إلى بكين في آب/ أغسطس: "لا تريد أن يكون هناك وضع يوجد فيه نوع جديد من الاستعمار؛ لأن الدول الفقيرة لا تستطيع التنافس مع الدول الغنية".
ويلفت الكاتب إلى أن هذا التراجع الماليزي أقلق زعماء الصين بشكل خاص، فماليزيا غنية، وموقعها استراتيجي، ما يجعل من مشاريع الصين هناك أهم لأجندتها الحدودية، ولتطوير طرق تجارة جديدة، بالإضافة إلى أن الصين لا تستطيع أن تضغط كثيرا على ماليزيا، التي تعد أحد أكبر شركائها التجاريين في آسيا.
وتبين الصحيفة أن ما زاد من إيلام القرار الماليزي هو أن مهاتير قام بالإعلان عنه في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الصيني لي كيق يانغ خلال محادثاته في بكين، مشيرة إلى أنه بعد عودته بعدة أيام إلى ماليزيا، فإنه استهدف مدينة الغابة، بالإعلان أنه لن يسمح للأجانب بالعيش فيها، حتى في الوقت الذي كانت فرق العمال تحاول فيه الانتهاء من بعض الأبراج السكنية تمهيدا لانتقال المشترين إليها في وقت لاحق من العام.
ويفيد التقرير بأن تلك كانت ضربة موجهة لشركة "كنتري غاردين باسيفيك فيو"، التي تعد أكبر شركة تطوير عقارات من حيث المبيعات، فيما كان حوالي 80% من المشترين في المشروع، المؤلف من 18 ألف وحدة سكنية إلى الآن، هم من الصين، مشيرا إلى أن هناك مكاتب تسويق لمدينة الغابة في أنحاء الصين كلها.
وينوه ماهتاني إلى أن الإشارات في أنحاء الجزيرة الصناعية هي باللغة الصينية، لافتا إلى أن هناك فرعا لمدرسة خاصة في مينيسوتا تعلم الانجليزية والماندرين فقط.
وتنقل الصحيفة عن وزير المالية الماليزي ليم غوان إنع، قوله إن المشروع يرقى إلى "بناء مدينة صينية كبيرة في ماليزيا.. وذلك يقود إلى أسئلة ليست حول السيادة الوطنية فقط، بل حول العقد الاجتماعي الذي يجب التوصل إليه، وإلا سيكون هناك خلل في التوازن".
ويورد التقرير نقلا عن الشركة، قولها إنها التزمت بالقوانين والموافقات للبيع للأجانب كلها، وقالت إنها على اتصال دائم بمكتب رئيس الوزراء، فيما قال متحدث باسم الشركة إنه لا يستطيع تقديم معلومات الآن؛ لأن المفاوضات في مراحلها الأولى، بالإضافة إلى أن وزارة الإسكان الماليزية ستراجع الشروط التي تم الاتفاق عليها سابقا.
وينقل الكاتب عن أحد المسؤولين في الشركة، قوله إن الشركة اضطرت لإدراج المشروع تحت مظلة مبادرة الحزام الصينية؛ وذلك للحصول على دعم الحكومة الصينية.
وتذكر الصحيفة أن مهاتير قال في أحد خطاباته خلال حملته الانتخابية في أيار/ مايو: "أود لو تحولت مدينة الغابة إلى غابة حقيقية تعيش فيها القرود والسعادين".
ويورد التقرير نقلا عن مسؤول في شركة "كنتري غاردين"، بشرط عدم ذكر اسمه، قوله إن ماليزيا "لا تريد أن ترى الصينيين يسيطرون على أراض ماليزية.. إنهم يكرهون الطريقة التي نتاجر بها، فمن الواضح أن أسعار العقارات مرتفعة جدا للماليزيين، ونحن قمنا بالتسويق بالذات للصينيين".
ويقول ماهتاني إن ماليزيا لم تكن هي الوحيدة التي تتحول ضد المشاريع الصينية، فباكستان ونيبال وميانمار وغيرها من الدول تحاول التقليل من المشاريع التي تحاول الصين تنفيذها هناك، مشيرا إلى أن رد فعل الصين كان بأنها حاولت إعادة تأطير مبادرة الحزام، فوصفها شي في خطاب حديث له بأنها أداة دبلوماسية يمكن أن توحد دولا كثيرة في العالم.
وتنقل الصحيفة عن المحلل الصيني يانمي جي، قوله: "يجب على الصين الأخذ في عين الاعتبار قضايا الصورة"، فيما يتعلق بمبادرة الحزام والطريق، وتقول شركة "كنتري غاردين" بأنها وقعت عقودا مع 150 شركة محلية، ووفرت 1200 فرصة عمل لماليزيين منذ عام 2014، فيما يقول المسؤولون إن هناك مشترين من 30 بلدا مختلفا اشتروا عقارات في مدينة الغابة.
وبحسب التقرير، فإن استراتيجية التسويق تضمنت عرض رحلات مجانية إلى ماليزيا وسنغافورة للصينيين الذين يشترون عقارات من شركة "كنتري غاردين" في الوطن، بحسب عدد من المشترين الذين قابلتهم الصحيفة.
ويكشف الكاتب عن أنه سجل في المدرسة التي بنيت في المدينة 78 طالبا، 60% منهم صينيون، لافتا إلى أن تكاليف الدراسة فيها هي 24 ألف دولار للطالب في العام، وهو ما يشكل حوالي أربعة أضعاف معدل الدخل السنوي في ماليزيا.
وتشير الصحيفة إلى أن احد مندوبي المبيعات للشركة اعترف بأن "الناس الذين يعملون في المنطقة ربما لا يستطيعون العيش فيها.. معظم المشترين هم أجانب، ونخشى أن تبقى المدينة فارغة إن لم يحضروا".
ويلفت التقرير إلى أن هذا التحول الماليزي أقلق المشترين، وبعضهم باع عمله في الصين، وانتقل إلى المدينة؛ أملا في أن يحصل على تعليم أفضل لأبنائه، أو ليكون لديه بيت آخر للتقاعد.
وينقل ماهتاني عن جهان جينو، البالغ من العمر 24 عاما من شيزين، الذي اشترى شقة من غرفتي نوم عام 2016، مستخدما مدخراته كلها دفعة أولى، قوله إنه كان يأمل أنه حتى لو لم يعش في ماليزيا فإنه يستطيع بيع الشقة بعد عدة سنوات ويحقق ربحا، لكنه يظن الآن أن ذلك أصبح "مستحيلا".
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول المسؤول في الشركة إن الحكومة الماليزية تضغط على الشركة لتسويق العقارات للفيتناميين والأندونيسيين والخليجيين؛ لتنويع سكان المدينة، لكنه اعترف بأنهم لا يتقنون فعل ذلك، فهم يعتمدون بشكل أساسي على السوق الصينية.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا
وول ستريت: مناورات عسكرية روسية صينية.. هذه دلالاتها
نيويورك تايمز: لماذا تخضع الصين ملايين المسلمين للرقابة؟
ناشونال إنترست: كيف تحاول بكين الهيمنة على الشرق الأوسط؟