مثّل إعلان وزير الشؤون الاجتماعية في
تونس، عن
ارتفاع نسبة
الأمية في البلاد لأول مرة منذ الاستقلال، صدمة في صفوف النخب والأوساط المثقفة، في بلد راهن منذ استقلاله على جودة
التعليم وتحديث المجتمع ولا تزال نخبته بعد الثورة تتفاخر بذلك محليا ودوليا.
وأكد وزير الشؤون الاجتماعية
محمد الطرابلسي في لقاء إعلامي، أن نسبة الأمية في تونس، شهدت ارتفاعا لأول مرة منذ الاستقلال، لتبلغ 19.1 بالمائة في 2018 بعد أن كانت في حدود 18.2 بالمائة في عام 2010.
ولفت إلى أنه سيتم خلال العام القادم، إعادة تفعيل برنامج محو الأمية وتعليم الكبار، ومخطط لبعث مركز وطني في ذات المجال بهدف صياغة استراتيجية وطنية للتقليص من نسبة الأمية.
من جانبه، انتقد رئيس "الجمعية التونسية لجودة التعليم" سليم قاسم في تصريح ل"
عربي21" السياسات المتعاقبة لحكومات ما بعد الثورة، وتعاطيها مع مسألة التعليم ومحاربة الأمية.
وأضاف: "العديد من المسؤولين، قبل الثورة وبعدها، توهّموا أنّ النّتائج المرضيّة التي حقّقتها دولة الاستقلال هي من تحصيل الحاصل، وعجزوا عن فهم الآليّات التي أفضت إليها، فكانت النّتيجة ضعفا في السّياسات وقصورا في الفعل بدأت اليوم نتائجه تبرز للعيان".
ولفت محدثنا إلى أن مبلغ 11 مليون دينار الذي كان مرصودا لمحاربة الأمّيّة في تونس، هو مبلغ "مضحك" مقارنة بعدد الأمّيّين الذي يناهز المليونين.
وانتقد في السياق ذاته قرار حكومة "التّرويكا" في 2013، تقليص ميزانية محو الأمية إلى 3 مليون دينار، واصفا إياه بالعبث بملفات مصيرية.
الانقطاع المبكر عن التعليم
وأكد رئيس "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" مسعود الرمضاني في حديثه ل"
عربي21" أنهم حذروا منذ سنة 2013، من تداعيات تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية على الطبقات الهشة، سيما بالمحافظات الداخلية، وانعكاسها على ظاهرة الانقطاع المدرسي المبكر.
وتابع: "أرقام مفزعة كنا أول من نشرناها، تشير لانقطاع أكثر من 100 ألف طفل سنويا عن التعليم، وهو ما يعني آليا تجاوز هذا الرقم في 2018 إلى أكثر من 700 ألف طفل يجهل القراءة والكتابة".
وأشار إلى أن محافظات داخلية كالقيروان وسيدي بوزيد، حيث ترتفع فيها نسبة الفقر والبطالة، تكون الأسرة فيها مخيرة بين توفير الأكل لأبنائها أو تدريسهم".
وانتقد في ذات السياق، ما ذهب إليه وزير الشؤون الاجتماعية من إعادة برنامج محو الأمية متسائلا :" هل ننتظر أن ننشئ جيلا منقطعا عن التعليم ثم نتدارك الأمر ببرامج محو الأمية؟".
وتساءل الأكاديمي والباحث عادل الحاج سالم قائلا:" كيف لا تزداد نسبة الأميّة ولم نسمع رئيس دولة ولا رئيس حكومة ولم نر برنامجا حزبيا يعطي أولوية للثقافة والتعليم بل لم نر برنامجا حواريا تلفزيا أو إذاعيا يثير المسألة الثقافية والتربوية".
ولفت الباحث في حديثه ل"
عربي21" إلى أن من أزاحتهم الثورة بسبب فشل المنظومة الحاكمة ، باتوا اليوم يتصدّرون المشهد على غرار وزير الثقافة ووزير التربية الحالي، واصفا إياهم ب" أدوات التضليل الأيديولوجي في عهد بن علي"
جدل عبر الشبكات الاجتماعية
وكان تونسيون قد تلقفوا تصريح الوزير حول ارتفاع نسبة الأمية، بنفس تراوح بين النقد والسخرية.
وانتقد القيادي بحزب التيار الديمقراطي شكري الجلاصي، سياسات الحكومات المتعاقبة بالقول :" الأفاّكون وعدو الشعب بأنّ نسبة النمو سترتفع إذا مرّ قانون الفساد فإذا بها الأمية هي من ارتفعت نسبتها".
فيما سخر الناشط والمستشار البيداغوجي بوزارة التربية حميدة ميساوي، من الرقم الذي أفصح عنه الوزير في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك، معتبرا أن "أهداف الثورة تحققت".
ووصف الإعلامي لطفي الحاجي، نسبة الأمية التي كشف عنها الوزير، في تدوينة مطولة عبر فيسبوك، بـ"المستفزة"، داعيا السياسيين إلى إطلاق صفارات الإنذار عوض الغوص في خلافتهم الحزبية الهامشية.