توصل رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، الاثنين، في لقائهما الأخير بمدينة سوتشي الروسية، إلى اتفاق حول ملف إدلب. وأعلن الرئيسان في مؤتمر صحفي عقد عقب اللقاء الطويل، أن الاتفاق يشمل إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين قوات النظام السوري وقوات فصائل الثورة المتمركزة في إدلب، وأن المنطقة العازلة ستكون بعمق ما بين 10 كيلومترات و15 كيلومترا، لتقوم القوات الروسية والتركية بدوريات مراقبة مشتركة على طول المنطقة. وبعد المؤتمر الصحفي، صرح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، بكل وضوح، بأنه لن يتم شن عملية عسكرية على إدلب.
هذا الاتفاق نجاح دبلوماسي كبير لتركيا التي بذلت جهودا حثيثة لتجنيب إدلب شبح عملية عسكرية من قبل قوات النظام السوري والمليشيات الشيعية الموالية لإيران، وقطفت في سوتشي ثمرة تلك الجهود. كما أنه جاء بعد خطوات تقدمت بها أنقرة في الاتجاه الصحيح، ورسائل تحذير بعثتها إلى المعنيين. وأدركت موسكو أن تجاهل مطالب تركيا يبعد أنقرة عنها، ويهدد مكاسبها في سوريا، كما وصلت إلى الدول الأوروبية رسالة واضحة مفادها أن أي هجوم على محافظة إدلب من قبل النظام السوري وحلفائه سيؤدي إلى موجة جديدة من اللاجئين نحو أوروبا. ومن المؤكد أن الأوروبيين تنفسوا الصعداء بعد اتفاق سوتشي الذي حمى القارة العجوز من التعرض لمزيد من الهجرة غير الشرعية.
من المؤكد أن الأوروبيين تنفسوا الصعداء بعد اتفاق سوتشي الذي حمى القارة العجوز من التعرض لمزيد من الهجرة غير الشرعية
القمة الثنائية التي جمعت الرئيسين التركي والروسي، أظهرت أن نظام بشار الأسد لم ينتصر في سوريا، كما يروِّج الموالون له، بل الرئيس الروسي هو الحاكم الفعلي، والآمر والناهي فيها، وله الكلمة الفاصلة في اتخاذ القرارات، وما على الأسد إلا التصديق والالتزام بها. وبالتالي، لا حاجة لتركيا أن تتواصل مع الأسد، ولا نظامه الدموي المتهالك.
تركيا تعرضت لمؤامرات عديدة تهدف إلى إشغالها في الداخل، وإبعادها عن الملف السوري، إلا أن جميع تلك المؤامرات فشلت، وظل الملف السوري على رأس أولويات أنقرة؛ لأنه يتعلق مباشرة بالأمن القومي التركي. وأكد اتفاق سوتشي أن تركيا لاعب أساسي في المنطقة لا يمكن تجاهله ولا إبعاده عن الساحة أو الطاولة، وأنها ستواصل حماية حدودها، وسيستمر تواجد قواتها في الشمال السوري، حتى تخرج من سوريا كافة القوات والمليشيات الأجنبية.
الرئيس الروسي هو الحاكم الفعلي، والآمر والناهي فيها، وله الكلمة الفاصلة في اتخاذ القرارات، وما على الأسد إلا التصديق والالتزام بها
الرئيس التركي لعب دورا هاما في حفظ أرواح الآلاف وبقاء الملايين في أراضيهم وبيوتهم. وعلى الرغم من ذلك، لن تخلو وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بكافة أنواعها من محاولات التشكيك في هذا النجاح والتقليل من قيمته وأهميته، لأسباب معروفة تتعلق بمواقف تركيا المشرفة من الربيع العربي وقضايا الأمة. وهناك من يذكِّر بمذبحة سربرنيتسا، وآخر يصف إدلب بــ"غزة الثانية"، في محاولة لتشويه الاتفاق، ومنع تعاطف الرأي العام العربي مع نجاح أردوغان. إلا أن العبرة ليست بما يقوله هؤلاء، بل برأي سكان إدلب في الاتفاق. ويعرف السوريون جيدا أن تصريحات المشككين في الاتفاق، وتغريداتهم في مواقع "تويتر" لا يمكن أن تحمي إدلب من القصف الهمجي الذي سبق أن استهدف مناطق أخرى في البلاد.
العبرة ليست بما يقوله هؤلاء، بل برأي سكان إدلب في الاتفاق. ويعرف السوريون جيدا أن تصريحات المشككين في الاتفاق، وتغريداتهم في مواقع "تويتر" لا يمكن أن تحمي إدلب من القصف الهمجي
الأزمة السورية وخارطة طريق المعارضة التركية
معركة إدلب وأوهام حول "هيئة تحرير الشام"