لم يسبق لرئيس وزراء أردني أن دعا إلى "إصلاح سياسي قبل الإصلاح الاقتصادي"، كما فعل رئيس الحكومة الحالي عمر الرزاز، الذي تعهد للأردنيين بتعديل قانوني الأحزاب والانتخاب، وصولا إلى حكومات برلمانية خلال سنتين.
الأردنيون لم يحظوا إلا بتجربة يتيمة للحكومة البرلمانية عام 1957،عندما شكل سليمان النابلسي رئيس الحزب الوطني الاشتراكي -الذي حصد أغلب مقاعد البرلمان آنذاك- الحكومة، ليقيلها الملك الراحل حسين بن طلال بعد أقل من أربعة أشهر من تكليفها.
ومنذ ذلك الحين، شهدت المملكة تجاذبات سياسية، حتى عودة الحياة البرلمانية عام 1989، والتي عقبها لسنوات طويلة تطبيق لنظام الانتخاب (الصوت الواحد غير المتحول) منذ عام 1993، والذي حجم الحياة السياسية، وأفرز نوابا على أسس مناطقية وعشائرية ورجال أعمال ومقاولين.
لماذا الآن؟
لكن السؤال الذي يثيره سياسيون أردنيون، لماذا تطرح الحكومة فكرة الحكومات البرلمانية في هذا الوقت؟ وهل هي جادة في ذلك الطرح؟ رغم أن هذا المطلب كان مطلبا شعبيا قديما للمحتجين في المظاهرات الشعبية التي عمت المملكة إبان الربيع العربي، وصم النظام أذنيه عن ذاك.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك، أنيس الخصاونة، يرى أن طرح فكرة الحكومات البرلمانية في هذا الوقت، "يأتي لامتصاص السخط الشعبي على مشروع قانون الضريبة، وعلى الأوضاع الاقتصادية بشكل عام".
يقول لـ"عربي21"، إن "مطلب الحكومات البرلمانية هو مطلب مزمن، طرحته الحكومة الحالية للخفيف من سخط الشارع عليها"، مستبعدا أن "يرى الأردنيون حكومة برلمانية في عهد الحكومة الحالية بسبب شكل التشريعات الموجود كقانوني الأحزاب والانتخاب وعوامل ومؤثرات خارجية وداخلية".
وطرح ناشطون في الحراك الأردني إلى جانب أحزاب وقوى سياسية طيلة السنوات الماضية ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية، وسياسية/ لأزمة لتفعيل النص الدستوري القائل إن نظام الحكم نيابي ملكي وراثي وصولا لحكومات برلمانية.
ويعتقد وزير التنمية السياسية الأسبق، صبري ربيحات، أن توقيت طرح الحكومات البرلمانية في الأردن "يأتي في ظل حجم ضغط شعبي، ورقابة شعبية غير مسبوقة، وجاهزية للمحاسبة، والرقابة دون اللجوء للآليات التقليدية التاريخية".
معتبرا في حديث لـ"عربي21"، أن "الفكرة قابلة للتطبيق في حال توفرت النوايا، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم ثقة الناس في أطروحات الحكومة للإصلاح السياسي، إذ لا يجد المواطن أي أمل سوى ما هو موجود في الأوراق النقاشية التي طرحها الملك بخصوص الإصلاح".
وطرح الملك عبد الله الثاني في عام 2013 ورقة نقاشية، قال فيها إن "مسار تعميق ديمقراطيتنا يكمن في الانتقال إلى الحكومات البرلمانية الفاعلة، بحيث نصل إلى مرحلة يشكل ائتلاف الأغلبية في مجلس النواب الحكومة، وفور انتهاء الانتخابات النيابية القادمة، سنباشر بإطلاق نهج الحكومات البرلمانية".
إلا أن ما أورده الملك في الورقة النقاشية لم يجد طريقه إلى التطبيق، والتفت حكومات على ذلك من خلال إطلاق مشاورات مع النواب حول تشكيل الحكومة، معتبرة ذلك "شكلا من أشكال الحكومة البرلمانية".
ربيحات يرى أن الشكل الحقيقي للحكومات البرلمانية هو أن "تنتخب المجالس النيابية على أسس برامجية في ظل وجود حياة حزبية متطورة تتقدم لشغر مقاعد النواب، وتشكل الكتل الفائزة الحكومة، ما يتطلب إصلاحا لقوانين الأحزاب والانتخاب وإنتاج حالة سياسية جديدة".
اقرأ أيضا: رد مثير من نائب رئيس اتحاد الطيارين الأردني على الرزاز
خطوة استباقية
النظام في الأردن استبق أي خطوة مستقبلية لتشكيل حكومات برلمانية، بحصر تعيين المناصب الأمنية والحساسة في يد الملك بعد أن أجرت المملكة تعديلات دستورية عام 2016 منحت الملك الحق حصريا بتعيين كل من: ولي العهد، ونائب الملك، ورئيس وأعضاء مجلس الأعيان، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، ورئيس المجلس القضائي، وقائد الجيش، ومدير المخابرات، ومدير الدرك، دون تنسيب من رئيس الوزراء والوزير المختص.
ويتخوف النظام في الأردن من وصول قوى الإسلام السياسي، وأبرزها جماعة الإخوان المسلمين، إلى سدة الحكومة كما حصل في دول عربية في حال تطبيق الحكومات البرلمانية.
في وقت يدعو أمين عام حزب المؤتمر الوطني زمزم رحيل غرايبة،"لخلع قميص عثمان، والانتهاء من هذا التخوف". قائلا لـ"عربي21" إن "خصوم الاسلاميين سيبقون يتشبثون بهذه المسألة، التي يجب الانتهاء منها فليفز من يفز، الأحزاب الإسلامية أو أحزاب وطنية".
ويطرح الغرايبة أسئلة كثيرة حول شكل الحكومة البرلمانية، والولاية العامة لهذه الحكومة، يقول: "التقينا الرئيس الرزاز حول هذه الفكرة، وطرحنا أسئلتنا حول مدى جدية هذا الطرح، وأكد لنا أنها فكرة جدية وكل الأطراف متفقين على الذهاب للحكومات البرلمانية، وطرحنا ما شكل هذه الحكومة؟ وشددنا على أن تكون حزبية، وهذا يتطلب تعديلات لقانون الانتخابات والنظام الانتخابي لإفراز برلمان وتنافس على أساس برامجي".
وحول سحب صلاحيات من الحكومة في التعديلات الدستورية الأخيرة، يرى الغريبة "أنها سهلت الوصول لحكومة البرلمانية، بعد أن تم إخراج التعيينات العسكرية والأمنية، الأمر الذي سهل الذهاب للحكومة البرلمانية بحيث تدير هذه الحكومة الشأن السياسي".
الرزاز يعي أن "عدم ثقة الشعب"هي التحدي الأكبر أمام حكومته، كما قال في محاضرة له قبل أيام، إلا أنه يطلب مهلة مجددا مدتها سنتين كي يلمس المواطن إصلاحات سياسية واقتصادية.
يصف الرئيس مهمته كمن يقود طائرة معطلة يريد إصلاحها بالجو كي لا تتوقف، لكن المواطن الأردني الذي اكتوى بقرارات اقتصادية وسياسية حكومية سابقة، يخشى من أن تسقط به الطائرة إلى وضع اقتصادي وسياسي أسوأ، فهل سينجح الطيار؟
رئيس الحكومة الأردنية للمواطنين: لا تفقدوا بصيص الأمل
"المعلمين".. أول نقابة أردنية ترفض قانون الضريبة المعدل
هكذا روّج الرزاز لقانون الضريبة الجديد.. وهكذا جاءته الردود