أثار استمرار وزارة
المالية المصرية بإصدار أذون الخزانة العامة
للدولة، التي وصل
الاقتراض بها فقط، الأحد، ( 42.4 مليار جنيه) تقريبا، مخاوف خبراء
ومحللين مطالبين بوضع حد لاقتراض الحكومة.
ودعا الخبير الاقتصادي الأممي الدكتور إبراهيم نوار، الدولة
المصرية لإصدار قانون يحدد سقف الاقتراض السنوي للحكومة، محذرا من أن "شهية الحكومة
للاقتراض بلغت حدا خطيرا يهدد بتعقيد الأوضاع بالنسبة للمالية العامة للدولة أكثر مما
هي عليه".
وتحت عنوان "شراهة الحكومة للاقتراض لم تتوقف، وبلغت مستوى
خطيرا"، كتب نوار، "منذ أسابيع حاول وزير المالية بحذر شديد تعويم فكرة إصدار
قانون يحدد سقف الاقتراض السنوي للحكومة.
وأضاف عبر صفحته بـ"فيسبوك"، "اليوم، تمت تسوية
إصدارات أذون الخزانة العامة للدولة (إصدار 2 تشرين الأول/أكتوبر) لتقترض الحكومة من
البنوك بيوم واحد ما قيمته (42.4 مليار جنيه) تقريبا، تستحق السداد خلال فترة تتراوح
بين 3 أشهر إلى سنة".
وأوضح أن "الحكومة سوف تقترض أيضا الخميس، ومن المرجح
أن تصل قيمة الاقتراض الفعلي 20 مليار جنيه، وهو ما سيرفع المتوسط اليومي للاقتراض
الحكومي لما يقرب من 6 مليارات جنيه يوميا"، مؤكدا أن "هذا يمثل تخريبا مريبا
للمالية العامة للدولة، التي تكافح لتخفيض العجز وتحقيق التوازن".
وجزم نوار بقوله "ليس هناك من سبيل لوقف هذه المهزلة في
تردي حال المالية العامة للدولة، إلا بإصدار قانون صارم، يلزم الحكومة بسقف محدد للاقتراض
لا تتجاوزه، ويضع كلا من وزير المالية ومحافظ البنك المركزي بموقع المسؤولية والمحاسبة
حال انتهاك القانون".
انتهاك الموازنة
وبحديثه لـ"
عربي21"، أشار نوار، لأهمية القانون، مؤكدا
أن "الحكومة تريد أن تصرف من مال ليس له صاحب دون أي قيود"، موضحا أن
"الموازنة العامة للدولة تصدر بقانون، ومع ذلك يتم انتهاك قانون الموازنة صباحا
ومساء".
وأضاف أنه "قبل نهاية السنة المالية الماضية أصر وزير
المالية عمرو الجارحي، آنذاك على إصدار تشريع بموازنة تكميلية؛ لأن مخصصات الموازنة
نفذت قبل نهاية السنة المالية، وأظنه لم يكن سعيدا وطلب إعفاءه بالتشكيل الحكومي الجديد".
"سقف أمريكا وفخ مصر"
وفي تعليقه، أكد الخبير الاقتصادي رضا عيسى أهمية هذا القانون
وضرورته لتقليل حجم تبعات
الديون على الأجيال القادمة، موضحا أن أمريكا ذاتها لديها
سقف للديون لا تتجاوزه عبر الكونجرس.
عيسى، أشار لـ"
عربي21"، إلى دور البرلمان بمثل هذا
القانون بجانب خبراء الاقتصاد وقادة المجتمع المدني، محذرا بقوله إننا "اليوم
نقرر الاقتراض ونسقط بفخ الديون ونظلم بذلك الأجيال القادمة التي ستتحمل عاقبة الديون
بدفع أصولها وبانهيار منظومة الخدمات التي ستصل إليهم".
وحول توقعاته لاحتمال صدور قانون بهذا الإطار، قال "بكل
أسف لن يصدر"، مشيرا إلى أنه "حذر منذ فترة من أننا سوف نقترض حتى نسدد فوائد
الديون، وأن هذا ما أعلنه وزير المالية قبل أسابيع".
وبين عيسى أن الأزمة الحقيقة هي السقوط بفخ الديون، موضحا أن
"رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد، في أثناء زيارة القاهرة إثر ثورة يناير 2011،
نصح المصريين بعدم الاقتراض من صندوق النقد الدولي"، مشيرا إلى أن الصندوق فرض على مصر اقتراض 9 مليار
دولار من بنوك وجهات دولية عدة بجانب 12 مليار دولار هي قرض الصندوق نفسه لمصر.
"هكذا وصل إلينا لهذه الحالة"
وشرح الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، كيف وصلت مصر لتلك الحالة
مع الديون، مؤكدا أنها بدأت إثر الانقلاب العسكري في 2013، بأن منحت دول الخليج (السعودية
والإمارات والكويت والبحرين) مصر منحا لمدة عام ونصف تقريبا على هيئة أموال وبترول
خلال عامي 2014 و2015، وأن سعر البترول كان
نحو 114 دولارا للبرميل، لكنه في حزيران/يونيو 2015، انخفض ما دفع تلك الدول لوقف منحها
لمصر، بعدما استدانت هي أيضا لتعويض عجز موازناتها.
رئيس تحرير الأهرام الأسبق، أضاف لـ"
عربي21"، أن
النظام على إثر ذلك بدأ يتحول للاستدانة وظل لمدة عام يقوم على القروض من تلك الدول، حتى فكر بالبديل وبيع سندات للخارج في 2016، ثم توجه لاقتراض 12 مليار دولار من البنك
الدولي، و1.5 مليار دولار من البنك الإفريقي، و3 مليار دولار من البنك الدولي وغيرها
من الجهات الدولية والبنوك المانحة.
وأشار نقيب الصحفيين الأسبق، إلى استمرار النظام بتلك السياسة
خلال 2017 و2018، بالاقتراض الخارجي وطرح السندات، ومن المتوقع استمراره في 2019، موضحا
حجم الكارثة بأن الدين الخارجي وصل نحو 92 مليار دولار، وأن مصر تعاني الآن من هروب
الأجانب الذين اشتروا بنحو 23 مليار دولار أذون خزانة، ثم باعوا منها مرة واحدة نحو
8 مليار دولار حسب مؤسسات بحثية مصرية ومن 4 إلى 7 مليار حسب بيانات حكومية، مؤكدا
أن الأجانب لم تعد تغريهم السندات المصرية بفائدة 19.7 بالمئة الآن وتوجهوا نحو الأرجنتين
60 بالمئة وتركيا 24 بالمئة.
وحول القانون المقترح، يرى الولي أن هناك أعرافا يجب الالتزام
بها من أجل الأجيال القادمة، مشيرا إلى أن دولة مثل النرويج أنشأت صندوقا للأجيال القادمة
تودع به نسبة من مبيعات الوقود لديها، مبينا أن هذا القانون مسؤولية البرلمان والجمعيات
الأهلية والنقابات والاتحادات والمؤسسات الفكرية، التي يجب أن تعلن أن التمادي في الاقتراض
خط أحمر، لكنه أكد أنه طالما نعيش بمنطق "ما أريكم إلا ما أرى"، فلن يتحقق
شيء.