نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للأكاديمي المتخصص في السياسات الروسية في العالم العربي أدلين محمدي، يقول فيه إنه كان من المفترض أن يصل ولي عهد الإمارات ونائب القائد العام للقوات المسلحة الإماراتية، محمد بن زايد، والمعروف أيضا بالمختصر "م ب ز"، إلى باريس، في الخامس عشر من تشرين الأول/ أكتوبر للعاصمة الفرنسية باريس، للاجتماع مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتم إلغاء هذه الزيارة قبل أيام من موعدها.
وينقل الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، عن الرئاسة الفرنسية قولها في بيان لها، بأن باريس وأبوظبي تعملان على تحديد موعد جديد للزيارة، دون تحديد أسباب إلغاء ولي العهد الإماراتي للزيارة.
ويشير الموقع إلى أن كلا من ماكرون وابن زايد التقيا أول مرة في باريس في حزيران/ يونيو 2017، بعد شهر ونصف من أداء ماكرون للقسم، ثم في أبو ظبي في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي لافتتاح متحف اللوفر في أبو ظبي.
ويلفت محمدي إلى أن تلك الزيارات تؤكد العلاقات الثنائية القوية بين فرنسا والإمارات، فهناك ما قيمته 5.17 مليارات دولار من الصادرات للإمارات عام 2017، وتعد الإمارات ثاني شريك تجاري لفرنسا في الخليج، بحسب وزارة المالية الفرنسية، فيما تصل قيمة التبادل التجاري مع السعودية إلى 9.8 مليارات دولار.
ويذكر الموقع أن صفقات الأسلحة الأخيرة، التي تم توقيعها مع الإمارات، ستؤدي إلى زيادة في التعاون بين البلدين، مشيرا إلى أن الإمارات اشترت سفينتين حربيتين من نوع "كورفيت-كلاس غويندس" فرنسيتين، بالإضافة إلى محطة طيران بحرية فرنسية قائمة في أبوظبي عام 2009.
ويقول الكاتب: "لو وضعنا العلاقات الثنائية الجيدة جانبا، فإن القادة الإماراتيين في وضع حرج؛ بسبب أن حليفهم الرئيسي في الخليج ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تتزايد عزلته".
ويؤكد محمدي أن "الإمارات تشعر بآثار مصير الصحافي السعودي جمال خاشقجي، الذي اختفى في تاريخ 2 تشرين الأول/ أكتوبر، بعد دخوله القنصلية السعودية في اسطنبول، وتدعي فرق التحقيق التركية بأن الصحافي الذي كان يعمل مع (واشنطن بوست) قتله فريق إعدام سعودي".
ويجد الكاتب أنه "مع تنامي الاتهامات للرياض، ومطالبات الحكومات الأوروبية (بمن فيها فرنسا) بتوضيح لما حصل، فإن المسؤولين الإماراتيين مصممون على الوقوف مع جارهم القوي، فيمكن أن يكون التوتر المتزايد هو سبب إلغاء ابن زايد لزيارته إلى باريس".
وينوه الموقع إلى أن فرنسا قامت يوم الخميس بسحب وزير ماليتها من مؤتمر الاستثمار السعودي؛ ردا على اختفاء خاشقجي دون إيضاحات سعودية.
ويستدرك محمدي بأن "محمد بن زايد هو أكثر من صديق لفرنسا، فولي العهد شخصية مهمة في (محور الاعتدال) -الذي يجب تسميته (محور النظام ومكافحة الثورة)- الذي تتزعمه الرياض وأبو ظبي، بالإضافة إلى أنه خلف جهود التحديث للجيش الإماراتي، التي بدأت في بدايات تسعينات القرن الماضي".
ويبين الكاتب أن "التحالف الإماراتي السعودي بدا أكثر قوة بسبب علاقة شخصية، حيث يعتقد أن ابن زايد هو معلم ولي العهد الأصغر سنا، محمد بن سلمان، مع أنه يجب علينا ألا ننسى أن القائدين يشتركان في أهداف استراتيجية كثيرة: احتواء إيران، وهزيمة الإخوان المسلمين، وتشكيل مستقبل منطقة الخليج بدعم سخي من أمريكا".
ويجد محمدي أن "استراتيجية الرياض وأبو ظبي عكستا في العادة قسوة وغطرسة، ومثال على ذلك اختطاف رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري قبل عام".
ويشير الكاتب إلى أن خاشقجي كان يميل لانتقاد الأسس التي تقوم عليها السياسة الخارجية السعودية في عموده في "واشنطن بوست"، وكان أيضا يدافع عن الإخوان المسلمين، وطالب بإنهاء التدخل العسكري السعودي في اليمن.
ويفيد محمدي بأن "اغتيال المعارضين العرب في المنفى ليس جديدا، فقتل مثلا مهدي بن بركة المغربي في فرنسا عام 1965، وموسى الصدر اللبناني الذي اختفى في ليبيا عام 1978، إلا أن هذه القضية الأخيرة تؤكد وجود توازن قوى جديد في المنطقة".
ويؤكد الكاتب أن "الاستراحة في الحرب السورية، إضافة إلى الإجماع تقريبا على معارضة تنظيم الدولة، قادا إلى تميز محاور ثلاثة: محور يضم الرياض وأبو ظبي والقاهرة (مع أن نظام السيسي لم يظهر عداء للنظام السوري)، ومحور يضم طهران ودمشق وحزب الله المعروف بـ(محور المقاومة)، ومحور يضم أنقرة والدوحة، الذي يمكن تسميته (محور الإصلاح الإسلامي)".
ويلفت محمدي إلى أنه بعد الانتصار الذي حققه (محور المقاومة) في سوريا، الذي أدت فيه موسكو دورا مهما، فإن الخلافات بين تحالف الرياض أبوظبي وتحالف أنقرة الدوحة طفت إلى السطح.
ويرى الكاتب أنه "لذلك وجد التحالف السعودي الإماراتي نفسه يواجه تهديدا مركبا: المشتبه بكونهم واسطة تغيير (ولم ترحب أيا من البلدين بالربيع العربي 2011) وبالذات الإخوان المسلمين من ناحية وإيران من ناحية أخرى".
ويستدرك محمدي بأن "الوقوف في وجه تركيا، وعزل قطر، وشن الحرب في اليمن (باسم محاربة إيران)، وإضعاف حزب الله في لبنان، هي مهمة صعبة حتى مع الدعم الأمريكي، بالإضافة إلى أن واشنطن تعول على محور الرياض أبو ظبي لتمرير (صفقة القرن) و(تسوية) المسألة الفلسطينية لصالح إسرائيل".
ويبين الكاتب أن "الأمر بالنسبة لأبو ظبي لا يتوقف عند علاقة جيدة مع الرياض، لكن الإمارات كشفت في السنوات الأخيرة طموحات سياسية وعسكرية تتجاوز منطقة الخليج، ففي مواجهة تركيا وما اطلق عليه اسم (محور الإصلاح الإسلامي)، شرع محمد بن زايد في معركة تأخذه خارج حدود الإمارات إلى ليبيا والقرن الأفريقي".
وينوه محمدي إلى أن لدى الإمارات طائرات "ميراج 2000"، فرنسية الصنع في قاعدة في عصب في إريتريا، فيما يملك الأتراك قاعدة عسكرية في الصومال، وفي ليبيا تدعم تركيا وقطر الإخوان المسلمين في مسراطة، في الوقت الذي تدعم فيه الإمارات ومصر المشير خليفة حفتر.
ويذكر الموقع أن فرنسا ترفض أن تتبنى جانبا من جوانب الصراع، وتحاول إبقاء علاقات طيبة مع الجميع، بالرغم من الحصار المفروض على قطر من جاراتها الخليجية، بالإضافة إلى أن قطر أيضا تشتري الأسلحة الفرنسية بانتظام.
ويستدرك الكاتب قائلا: "لكن خوفا من التهديد الإرهابي الذي يهدد ليبيا والساحل، فإن باريس تعلق آمالا على الرياض وأبو ظبي؛ للمساعدة في تمويل جي 5 الساحل (مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا)؛ لاحتواء خطر انتشار (الجهادية)".
ويقول محمدي إنه "بالإضافة إلى حارستها أمريكا، ومستشارتها السعودية، وصديقتها فرنسا، فإنه يمكن لأبو ظبي أن تعتمد على شريك آخر تختاره: روسيا، ففي السنوات الأخيرة برزت الإمارات بصفتها أول شريك اقتصادي لروسيا في الخليج".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه "من المنظور السياسي، فإن كلا من الإمارات وروسيا تشتركان في عقلية التعامل مع موضوع الأمن والقانون ذاتها (وبالذات عندما يتعلق الأمر بالإخوان المسلمين)، بالإضافة إلى أن تعاونا مستقبليا بينهما في الشأن اليمني ليس مستبعدا".
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا
أتلانتك: هذه الظروف الغريبة لاختفاء جمال خاشقجي
الغارديان: مخاوف على سلامة الصحافي السعودي جمال خاشقجي
التايمز: هل تم ترحيل المعارض السعودي خاشقجي من تركيا؟