تحدث رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح بخطاب المطمئن لجمع من الأعيان أعتقد شخصيا أنهم يشعرون بالضياع في ظل ما يشاهدون من ربكة وتناقضات على مستوى التصريحات والمواقف الرسمية.
تحوّل في الخطاب
أُثقل صالح سمع وبصر الرأي العام في بنغازي ومدن الشرق بخطاب الاستعداء لجبهة طرابلس وتشبعت لغة جمهرة من الرسميين بالبرلمان والجيش ومن ناصرهم من النخبة والنشطاء بمفردات الإرهاب والتخوين والاتهام بالوقوع تحت وصاية الغرب حتى صار اعتقادا راسخا لدى قطاع واسع بأن الشيطان قابع في الضفة الأخرى والشر كله عندهم ولا رجاء في الاقتراب منهم ولا حل إلا الاستئصال.
يبدو أن الموقف الرسمي هناك يتجه إلى التغير، ويتطلب تمرير التغيير معالجة الركام السابق من الدعاية السلبية من خلال إقناع الرأي العام بأن العدو لم يعُد عدوا، وأن من لا رجاء فيهم يرتجى منهم الخير اليوم.
ربما هذا بعض ما يفسر كلام عقلية صالح، بمعنى أنه بحاجة للتمهيد لمرحلة جديدة لا بد فيها من التوافق، ومن الضروري إقناع الرأي العام بخلاف ما أوصلت إليه حملتهم خلال الأربع سنوات الماضية.
خياران للخروج من الأزمة
لكن هناك بعد آخر يبدو أنه يفرض نفسه في التحليل ونحن نحاول قراءة كلام عقيلة صالح في وفد أجدابيا الكبرى أول من أمس. فقد تطرق رئيس البرلمان إلى الخيارين اللذين يفرضان نفسيهما بخصوص المخرج من الأزمة الطاحنة، وهما إما التوافق على إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وفق مقاربة ثلاثة أعضاء، عضو عن كل إقليم من الأقاليم التاريخية، طرابلس وبرقة وفزان. أو في حال الفشل في هذا المسار، بحسب صالح، فسيتم العودة إلى القرار رقم 5 لسنة 2014م للبرلمان والخاص بانتخاب رئيس مؤقت للبلاد إلى حين إجراء الانتخابات العامة.
البعد الآخر هو في اعتقادي متعلق بشغف وطموح السيد عقيلة صالح في الانتقال من كرسي رئاسة السلطة التشريعية إلى مقعد هرم السلطة التنفيذية.
هذا الشغف تحدث عنه برلمانيون، وأكده بعض أعضاء المجلس الرئاسي وهم يتحدثون عن أسباب الفشل في التوصل لاتفاق في جولات المفاوضات السابقة، فإلى جانب النقاط المتعلقة بدور ومكانة حفتر في التسوية السياسية، فإن عقيلة صالح يصر على أن يكون على رأس التشكيلة التنفيذية الجديدة.
وبالتالي فيمكن أن نفسر لقاءات عقيلة صالح هذه من قبيل الدعاية لنفسه وإقناع جبهته بأنه الأهل لحفظ مصالحهم والسير بالبلاد إلى بر الأمان.
لا أتصور أن التلويح باللجوء إلى القرار رقم 5 ومسألة الرئيس المؤقت جدية ومحسومة في دوائر القرار في الشرق الليبي كبديل في حال تعثر مسار التفاوض حول إعادة تشكيل المجلس الرئاسي، فهذا الخيار شديد الحساسية بالنسبة للمجلس الأعلى للدولة، ولا يمكن تمريره كخطة بديلة.
يدرك أعضاء المجلس الرئاسي أن الرئيس المؤقت لن يكون مؤقتا في هذه الظروف الصعبة، وها هو المجلس الرئاسي الذي من المفترض أن يكون عمره لا يتجاوز السنة يقترب من ثلاث سنوات ولا مؤشر قويا على أنه سينتهي.
وفي الأوضاع الانتقالية الاستثنائية البت في مدد وآجال المناصب السيادية أمر صعب، وعوامل إطالة عمر الأزمة ومن ثم المرحلة الانتقالية عديدة، ومن الواضح أن للمصالح الشخصية لعدد فاعل من الرسميين في المجلسين التشريعي والاستشاري والسلطة التنفيذية وتوابعها من مؤسسات حيوية تأثير ظاهر في هذا الخصوص، ورهانهم دوما يكون على توافر ضمانة الاستمرار في السلطة بشكل أو بآخر، وهو ما ينطبق على عقيلة صالح وغيره من الأسماء البارزة في المشهد السياسي الليبي اليوم.
حول التقارب بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا
مصر.. ورقة الشرعية في مواجهة الانقلاب