وول ستريت: لماذا نسي سعد الحريري قصة اختطافه بالرياض؟

نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا للصحافي نزيه عسيران، يقول فيه إن الزعيم اللبناني سعد الحريري لا يزال بعد عام تقريبا من استقالته تحت الضغط السعودي، التي تراجع عنها، مدينا للرياض، في وقت يكافح فيه لتشكيل حكومة، ولإدارة أزمة اقتصادية تلوح في الأفق.  

وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن محللين سياسيين لبنانيين، قولهم إنه لم يكن أمام الحريري، الذي وقع عليه الاختيار لتشكيل حكومة بعد انتخابات العام الجاري، خيار إلا أن يحضر مؤتمر الاستثمار السعودي الأسبوع الماضي، عندما احتاجت الرياض الى الدعم، وسط ضجة دولية بسبب مقتل الصحافي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في اسطنبول. 

ويقول عسيران إنه "يحتاج للدعم السياسي السعودي والمساعدات المالية للبقاء مسؤولا عن حكومة أخذ تشكيلها ستة أشهر، لكن يمكن أن تنعقد مساء الاثنين، بالإضافة إلى أنه يحتاج لمساعدة السعودية لمواجهة صعود منافسه السياسي، حزب الله، المليشيا والحزب السياسي المدعومين من إيران".

وتشير الصحيفة إلى أن الحريري ضحك في المؤتمر عندما مازحه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بخصوص الفترة في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي، حيث قضى 17 يوما وصفها الرئيس اللبناني ميشيل عون بأنها "اختطاف"، فقال الأمير محمد: "رئيس الوزراء سعد سيبقى ليومين في السعودية، فرجاء ألا تكون هناك إشاعات بأنه مختطف"، وأجاب الحريري مبتسما: "أنا هنا بمحض إرادتي".

ويجد التقرير أن إقامة الحريري المؤقتة في السعودية العام الماضي في السعودية تبقى غامضة، دون توضيحات رسمية من الحريري نفسه أو السعوديين، أكثر من الإنكار بأنه كان محتجزا رغما عنه، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي كان فيه الحريري هناك فإنه أذاع بيانا على التلفزيون، قال فيه إنه مستقيل وسيبقى في الرياض؛ لأنه يخشى الاغتيال في لبنان، ثم أجرى مقابلة مع التلفزيون السعودي، ظهر خلالها كأنه يأخذ التعليمات من مسؤولين حول ما يجب أن يقول.

ويلفت الكاتب إلى أن الحريري بقي في السعودية حتى 21 تشرين الثاني/ نوفمبر، ذهب بعدها إلى فرنسا، والتقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبعد ذلك، عندما عاد إلى لبنان، تراجع عن استقالته، واستمر في وظيفته رئيسا للوزراء.

وتورد الصحيفة نقلا عن مدير مركز دراسات السياسة في بيروت سامي عطا الله، قوله إنه في الوقت الذي انزعج فيه كثير من اللبنانيين من عناق الحريري للأمير محمد، إلا أن تلك المظاهر مهمة للحريري، الذي كان يعرب عن دعمه لراع سياسي مهم في لحظة حرجة لكل من السعودية ولبنان، ففي نظام لبنان السياسي المتشظي، تقوم السعودية وإيران وغيرها من القوى الإقليمية بتمويل الأحزاب، وتؤثر على السياسة من خلف الكواليس، والحريري هو أكبر حلفاء السعودية في لبنان. 

وأضاف عطا الله: "الحريري مضطر لإرضاء القيادة السعودية.. فإن تخلى عن داعميه الدوليين في الوقت الذي يستقبل فيه الآخرون الدعم المالي والعسكري والسياسي، فإنه سيضعف أكثر". 

ويفيد التقرير بأن تحالف الحريري عانى من خسارات كبيرة في انتخابات أيار/ مايو، ويحتاج إلى تنازلات من الأحزاب التي تدعمها السعودية لتشكيل حكومة، لافتا إلى أن تشكيل حكومة عاملة يأخذ عادة أشهرا، إلا أن ألتأخير هذه المرة يضر بالاقتصاد، ويتسبب بالقلق من أن يقوم المستثمرون الأجانب بسحب استثماراتهم، دافعين بالبلد إلى العجز عن دفع الديون الأجنبية، بحسب المتخصص في اقتصاد الأسواق الناشئة في شركة "كابيتال إكونوميكس" في لندن جاسون توفي.

ويبين عسيران أن تشكيل حكومة فاعلة، تمثل 18 طائفة مسيحية ومسلمة، شرط ليقبض لبنان 11 مليار دولار على شكل ديون ومنح من دول ودائنين دوليين، لدعم اقتصاد محطم، بسبب آثار الحرب الأهلية السورية، مشيرا إلى أن المبلغ يتضمن مليار دولار دين من السعودية. 

وتذكر الصحيفة أن الحريري يتصارع مع تصاعد سلطة حزب الله الشيعي، مشيرة إلى أن عدم تمكنه من احتواء صعود حزب الله كان أحد أسباب غضب السعوديين على قيادته العام الماضي، في الوقت الذي ساعدت فيه انتخابات شهر أيار/ مايو في تحسين وضع حزب الله بشكل أكبر.

وينقل التقرير عن مدير معهد الشرق للشؤون الاستراتيجية سامي نادر، قوله: "تملك إيران قبضة أقوى على لبنان؛ لأن لها أكثرية في البرلمان"، لافتا إلى أن المسؤولين السعوديين ومكتب الحريري لم يستجبوا لطلب التعليق.

وينوه الكاتب إلى أن الحريري عمل هذا العام للإبقاء على علاقات جيدة مع السعودية، مسقط رأسه، والبلد الذي أصبح فيه أبوه، رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري، مليونيرا من خلال اعمال البناء، مشيرا إلى أن الحريري قابل الأمير محمد عدة مرات، وسافر إلى الرياض منذ ما حدث في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ونشر صورا على "تويتر" لصور "سيلفي" مع الأمير محمد، مبالغا فيها لأجل الكاميرا.

وتذكر الصحيفة أن الحريري أشاد بالأمير محمد خلال مؤتمر الأسبوع الماضي؛ لجهوده في دعم حزمة المساعدات للبنان، التي يمكن الاستفادة منها بعد أن تتشكل الحكومة، وقال الحريري: "كنت على اتصال مستمر بولي العهد بشأن إسهام المملكة.. بالإضافة إلى أنه أدى دورا مهما في الحديث مع دول أخرى لتشجيعهم على الاستثمار في لبنان".

وبحسب التقرير، فإن مديونية لبنان تصل بالمقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي إلى 150%، وهي ثالث أعلى نسبة في العالم، مشيرا إلى أن الحكومة تنفق نصف دخلها لسداد الديون، وفي أيلول/ سبتمبر ارتفعت تكلفة تأمين مديونية لبنان ضد التخلف في الدفع إلى 600 نقطة أساسية، وسط شكوك حول مقدرة لبنان على تسديد ديونه. 

ويورد عسيران نقلا عن مدير البنك المركزي اللبناني رياض سلامة، قوله إن لدى البلد الأدوات التي تمنع من تخفيض العملة، بما في ذلك 44 مليار دولار احتياطي عملة صعبة، وأضاف أن البلد بحاجة لتشكيل الحكومة للتمكن من الاستفادة من حزمة المساعدات الدولية، والقيام بتغييرات اقتصادية.

وتختم "وول ستريت جورنال" تقريرها بالإشارة إلى قول سلامة: "هناك حاجة للإصلاحات.. وكلما كان الأمر أسرع كان ذلك أفضل".

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)