في
تصريح أثار غضب
أطباء مصر، أكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزيرة الصحة هالة زايد،
الاثنين، أن مشكلة نقص الأطباء بمستشفيات الدولة لا يحلها إلا وقف تجديد الإجازات للأطباء
العاملين بالخارج، وعودتهم لمصر.
أطباء تحدثوا لـ"
عربي21"، أكدوا أن هذا التوجه يمثل ظلما وتعسفا لحقهم بالكسب والعمل،
مستبعدين تركهم عقود عمل بآلاف الدولارات والريالات لأجل 2000 جنيه شهريا، موضحين أن
البديل أمامهم هو الاستقالة والبقاء بالخارج.
وعلى
الجانب الآخر، فإن وجهة النظر الحكومية لحل أزمة نقص الأطباء تعتمد على القرارات واجبة
التنفيذ، مثل محاولات برلمانية بإلزام أطباء المستشفيات الحكومية بالتفرغ ومنع ممارستهم
العمل بعيادات ومستشفيات خاصة، وأخيرا -على لسان رئيس الوزراء- بوقف حصولهم على إجازات
للعمل بالخارج.
وعبر
مجلس النواب، تقدم البرلماني عصام الصافي، في 17 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بمقترح لقانون
يحظر جمع الطبيب بين العمل بمستشفيات الدولة والعمل الخاص، بدعوى حل الأزمة.
من
جانبها، أعلنت وزيرة الصحة، هالة زايد، إثر وفاة 3 مرضى بجلسات الغسيل الكلوي بمستشفى
ديرب نجم، بالشرقية، في أيلول/ سبتمبر الماضي، أمام مجلس النواب، أن 60 بالمئة من الأطباء
المصريين يعملون بالسعودية، و50 بالمئة ممن بقوا يعملون بالقطاع الخاص، مؤكدة أن الحل
عودة الأطباء للعمل بمصر.
وفي30
نيسان/ أبريل الماضي، تحدث نقيب أطباء الجيزة، محمد نصر، عن انخفاض عدد أطباء وزارة
الصحة من 40 ألف طبيب عام 2010، لأقل من 28 ألفا، محذرا من مخاطر هجرة الأطباء، ومطالبا
بتصريح لصحيفة "الأهرام" بتوفير بيئة عمل مناسبة لوقف هروبهم.
وتشير
الإحصائيات الرسمية إلى أن متوسط عدد الأطباء بالنسبة لعدد السكان ينخفض بشكل كبير إلى
طبيب واحد لكل 970 مصريا، بينما المتوسط العالمي طبيب واحد لكل 350 شخصا.
لهذا
يهرب الأطباء
ويرى
المسؤول السابق بوزارة الصحة، الدكتور مصطفى جاويش، أن تفكير رئيس الوزراء بمنع الأطباء
من
السفر للخارج يمس 140 ألف طبيب، مبينا أن إحصائية نقابة الأطباء تكشف أن عدد المسجلين
لديها 240 ألفا، منهم 100 ألف طبيب بمصر، والباقي بالخارج .
جاويش،
تساءل بحديثه لـ"
عربي21"، "لماذا أصبحت مصر دولة طاردة للأطباء؟"،
ليجيب بقوله: "لأن ظروف العمل سيئة لعدة أسباب، أولها: عدم وجود أمان في بيئة العمل، وتعرض الأطباء لإهانات الجمهور، والإهانات المستمرة من قوات الأمن والنيابة العامة"،
مشيرا إلى حوادث اعتداء على أطباء بالمطرية والعاشر من رمضان من قبل أمناء شرطة ووكيل نيابة.
وتحدث
الطبيب المصري عن نقص الإمكانيات والأدوية والمستلزمات، وعدم القدرة على تقديم الخدمة بكفاءة، بالإضافة لقلة فرص التدريب، والتكلفة العالية للدراسات العليا والتخصص العلمي والمهني.
وأشار إلى انتشار العدوى ونقص إمكانيات التحكم بها، كما حدث مع دخول مريض (إيدز) مستشفى المنيرة
الأسبوع الماضي وهو ينزف، في حين أن بدل العدوى للطبيب ما زال 29 جنيها بحكم المحكمة،
مضيفا: "ناهيك عن ضعف الرواتب -125دولارا شهريا- بينما لا يقل عن 1000 دولار في الخارج".
جاويش،
انتقد لجوء رئيس الوزراء للسلطة وقوة القهر بمنع الإجازات، مؤكدا أن ذلك "يؤدي
لنقص تحويلات المصريين بالخارج -المورد الثالث للدخل القومي بعد قناة السويس والسياحة-"،
مبينا أنه قد "يدفع الأطباء للاستقالة كحق قانوني، ما يزيد تردي منظومة الصحة"،
وقال: "الأولى برئيس الوزراء أن يبحث طرق تحسين أحوال الأطباء العلمية والمهنية
والمعيشية وبيئة العمل بدلا من الأساليب التعسفية".
وفي
تعليق، عبّر طبيب مصري مقيم بالكويت عن غضبه قائلا: "إنهم لا يرحمون ولا يخلوا
رحمة ربنا تنزل"، مشيرا لقول العالم الراحل أحمد زويل: "الغرب ليسوا عباقرة
ونحن لسنا أغبياء؛ هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل".
الطبيب
الشهير بمجال تخصصه، ورفض ذكر اسمه لـ"
عربي21"، أكد أن "الفارق كبير
بين ما يحصل عليه الطبيب بمصر والخارج"، معتقدا أن "طبيبا بمصر حاصل على
ماجستير ومر على تعيينه بمستشفيات الحكومة 10 سنوات، فإن راتبه الشهري 3 آلاف جنيه، بينما
راتبه خارج مصر يصل بين 10 أضعاف إلى 20 ضعفا"، مشيرا إلى أن أجر الطبيب الاستشاري
بالسعودية نحو 50 ألف ريال شهريا، وبأمريكا يصل 500 ألف دولار سنويا.
وحول
الحلول البديلة للأطباء، أكد أنه لا بديل سوى الاستقالة من العمل الحكومي والبقاء بالخارج،
موضحا أنهم يعيشون أوضاعا عملية وعلمية بالخارج لا يمكن تحقيقها بمصر.
وعلى
الجانب الآخر، أكد المدير التنفيذي للمركز المصري لحماية الحق بالدواء محمود فؤاد، أن
"تصريح مدبولي، لم يتحول بعد لقرار رسمي، وهو مجرد اتجاه داخل الحكومة، وهي دعوة
منه بحضور نواب بالبرلمان لعودة الأطباء لتعويض النقص".
فؤاد،
أوضح لـ"
عربي21"، أن وجهة نظر الحكومة قائمة على حاجة المستشفيات لأطباء،
مؤكدا أن هناك حلولا أخرى، ولكن لا بد أن تكون بعيدة عن العنصر البشري، خاصة أنه وسط
العجز بالكادر الطبي فالإمكانيات ضعيفة.
ويعتقد الطبيب المصري أن لدى الأطباء بديلا غير الاستقالة؛ بالانقطاع عن
العمل، ومن ثم تفصلهم الوزارة، وعند عودتهم يقيمون دعاوى قضائية للحصول على أحكام عودة
للعمل.
وأكد
أن الحل المادي من الدولة ليس سهلا، فلو تم رفع رواتب الأطباء، سيطالب الصيادلة وأطباء
العلاج الطبيعي والتمريض بالمساواة، مضيفا أن الحل يجب أن يكون توافقيا في إطار القانون، بعيدا عن أي انتهاكات قد تحدث مستقبلا، وعبر حوار بين النقابة والوزارة كون السفر والعمل
والتنقل حق لأي إنسان.