قرر ملاك ورؤساء تحرير بعض المواقع الإلكترونية التي تعمل في مصر منذ سنوات غلق تلك المواقع وتسريح ما لديها من صحفيين وخدمات معاونة، وذلك لعدم قدرتهم على دفع مبلغ 50 ألف جنيه (نحو 2800 دولار) لترخيص تلك المواقع، إلى جانب إيداع 100 ألف جنيه أخرى (نحو 5600 دولار) كرأسمال لها.
وطالب المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، المواقع الإلكترونية، غير المرخصة بتقنين أوضاعها بداية من الأحد، 21 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ولمدة أسبوعين في مدة قاربت على الانتهاء، للحصول على ترخيص 5 سنوات، وذلك تنفيذا للقانون (180 لسنة 2018) الخاص بتنظيم الصحافة والإعلام، والذي يعطي المجلس حق ترخيص الوسائل الإعلامية والمواقع الإلكترونية، بمصر.
وتنص المادة (60) من القانون: أنه يقدم طلب إنشاء أو تشغيل الوسيلة الإعلامية أو الموقع الإلكتروني، للمجلس الأعلى، مقابل رسم لا يجاوز 250 ألف جنيه للوسيلة الإعلامية و50 ألف جنيه للموقع الإلكتروني، وتقديم بطاقة الرقم القومي لمالك الموقع ورئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير وصحيفة الحالة الجنائية للمالك والبطاقة الضريبة والسجل التجاري.
وأقر رئيس سلطة الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي، قانون "مكافحة جرائم تقنية المعلومات" في 2018، والذي أثار الجدل والمخاوف حول حرية التعبير والصحافة بالبلاد؛ حيث يتيح حجب المواقع والصفحات الإلكترونية التي تبث أخبارا تعتبرها الدولة كاذبة أو تنتهك القيم المصرية، كما يعاقب القانون المسؤولين عن ما أسماها المواقع والصفحات "المعادية" بالحبس 6 أشهر وغرامة 50 ألف جنيه.
وفي مؤتمر صحفي السبت 20 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، شدد وكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام عبد الفتاح الجبالي، على أن ما أسماها بـ"الكيانات الإرهابية والمحرضة ضد الدولة محرومة من الحصول على تراخيص لإصدار مواقع إلكترونية لها "، موضحا أن معظم المواقع الإلكترونية غير مرخصة، وأن الصادر منها عن الجهات الحكومية له وضع خاص.
وبين الجبالي، ضرورة توضيح مصادر تمويل المواقع والهيكل التحريري والإداري لها، وإيداع 50 ألف جنيه كرسوم كل 5 سنوات على أن يكون رأس المال بحد أدنى 100 ألف جنيه.
ونتيجة للتك المبالغ والإجراءات؛ أكد الصحفي (ع. ن)، أنه قرر غلق موقعه الإلكتروني -تم تدشينه قبل 8 سنوات- معتبرا أنها "ابتزاز للصحفيين وللمواقع ومحاولة جباية للأموال على حساب الكلمة والمهنة التي أصبحت في انحدار شديد".
الصحفي الذي رفض ذكر اسمه واسم موقعه أوضح لـ"عربي21"، أنه "مطلوب أولا كي أحصل على ترخيص موقعي: أن أقدم كامل بياناتي وسيتم التحري عنها أمنيا وعن كل مجلس الإدارة والتحرير، إلى جانب مطالبة إدارة الموقع بتعيين 70 من العاملين به بشكل رسمي وضمهم للتأمينات الاجتماعية"، مبينا أنها "تكلفة عالية".
وأضاف "وثانيا: يفرض القانون استخراج بطاقة ضريبية وسجل تجاري وتأسيس شركة رأس مالها 100 ألف جنيه مصري بهيئة الاستثمار بإدارة المحتوى الإلكتروني، مع دفع 50 ألف جنيه بحساب ببنك القاهرة"، مشيرا إلى أن نفس المبلغ يتضاعف بحالة وجود قناة عبر "يوتيوب" تابعة للموقع، مؤكدا أن "كل ذلك لأحصل على رخصة لمدة 5سنوات فقط".
وأثار القضية عبر صفحته بـ"فيسبوك"، الكاتب الصحفي أسامة الكرم، الجمعة، قائلا: "بكل أسف سوف نغلق موقع جريدة (حديث المدينة) على الإنترنت"، مضيفا: "لن نستطيع دفع رسوم للحكومة 50 ألف جنيه كل فترة"، مشيرا إلى أنه "لن يتبقى مواقع إلا لمن يقدر أن يدفع".
وأعرب عن أسفه لما آلت إليه الأوضاع بمهنة الصحافة وحرية التعبير، قائلا: "تقول كلمة تدفع مقابلها"، موضحا وضع زملائه بالموقع بأن الحزن يسيطر على الجميع، فيما وجه رسالته للسلطة قائلا: "أقيموا المزيد من القيود والحدود والسدود وانتظروا الوعد الموعود".
وفي نداء وجهه للسيسي، رئيس تحرير موقع "العربي اليوم"، الصحفي أحمد سعد، قال فيه: "سيدي الرئيس عملنا في (العربي) 4 سنوات خدمنا فيها وطننا وأمتنا ولم نتلق أي مساعدة أو تمويل وأنفقنا من جيوبنا"، مضيفا أن "إجراءات ومطالبات الهيئة الوطنية للإعلام لترخيص المواقع وما تطلبه من أموال ليس في وسعنا"، مضيفا: "أرجو من سيادتكم التكرم وإصدار قرار بإعفائنا وكل المواقع العاملة بمصر من رسوم مجحفة ومبالغ فيها".
وحول مدى تأثير تلك الإجراءات واعتبارها تضييقا على حرية الصحافة، قال الكاتب الصحفي عماد أبوزيد: "بالفعل هي حرب على حرية الكلمة والإعلام؛ وليست تضييقا لأن التضييق معناه أن هناك هامشا تتحرك فيه، لكن الآن حتى الهوامش أصبحت مظللة باللون الأسود فلا تستطيع التحرك فيها".
أبوزيد، وصف ما يحدث الآن بمصر قائلا لـ"عربي21"، بأنه "عودة للصوت الواحد، وأنهم لايريدون لأي وسيلة إعلامية أن تنطق بغير ما يريدون؛ لهذا لابد أن يفرضوا كل وسائل التعجيز على المواقع والصحف والقنوات ويغلقوا عليك كل النوافذ".
وبشأن عدد المواقع التي ستغلق بالفعل جراء هذه الإجراءات، قال: "حتى الآن نقوم بالاتصالات مع أصحاب تلك المواقع وحصرها"، متابعا في كلمة أخيرة وجهها للنظام الحاكم بقوله: "ما طار طائر وارتفع إلا كما طار وقع؛ وليس بعد الصعود إلا الهبوط"، داعيا النظام بالنظر لما يحدث بالمنطقة العربية والتغيرات التي ستحدث قريبا، على خلفية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وأغلق النظام نحو 500 موقعا إلكترونيا منذ منتصف العام 2017، واعتقل عشرات النشطاء والمدونين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما أصدر البرلمان مجموعة من القوانين صنفها متابعون بأنها مكبلة لحرية الصحافة وتداول المعلومات.
صحف مصرية تكسر تجاهل إعلام النظام وتحذر من "لعنة خاشقجي"
لماذا يتراجع الاستثمار الأجنبي بمصر رغم "إصلاحات" السيسي؟
ما دلالات وقف مرتضى منصور عن ممارسة النشاط الرياضي؟