لسنوات طوال، مارست الصين سرقة الحقوق الفكرية من دول كثيرة، غير
عابئة بالقوانين الدولية لحماية الملكية الفكرية، وحققت من خلال هذه الانتهاكات
مكاسب اقتصادية لعقود من الزمن. هذه السرقات واقع لا مجال للشك فيه؛ فالصين هي
المصدر الأول للبضائع المقلدة في العالم، حتى أصبح مسمى البضاعة «الصينية» مرادفا
للبضاعة «المقلدة».
وفي حين شكلت هذه السرقات إزعاجا كبيرا وخسائر مستمرة للدول صاحبة
هذه الحقوق على مدى هذه السنين، ازدادت هذه الخسائر مع نمو الاقتصاد الصيني
واعتماد جزء متنامٍ منه على هذه السرقات، حتى ضاقت الدول ذرعا بسبب اللامبالاة
الصينية بأعراف وقوانين الملكية الفكرية، وتحديدا دول الاتحاد الأوروبي والولايات
المتحدة.
استمرت
الصين خلال هذه العقود في انتهاكاتها للملكية الفكرية بطرق عدة. فالشركات الصينية
تحصل على التقنية الغربية بطرق غير مشروعة بمباركة من الحكومة الصينية نفسها،
ويتهم الاتحاد الأوروبي الحكومة الصينية بأنها تضغط على الشركات الأجنبية
المستثمرة في الصين لتسريب تقنيتها للشركات المحلية ثمنا لإعطائها المجال
للاستثمار في الصين.
كما أن الصين تستحوذ على شركات تقنية في دول غربية، ومن ثم تنقل هذه
التقنية إلى الصين، وهو ما جعل الرئيس الأمريكي يحظر استحواذ الشركات الصينية على
نظيرتها الأمريكية. ولم تقف الصين عند هذا الحد، فشركات الأبحاث الغربية تتهم
الصين بمحاولات اختراق خوادمها الحاسوبية للحصول على نتائجها وتوجهاتها البحثية.
أما بالنسبة إلى الحقوق المسروقة، فقد تنوعت من الإلكترونيات إلى الملابس
والصناعات الدوائية والعسكرية؛ بل وحتى في الصناعات الغذائية.
تسبب
هذه الانتهاكات إزعاجا للحكومات الغربية على مستويات عدة، فمن الناحية الاقتصادية،
تشجع هذه الحكومات على الاستثمار في البحث والتطوير لضمان النمو المستمر في
اقتصاداتها، وعلى الرغم من أن نتائج البحث الربحية للشركات لا تظهر إلا على المدى
الطويل، فإنها تستثمر فيه لأسباب، منها أن الحكومات تعطيها حوافز مادية وتسهيلات
كثيرة، منها الإعفاء الضريبي، والاستثناء من بعض القوانين المحلية، والدعم الدولي
للاستثمار، والفوائد المنخفضة في القروض.
وبعد سنوات من الاستثمارات التي قد يجدي بعضها دون الآخر، تأتي الصين
لتقطف ثمرة هذا الاستثمار دون جهد وعناء؛ وهو ما زهّد المستثمرين في دعم البحث
والتطوير. وتشير إحصائية في عام 2016، إلى أن 42 في المائة من المستثمرين يحجمون
عن الاستثمار في البحث والتطوير بسبب عدم ضمان حماية نتائج أبحاثهم، وزادت هذه
النسبة في عام 2017 لتصل إلى 52 في المائة. ولا لوم على المستثمرين في ذلك؛
فالاستثمار في المعلومة دون ضمان حمايتها من السرقة هو استثمار لا جدوى فيه.
ويرى
الرئيس الأمريكي صراحة أن هذه السرقات الفكرية سبب رئيسي للنمو الاقتصادي في
الصين، أي أن الصين سرقت هذا النمو من الولايات المتحدة، وفي تحقيق أجراه البيت
الأبيض هذا العام، قدّر حجم الخسائر الأمريكية من حقوق الملكية بين 225 و600 مليار
دولار. وفي الحرب الاقتصادية الحالية، تحتل قضية الملكية الفكرية قمة القضايا التي
تتهم بها الصين.
وعلى الرغم من أن الخلاف الحاصل بين الولايات المتحدة والاتحاد
الأوروبي، فإنهما لا يختلفان البتة حين يتعلق الأمر بالانتهاكات الصينية للملكية
الفكرية، بل إن الاتحاد الأوروبي رفع شكوى ضد الصين لمنظمة التجارة العالمية لهذا
السبب، في اليوم نفسه التي تعرّض فيه هو والصين للرسوم الجمركية الأمريكية.
في
المقابل، فإن الرئيس الصيني كرر أكثر من مرة - كان آخرها في معرض الاستيراد الدولي
بداية هذا الشهر - أن الصين سوف ترفع من مستوى الحماية للحقوق الملكية، وأن
للشركات الأجنبية الحق في رفع قضايا على الشركات الصينية في حال تعرضها لسرقة من
هذا النوع.
وصرّح قاضٍ صيني في عام 2016، بأنه بتّ في 65 قضية رفعتها شركات
أجنبية على أخرى صينية، وأن جميع هذه القضايا حسمت لصالح الشركات الأجنبية، كما أن
الحكومة الصينية صرّحت مسبقا بأن نسبة كسب الشركات الأجنبية لهذا النوع من القضايا
يتراوح بين 80 و90 في المائة. لكن الأجدر بالصين هو منع هذه السرقات من حدوثها
بدلا من إرجائها للقضاء فيما بعد.
ويبدو
أن الشركات الصينية قد اعتادت على هذا النوع من السرقات مع مرور الوقت، حتى أن
تغيير هذه التقليد الصيني أصبح صعبا على الحكومة. ولا يبدو الخيار متاحا للصين في
هذا الجانب، فعلى الرغم من التباين في الخلافات بين الصين والكثير من الدول، فإن
غالبية هذه الدول تتشارك في الخلاف بخصوص حماية الملكية الفكرية؛ ما يجعل الصين في
اختبار صعب في قادم الأيام، وبخاصة مع التلميحات الأمريكية بأن بعض المنتجات
الصينية قد تمنع من الدخول لأمريكا إذا كانت هذه المنتجات مرتبطة بسرقات فكرية،
وهي خطوة قد تبدو عادلة إلى حد ما، فعلى الأقل لن تشتري الولايات المتحدة منتجات
صينية، مصنعة بتقنية أمريكية مسروقة!
عن صحيفة الحياة اللندنية