شهدت الأيام الأخيرة
خلافا دينيا ذا صبغة سياسية، بين مصر وإسرائيل وإثيوبيا، حول تبعية دير السلطان
الموجود بمدينة القدس المحتلة والذي تديره الكنيسة الأرثوذكسية القبطية منذ مئات
السنين، وتدعي أديس أبابا مؤخرا أن ملكيته تعود للكنيسة الإثيوبية.
وبرزت أزمة "دير
السلطان" على السطح بعد اعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي على رهبان الدير
الأقباط، الذين كانوا يحتجون على إسناد ترميم الدير لمهندسين أثيوبيين، وهي
الاحتجاجات التي شهدت اعتداءات على الرهبان واحتجاز للشرطة الإسرائيلية لأحدهم
لفترة وجيزة بعد تدخل الخارجية المصرية للإفراج عنه.
وتبع هذه الاعتداءات
إصدار بيان حاد من الكنيسة الإثيوبية، اتهمت فيه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية
بالتزوير والكذب فيما يخص ملكية الدير.
نزاع بين كنيستين
وفي بيان له الأربعاء
الماضي، شدد المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية على أن دير السلطان تابع
للكنيسة المصرية، واستشهد بحكم صادر من محكمة الصلح الإسرائيلية في تشرين الأول /
أكتوبر الماضي، بخصوص أعمال الترميم في دير السلطان تحت إشراف مهندس معين من قبل
الكنيسة القبطية، إضافة إلى حكم صادر من محكمة العدل العليا الإسرائيلية بتاريخ 16
آذار/ مارس 1971 لصالح الكنيسة القبطية الأرثوذكسية باستلام الدير بكل مشتملاته.
واعتبر البيان أن تلك
الأحكام جاءت لما لديها من مستندات تثبت ملكيتها وحيازتها للدير كوضع قانوني دائم
في الأراضي المقدسة، مؤكدا أن المجمع يرفض الرد على ما جاء في بيان الكنيسة
الأرثوذكسية الإثيوبية من اتهامات ظالمة وإهانات جارحة ومغالطات تاريخية بخصوص
ملكية وحيازة دير السلطان.
كانت الكنيسة
الإثيوبية قد أصدرت بيانا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، طالبت فيه الحكومة
الإسرائيلية ببدء ترميم كنيسة القديس “ميخائيل” المتضررة، وفقا لوعودها ودون إعاقة
مما وصفتها بالأعمال الاستفزازية للأقباط.، كما طالبت ببيان يشرح التاريخ الحقيقي
للدير بأنه ينتمي إلى الإثيوبيين وهو تراث قديم لكل الشعب الأسود ويعرض الأفعال
الخاطئة والاستفزازية للأقباط، على حد قولها.
كما قررت الكنيسة
الإثيوبية توجيه خطاب تقدير للحكومة الإسرائيلية بسبب موقفها المساند لها في
الأزمة.
"لن نتنازل عن الدير"
من جانبه أكد البابا
تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، أن هناك محاولات
مستميتة للاستيلاء على هذا الدير القبطي، رغم أن كل الأحكام الصادرة من المحاكم
الإسرائيلية في صف الكنيسة القبطية.
وأوضح البابا، في
تصريحات صحفية، أنه في جميع الاجتماعات التي جرت بين الجانب المصري والأثيوبي
بخصوص دير السلطان وكان الطرف الإسرائيلي طرفا فيه، كانت تل أبيب تميل بالكامل
لصالح الكنيسة الأثيوبية، مشددا على أن "دير السلطان" ليس مجرد كنسية
إنما قضية مصرية، وأن وزارة الخارجية والرئاسة تتدخل في الأزمة منذ بدايتها.
بدوره، أعلن الأنبا
"بيمن" أسقف مطرانية الأقباط الأرثوذكس بنقادة وقوص، مقرر لجنة إدارة
الأزمات بالكنيسة المصرية، أن الكنيسة المصرية لديها جميع الوثائق التي تثبت ذلك
ولن تتنازل عن الدير التاريخي الذي يمثل قيمة لا تقدر بثمن عند الأقباط منذ أكثر
من ألف عام.
وأضاف
"بيمن" أنه سافر على رأس وفد من الكنيسة إلى القدس المحتلة لبحث الأزمة
مع جميع السلطات وحل الأزمة، مشيرا إلى أن الكنيسة فتحت قنوات اتصال مع جميع
الأطراف بالتنسيق مع الدولة المصرية وأجهزتها.
صراع حول هوية القدس
وتعليقا على هذا
الموضوع قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط، عبد الخبير عطا، إن الكنيسة
القبطية الأرثوذكسية هي الكنيسة الأم والراعية للكنيسة الأثيوبية منذ مئات السنين،
ولم نر هذا النزاع بين الكنيستين إلا مؤخرا، كأحد نتائج الصراع بين البلدين على
مياه نهر النيل ولعب دور في القارة الأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط.
وأضاف عطا، في تصريحات
لـ "عربي21" أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو "من يقف وراء هذه
الفتنة وهذا الصراع الجديد بين مصر وأثيوبيا؟"، مشيرا إلى أن إسرائيل والحركة
الصهيونية العالمية تلعب دورا رئيسيا في تأجيج هذا الصراع.
وأوضح أن الصراع على
ملكية دير السلطان ليس بعيدا عن الصراع السياسي والعقائدي حول مدينة القدس المحتلة
التي تقول إسرائيل إنها ستكون عاصمة الإمبراطورية الصهيونية المقبلة، مشيرا إلى أن
هناك خطط استراتيجية وعسكرية لإحكام السيطرة على القدس المحتلة وتحويلها إلى عاصمة
لدولة الاحتلال بدلا من تل أبيب.
وأكد أن المسرح في
الشرق الأوسط يُعد لإنشاء إمبراطورية صهيونية عاصمتها القدس المحتلة، ولافتا إلى
أن هذا هو السبب الذي دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مطالبة
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تأجيل الإعلان عن صفقة القرن لحين الانتهاء من إعداد
المسرح جيدا لهذه الخطوة الخطيرة.
وأضاف أن هذا النزاع
هو خلاف مصطنع الغرض منه إضعاف الكنيسة المصرية، والتي تمثل أحد وجوه التواجد
العربي في القدس المحتلة، حيث تحاول إسرائيل سحب البساط من تحت أقدامها لصالح
الكنيسة الأثيوبية التي تتمتع بعلاقات وطيدة معها، وشدد على ضرورة دعم وتقوية
الأزهر والكنيسة المصرية اللذان يمثلان أحد أهم عناصر القوة الناعمة لمصر في هذا
الصراع.
شكوك برواية الداخلية المصرية عن مقتل 19 شخصا.. لماذا قتلوا؟
انتشار شبكات "تبادل الزوجات" بمصر يثير قلقا مجتمعيا
حملة برلمانية ضد ما تبقى من سلفيين في مساجد مصر