أفلت بنيامين نتنياهو حكومته من السقوط، وحل الكنيست والتوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، لحسابات تكتيكية حزبية، لا أكثر، وهذا لا يلغي مصلحته الشخصية بانتخابات مبكرة. وقد دارت الأيام الأخيرة، في ائتلافه ومعسكر اليمين الاستيطاني، حول استعراض عضلات: من يستطيع فرض أجندته على الجيش؟ ولكنهم كلهم يعلمون أن لا أحد منهم، قادر على أن يفرض إملاءاته على المؤسسة العسكرية، التي تقودها مصلحة الكيان العليا، آخذة بالحسبان سلسلة من الحسابات المحلية والإقليمية والعالمية.
والمثال الأبرز في السنوات الأخيرة، كان وزير الحرب المستقيل، أفيغدور ليبرمان، الذي برز على طول السنين، بخطاب عنصري إرهابي شرس، ولكن بالذات، خطاب تهديد ووعيد. وذكرت الساحة السياسية مرارا، وخاصة في الأسابيع الأخيرة، مقولته التي كان يرددها كاللازمة في كل خطاب: أنه لو أصبح وزيرا للحرب، فإن "إسماعيل هنية سيزول عن الوجود خلال 48 ساعة". والعبارة الأكثر ترددا في المقالات التي أعقبت استقالة ليبرمان: "هنية بقي وليبرمان طار".
وفور الاستقالة، ظهر وزير التعليم نفتالي بينيت، زعيم تحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي"، مهددا بالاستقالة والانسحاب من الحكومة، في حال لم يحصل على حقيبة الحرب. وقال، هو وزملاؤه، إنه سيغير استراتيجيات الجيش، "ليجعله ينتصر". وكما رأينا، فقد اضطر بينيت للتراجع أمام خطاب نتنياهو، الذي حذّر فيه اليمين الاستيطاني، من أن تفكك حكومته في هذه الظروف، سيُبعد هذا اليمين عن الحكومة المقبلة. وكالعادة، فإن نتنياهو كذب، ولكنه نجح، وحصلت ضغوط على بينيت وتحالفه للبقاء في الحكومة.
حتى عودة نتنياهو لرئاسة الحكومة في العام 2009، كان لقيادة جيش الاحتلال حضور أقوى إعلاميا، بمعنى مخاطبة الجمهور مباشرة. والآن، لم نعد نشهد هذا الحضور، وبالتأكيد بطلب من نتنياهو، كي يبقى وحده في الواجهة. ولكن ثبت أنه مازال للجيش القرار الحاسم لشن العمليات العدوانية. وما قرارات المصادقة الصادرة عن الحكومة ورئيسها، سوى ختم تنص عليه أنظمة الحكم. فلا أحد من السياسيين، على استعداد للمخاطرة بالرفض أو بالفرض، على أمور قد تكون فيها مخاطر بالأرواح، أو بالمكتسبات الأمنية.
وهذا لا يعني إطلاقا أن الجيش أفضل من حكومته، وبالذات الحكومة الحالية، التي وصفها الدقيق، أنها تعمل بعقلية عصابات منفلتة، عصابات الإجرام من العالم السفلي. إلا أن للجيش مؤسسات استخباراتية، تجري حساباتها الدقيقة، لكل واحدة من العمليات العدوانية المخططة. وبشكل خاصة حسابات رد الفعل، على كل المستويات. كما أن للارتباط العسكري الإسرائيلي عالميا، وخاصة بالمؤسسة العسكرية الأمريكية حسابات بوزن كبير، وأحيانا حاسمة.
ولذا، فإن المطلوب من الساسة أن يكونوا على ثقة بحسابات المؤسسة العسكرية، التي تبعد نفسها عن حسابات المكاسب الحزبية. ورغم هذا، فإن العسكر يبقي حيزا محدودا لحكومته، للمناورة، ولكن ليس على مستوى استراتيجيات عليا.
ورغم ذلك، فإن جيش الاحتلال يشهد منذ سنوات، تغييرات في تركيبته، وهذا ما تشير إليه التقارير التي تصدر تباعا منذ سنوات ليست قليلة؛ إذ تسلط التقارير الضوء على ارتفاع نسبة المتدينين من التيار الديني الصهيوني في سلك الضباط، على مختلف المستويات، من أبسط الوحدات الميدانية، وحتى قيادة الأركان.
ويجري الحديث عن التيار الديني الأكثر تطرفا سياسيا، وهو المسيطر سياسيا على مستوطنات الضفة، ويتغلغل بشكل غير مسبوق داخل حزب الليكود، ويؤثر على الشخصيات العلمانية فيه.
وحسب التقديرات، فإن حوالي ثلث الضباط في الجيش باتوا من هذا التيار. وهذه نسبة ترتفع باستمرار بفعل عاملين: أولا، أن نسبتهم من بين إجمالي اليهود آخذة بالارتفاع، وهم حاليا أكثر من 15 % من اليهود. ولكن ما هو أهم، أن الجاهزية لدى أبناء هذا التيار، للبقاء في الجيش النظامي بعد الخدمة العسكرية الإلزامية، هي ضعف الجاهزية التي لدى العلمانيين.
وزيادة نسبة هذا التيار الديني، الواقع تحت سطوة حاخامات متطرفين، ستنعكس بالضرورة على حسابات الجيش، وتعطي وزنا أيضا لحسابات أجندتهم الدينية والسياسية؛ ما يعني زيادة تطرف على التطرف القائم حاليا.
عن صحيفة الغد الأردنية