نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للكاتب جاكسون ديهل، يقول فيه إن أزمات السياسة الخارجية تكشف أحيانا عن قرارات رئاسية ذات أثر كبير، وتوضح وتبلور الحدس الجوهري للفرع التنفيذي من الحكومة، وتؤدي بالتالي إلى خطة طريق لإدارة الولايات المتحدة تتبعها بقية دول العالم.
ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن قرار الرئيس الأمريكي تبرئة محمد بن سلمان من جريمة قتل وتقطيع واحد من مواطنيه، سيكون واحدا من هذه المنعطفات.
ويرى ديهل أن "كلام ترامب يوم الثلاثاء بين (ربما عرف أو لم يعرف) هو محاولة في عيد الشكر لتخليص نفسه من مشكلة كبيرة في جزء من العالم يتمنى لو أنه ينساها، لكن مثل باراك أوباما، الذي تراجع عن خطه الأحمر عندما استخدم نظام بشار الأسد السلاح الكيماوي ضد شعبه، فإن الفشل في تحقيق العدالة للصحافي الذبيح جمال خاشقجي سيتردد صداه أبعد من الشرق الأوسط".
ويجد الكاتب أنه "في حالة أوباما فإن العالم اكتشف أن رئيس الولايات المتحدة لم يكن مستعدا لدعم قيادته بالقوة العسكرية، حتى ولو كان على حساب مصداقيته، وردت روسيا والصين بناء على هذا، أي غزو بحر الصين الجنوبي وأوكرانيا".
ويؤكد ديهل أن "جريمة قتل خاشقجي تكشف الكثير من الحقائق الأساسية حول ترامب، الأولى هي أن مصالحه الضيقة والمتمحورة حول الذات، والشخصية أحيانا، تتقدم على الدفاع عن القيم الأمريكية التقليدية، بما في ذلك معاملة صادقة مع حليف، فلن يدرس فقط أصدقاء محمد من الديكتاتوريين العرب هذه القضية، بل سيستنتجون أنه لو تملقت لترامب وتقربت منه بالمعاملة الباذخة، ودعمت تجارة عائلته، ووعدت أمريكا بشراء أسلحة فإنك ستفلت من أي شيء".
ويقول ديهل: "صحيح أن الولايات المتحدة تسامحت مع حقوق الإنسان، لكن هناك حدودا كما اكتشف أوغستو بينوشيه وشاه إيران سابقا وحسني مبارك قبل فترة، فمن خلال رفض ترامب فرض عقوبات على ولي العهد، حتى بعد توصل (سي آي إيه) إلى تورط ولي العهد في قتل خاشقجي، فإنه وضع معيارا جديدا، فالجريمة ليست فظيعة بحد ذاتها، ولا حتى نشر صحافي ناقد، ثم الكذب بوقاحة بشأنها على الرئيس ووزير الخارجية".
ويجد الكاتب أن "النتيجة هي حرب مفتوحة على الصحافيين والمعارضين وناشطي حقوق الإنسان للأنظمة التي تعودت للقلق من الرد الأمريكي، لكن رسالة ترامب الثانية كانت هي أن الخطف والقتل في بلدان ثانية أمر مباح، وتقوم الدول الغربية بمقاومة الموجة الجديدة من القتل الخطير والاختطاف الذي تقوم به الصين وروسيا".
ويشير ديهل إلى أن "فلاديمير بوتين عانى من عقوبات جديدة بعد محاولته تسميم العميل الروسي المزدوج في بريطانيا، ومع ذلك لم يظهر ترامب أي اهتمام لحقيقة أن الجريمة حدثت على أرض دولة أخرى، وفي داخل مؤسسة دبلوماسية، وهو جرم مزدوج بحسب الأعراف الدولية، وكون تركيا عضوا في الناتو فإن ذلك يقتضي من الولايات المتحدة تقديم الدعم لها".
ويقول الكاتب: "علينا ألا نندهش ونفاجأ لو اختفى معارضون آخرون وماتوا، بما في ذلك داخل العواصم الغربية، وهناك المئات من المنفيين المصريين في واشنطن، وأخبرني بعضهم أنه تعرض للتحرش والرقابة التي عانى منها خاشقجي قبل قتله، ولو اختفى أحدهم أو قتل فهل سيعاقب ترامب حليفه عبد الفتاح السيسي؟ وتعطي حالة خاشقجي الديكتاتور المصري الضوء الأخضر اللامع".
ويبين ديهل أن "هذا كله يعني أن حالة خاشقجي ستترك إرثا ساما: وهي تؤكد أن الحقيقة لم تعد مهمة للسياسة الخارجية الأمريكية، فرئيس على نمط سياسة كيسنجر ربما اعترف بجريمة محمد الشنيعة، وتوصل إلى أنه يجب العمل معه على أي حال، لكنه تساءل إن كان هذا البلطجي المفضل له علم بالجريمة أو لم يعلم، حتى بعد تأكيد وكالة الاستخبارات الأمريكية أنه مذنب".
ويلفت الكاتب إلى أن "هذا ينطبق على مبالغاته في العقود التي يتحدث عنها، ولم تف السعودية بأي واحد منها، ولا محاولاتها تخفيض إنتاج النفط، ولا الضرر الذي أحدثته لسياسة الاحتواء لإيران".
ويختم ديهل مقاله بالقول: "عندما تصبح الحقائق غير مهمة فإنه يمكن جز الأمريكيين طالما ظل ترامب يؤكد أن العكس قد حدث، وفي ظل غياب الحقيقة، فإن لا مقايضة ستحدث بين المحاسبة على الجريمة والمصالح الأمريكية، (فربما كان يعلم وربما لم يعلم) ستصبح غطاء لكل ديكتاتور طالما قال لترامب: (أنا معجب بك)".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
CNN: التداعيات العالمية لقتل خاشقجي.. أخبار سيئة للسعوديين
رئيس وكالة الأمن القومي الأمريكي السابق: على ابن سلمان التنحي
سوزان رايس: محمد بن سلمان لم يعد شريكا يوثق به