هل يستغل السبسي ملف الاغتيالات لتصفية حسابه مع النهضة؟

لم يمر لقاء الرئيس التونسي بأعضاء هيئة الدفاع بقضية اغتيال القياديين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وطرحه ملف ما بات يعرف بـ"الجهاز السري" لحركة النهضة في اجتماع مجلس الأمن القومي، دون أن يخلف جدلا حول دوافعه و مآلاته.

ويرى مراقبون، أن السبسي "لم يغفر للنهضة التي كانت في وقت ما حليفته في الحكم، اصطفافها مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد بمعركته مع الرئيس وابنه، عبر تزكيتها للتعديل الوزاري الذي رفضه الرئيس وحزبه".

وقال السبسي في كلمة خلال ترؤسه اجتماع مجلس الأمن القومي الخميس، إن النهضة ليست خصما له، وبأنه لم يتجاوز صلاحياته الدستورية من خلال تطرقه لملف "الجهاز السري" ضمن مؤسسة الرئاسة.

وأقر السبسي في تصريح غير مسبوق، باقتناعه بوجود جهاز سري في صلب حركة النهضة، بعد إطلاعه على الملفات والوثائق التي قدمتها هيئة الدفاع عن البراهمي وبلعيد.

ورفض بشكل قاطع ما أسماه "تهديدا للحركة لشخصه"، بعد بيان كانت قد أصدرته ونددت خلاله بالزج بمؤسسة الرئاسة في معارك و تجاذبات سياسية.

وكانت هيئة الدفاع عن البراهمي وبلعيد، قد صرحت أنها التقت السبسي بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس مجلس الأمن القومي لـ"التباحث قضية الاغتيالات السياسية ومابات يعرف بـ"جهاز سري" استعلاماتي لحزب سياسي في إشارة لحركة النهضة.

وقالت هيئة الدفاع إن النهضة "تمتلك جهازا سريا استخباراتيا موازيا مكلفا بالإعداد لعمليات اغتيال لقيادات سياسية بينها رئيس الجمهورية الحالي والرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، فضلا عن تورطها في الاغتيالات السابقة لقيادات يسارية".

اقرأ أيضا: تونس.. السبسي يُحرج النهضة ويصادق على المساواة في الإرث

وسارعت حركة النهضة لإصدار بيان شديد اللهجة نددت فيه "بزج رئاسة الجمهورية في معارك سياسية وتصفية حسابات"، واصفة ما حدث بـ"السابقة الخطيرة التي تتعارض مع حيادية مؤسسة الرئاسة، ودور الرئيس في تجميع التونسسين".

‎وحذرت الحركة في ذات البيان، من "إقحام مؤسسة الرئاسة بهدف ضرب استقلالية القضاء"، ودعت جميع الأطراف السياسية إلى "الحفاظ على الاستقرار الحكومي وعدم توتير الأجواء ما يهدد المسار الديمقراطي في البلاد".

وعبّر القيادي وعضو مجلس شورى النهضة زبير الشهودي في تصريح لـ"عربي21" عن استيائه مما أسماه "حملة مسعورة" ضد حركة النهضة "انخرط فيها الرئيس التونسي دون مراعاة رمزيته كرئيس جامع لكل الأطياف السياسية".

وتابع :"هذا تدخل صارخ في شؤون القضاء وكان أجدر بالرئيس أن ينأى بنفسه عن الدخول في مثل هذه الملفات التي عهدت لها بالنظر للجهات القضائية لقول كلمة الفصل فيها".

ودعا الشهودي، رئيس الجمهورية لـ"تحمل مسؤوليته السياسية بعد استغلاله جهاز الرئاسة للتشهير بحركة النهضة"، لافتا إلى أن الحركة "تدفع الآن فاتورة خيارها بدعم الاستقرار الحكومي بعد منحها الثقة لحكومة الشاهد".

وشدد في ختام حديثه، على أن "النهضة ستمضي في دعم الإستقرار الحكومي غير آبهة بسياسة الإبتزاز ولي الذراع".

اقرأ أيضا: هل يراهن الشاهد على "رموز التجمع" بمعركته ضد السبسي؟

وكان نور الدين بنتيشة المستشار السياسي لرئيس الجمهورية أكد خلال تصريحات إعلامية أن "مسألة ما يسمى بالتنظيم السري لأحد الأحزاب السياسية ستكون ضمن المواضيع التي يمكن طرحها والتدقيق فيها في مجلس الأمن القومي الذي سينعقد بقصر الرئاسة".

وفي السياق ذاته، اعتبر القيادي في نداء تونس حسن العماري في حديثه لـ"عربي21" أن اهتمام الرئيس بملف الجهاز السري الاستعلاماتي لأحد الأحزاب "يندرج في إطار صلاحياته كرئيس مجلس الأمن القومي من واجبه الاطلاع على قضية تتعلق بأمن البلاد".

واستبعد العماري ما أسماه بـ"نظرية المؤامرة وسياسة تصفية الحسابات بين الرئيس وحركة النهضة بعد إنهاء التوافق"، لافتا إلى أن "طرح ملف الجهاز السري على مجلس الأمن القومي جاء بعد تحول المسألة لقضية رأي عام ومطالبات بكشف الحقيقة".

واعتبر أن حركة النهضة "تحاول إظهار نفسها كضحية أمام الرأي العام من خلال ربط اهتمام رئيس الجمهورية بهذا الملف الحساس بالتوازي مع إنهاء التوافق معها".

ويرى الإعلامي والمحلل السياسي محمد بوعود لـ"عربي21" أن "معركة تصفية الحسابات بين الرئيس وحركة النهضة أصبحت على أشدها من خلال محاولة السبسي حشر الحركة في دائرة الخوف من المحاسبة واستغلال ملف الاغتيالات السياسية لجرها لبيت الطاعة بشروطه".

ويذهب بوعود إلى القول بأن "السبسي يسعى أيضا من خلال هذا الملف لضرب حكومة الشاهد وإضعافها، باعتبار أن النهضة هي أبرز الداعمين لحكومته".

جدل عبر الشبكات الإجتماعية

وكان اهتمام رئيس الجمهورية بملف الاغتيالات السياسية والجهاز السري لحركة النهضة والمنوطة في شق منها بعهدة القضاء، شكّل حديث نشطاء الشبكات الاجتماعية.

اقرأ أيضا: الغنوشي يتمسك بالشاهد ويتحدث عن علاقته بالسبسي (فيديو)

واعتبر رئيس حزب البناء الوطني، رياض شعيبي في تدوينة مطولة أن "الرئيس يستغل سذاجة الجبهة الشعبية للضغط على النهضة حتى تتخلى عن مساندتها للشاهد".

فيما ذهب الناشط السياسي سامي بن سلامة إلى أن "وضع مسألة الجهاز السري لحركة النهضة على جدول أعمال مجلس الأمن القومي، أكبر دليل على أنو حقيقة ومعترف بوجوده رسميا."

ورأى المحلل السياسي سمير عبد الله أن تطرق تعهد السبسي بملف الجهاز السري لحركة النهضة يدخل ضمن "صلاحياته الدستورية باعتباره رئيس مجلس الأمن القومي والقائد الأعلى للقوات المسلحة والضامن لأمن البلاد".